الأمن العام السوري يحتوي «تمرّد» الساحل وينفّذ حملة تمشيط واسعة

بعد هجمات منظمة هي الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، قالت إدارة الأمن العام في سوريا، إن قواتها احتوت حادثة «تمرد» واسعة، استهدفت مواقع عسكرية وأمنية حساسة في الساحل، وشنت حملة تمشيط واسعة في ريف اللاذقية الشمالي والشرقي وأوتوستراد «أم فور» في اتجاه مدينة جبلة، كما فكت حصارا كان مفروضا على عناصرها في القرداحة.
يجري ذلك وسط معارك عنيفة في جبلة والقرداحة في ريف اللاذقية، وفرض حظر للتجوال ( ينتهي اليوم السبت) في ثلاث محافظات هي اللاذقية وطرطوس وحمص، ووصول تعزيزات ضخمة للجيش من معظم المحافظات إلى منطقة الساحل، بالتوازي مع ردة فعل جماهيرية جارفة، وحراك شعبي بدء منذ ليل الجمعة، ومظاهرات حاشدة تحت شعار جمعة الوفاء لدماء الأحرار.
مصدر في وزارة الدفاع قال لوكالة الأنباء الرسمية «سانا» إن قواتنا بدأت بالانتشار في مدينتي اللاذقية وطرطوس دعماً لقوات إدارة الأمن العام ضد فلول ميليشيات الأسد، ولإعادة الاستقرار والأمن للمنطقة.
وزاد: تمكنت قواتنا من فك الحصار المفروض من قبل فلول النظام البائد على مقاتلينا بمحيط مدينة القرداحة، بعد اشتباكات عنيفة بالمنطقة.
وأوضح أن فلول النظام المخلوع اتخذت من أبنية ومرتفعات مدينة القرداحة وكراً لها، وتستهدف قوات الجيش، مؤكداً أن الجيش ينفّذ الآن عمليات نوعية دقيقة بالتنسيق مع قوى الأمن العام ضد فلول النظام المخلوع التي غدرت بقواتنا وأهلنا في مدينة القرداحة.
تقدم سريع
المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية العقيد حسن عبد الغني، قال: حققت قوات وزارة الدفاع تقدماً ميدانياً سريعاً، وأعادت فرض السيطرة على المناطق التي شهدت اعتداءات غادرة ضد رجال الأمن العام، وقمنا بتنفيذ عمليات تطويق محكمة ما أدى إلى تضييق الخناق على العناصر المتبقية من ضباط وفلول النظام البائد، فيما تستمر القوات في تقدمها وفق الخطط العملياتية.
وحذر من العواقب الوخيمة «للاستمرار في الغدر» مؤكداً أن كل من يرفض تسليم سلاحه للدولة سيواجه رداً حاسماً لا تهاون فيه.
هجمات منظمة
وحسب مصادر عسكرية مسؤولة فإن الهجوم الواسع هو الأول من نوعه، من حيث التنسيق بين قيادات وقوات نظام الأسد المخلوع مع بعضها، حيث تتلقى هذه المجموعات دعما وإشرافا داخليا وخارجيا، إذ بدأت الهجمات بشكل منظم مستهدفة مواقع عسكرية وأمنية حساسة، نفذ خلالها المهاجمون عدة كمائن بموازاة اشتباكات متزامنة في أكثر من موقع.
وحول خطورة المشهد، يقول النقيب رشيد الحوراني: سبب هذه الهجمات وجود قادة كبار من ضباط وشبيحة ما زالوا طلقاء ويحشدون ضد الحكومة الجديدة بدعم خارجي أمثال غياث دلة، ومقداد فتيحة، وإذا قارنا ما جرى في السابق في منطقة تلكلخ، حيث ساد فيها الأمن والاستقرار منذ القضاء على القيادي في الفرقة الرابعة شجاع العلي.
وقدّر المتحدث العسكري أن الأمن العام يتجه في الساحل إلى سيناريو تلكلخ نفسه حيث ألقى القبض على اللواء ابراهيم حويجة المتهم بجرائم كثيرة، ومئات الاغتيالات ي فعهد حافظ الأسد، منها الإشراف على اغتيال كمال بيك جنبلاط.
وأضاف: تزامنت الأحداث في مناطق متعددة من الساحل السوري، مع صدور سلسلة بيانات متتالية تصب في اتجاه واحد مفاده مواجهة القوات الحكومية، وهذه البيانات أولها تشكيل المجلس العسكري بقيادة العقيد غياث دلة، وبيان المجلس الإسلامي العلوي في اللاذقية، وبيان إعلان تشكيل ما تسمى قيادة المنطقة الساحلية من ضباط وفلول النظام، وآخرها تبني إيران للحركات المسلحة ودعمها لها ضد القوات الحكومية، ورغم هذه البيانات المتعددة إلا أنها تدل على عدم قدرتها على التجمع تحت قيادة واحدة، في المقابل سرعة سيطرة قوات الأمن العام والقوى العسكرية من الجيش على المناطق يدل على انعدام الحاضنة الشعبية لتلك الجهات.
ورجح أن تكون إيران أحد الأطراف التي تقف وراء دعم العمليات المسلحة ضد الحكومة الجديدة، نظرا لحضورها في الساحل السوري وقراها، وقد تكون روسيا لتعثر مفاوضاتها مع دمشق، وقد تكون إسرائيل لإرباك وأضعاف السلطة الجديدة.
وتابع: بشكل عام ما يجري اختبار لحكومة دمشق من قبل المجتمع الدولي فيما إذا كانت قادرة على امتصاصه بطريقة تحافظ فيها على السلم الأهلي. وعلى هامش حملتها الأمنية، أفاد» المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن إقدام «عناصر من قوات الأمن على إعدام 69 شابا ورجلا علويا قي بلدتي الشير والمختارية في ريف اللاذقية» وفق مقاطع فيديو تحقق من صحتها، وشهادات حصل عليها من عدد من أقرباء الضحايا وأفراد عائلاتهم.
ونشر ناشطون والمرصد السوري مقاطع فيديو تظهر عشرات الجثث بثياب مدنية مكدسة قرب بعضها البعض في باحة أمام منزل، وقرب عدد منها بقع من الدماء، بينما كانت نسوة يولولن في المكان.
وفي مقطع آخر، تظهر عناصر بلباس عسكري وهم يأمرون ثلاثة أشخاص بالزحف على الأرض، واحدا تلو الآخر، قبل أن يطلقوا الرصاص عليهم من رشاشاتهم من مسافة قريبة. ويظهر في مقطع ثالث مقاتل بلباس عسكري وهو يطلق الرصاص تباعا من مسافة قريبة على شاب بثياب مدنية في مدخل مبنى قبل أن يرديه قتيلا.
وإلى جانب القتلى الـ69، أوقعت الاشتباكات في اللاذقية منذ الخميس 78 قتيلا، بينهم 37 عنصرا من قوات الأمن و34 من المسلحين الموالين للأسد، إضافة الى سبعة مدنيين، وفق المرصد.
كم تداول سوريون على مواقع التواصل أوراق نعوة لقتلى مدنيين سقطوا خلال الحملة الأمنية. وتحدث بعضهم عن انتهاكات واقتحام بيوت وسرقة سيارات.
وقال مصدر أمني في وزارة الداخلية، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية «سانا» إنه بعد قيام فلول النظام البائد باغتيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير منظمة للساحل مما أدى لبعض الانتهاكات الفردية.
وتابع: نعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري، من دون شرح ماهية الانتهاكات.
وكشف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن «انتهاكات خطيرة» خلال العمليات الأمنية للقوات السورية في محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري.
وأشار في حديث إلى أن عصابات موالية لنظام الأسد قتلت 100 من قوات الأمن و 15 مدنيا فيما سُجل مقتل قرابة 125 مدنيا على يد قوات الأمن في أرياف اللاذقية وطرطوس وحماة. وكشف أن حملات قوات الأمن تخللتها عمليات إعدام ميداني واسعة، مؤكدًا رصد مقتل أكثر من 50 مدنيا نتيجة إعدامات دون أي محاكمة.
عبد الغني تحدث في قراءة مقتضبة عما حصل في الساحل، حيث تحدث لـ «القدس العربي» عن دور روسي، وقال: بعد أسابيع من الاضطرابات الأمنية المحدودة، في المناطق الساحلية في سوريا، وخصوصًا اللاذقية وجبلة وطرطوس، بدأت اليوم هجمات منسقة تستهدف مواقع عسكرية وأمنية هامة، مما يدل على وجود تخطيط وتنظيم يتجاوز العمليات الفردية أو العشوائية. الأسلوب المتبع في هذه الهجمات، من حيث التنسيق بين المحاور المختلفة والانسحاب إلى المناطق الجبلية بعد التنفيذ، يعكس تكتيكات حرب العصابات المدروسة. كما أن تعدد الكمائن والاشتباكات المتزامنة في أكثر من موقع يشير إلى أن العصابات يمتلكون معلومات استخباراتية مسبقة عن تحركات القوات الأمنية، وهو ما يؤكد وجود جهات داخلية أو خارجية تقدم لهم الدعم اللوجستي والمعلوماتي.
وتابع: هناك مؤشرات عن دور مؤكد لغرفة عمليات في قاعدة حميميم التي تديرها روسيا، في تنسيق بعض هذه التحركات، كما لوحظ عودة نشاط لوسائل الإعلام الإيرانية والروسية في تغطية التطورات في سوريا، ما يشير إلى احتمالية وجود أجندات سياسية خلف التصعيد.
ورأى أن استجابة الدولة السورية للأحداث تعكس إدراكا لخطورة التصعيد، حيث تم إرسال تعزيزات عسكرية وأمنية كبيرة من مختلف المحافظات إلى المناطق التي شهدت اشتباكات. كما أن عمليات التمشيط الجارية في الجبال المحيطة بالساحل السوري تؤكد أن السلطات باتت ترى في هذه الهجمات تهديدًا استراتيجيًا لا يمكن التعامل معه بأساليب تقليدية، خصوصًا مع صعوبة التضاريس التي تمنح المجموعات المهاجمة قدرة أكبر على الاختباء والمناورة.
هذه المؤشرات مجتمعة تعني أن المواجهة الحالية قد تكون بداية لمرحلة أكثر تعقيدًا، حيث سيتعين على الدولة السورية التعامل مع التهديدات الأمنية المباشرة، وأيضًا وهو الأهم، مع التداعيات السياسية لهذا التصعيد.
طلال عبد الله جاسم، وهو سياسي سوري، لم يستغرب ما حدث من هجوم منسق في عدد كبير من القرى والمدن الساحلية، عازيا السبب إلى مجموعة من الأسباب، أولها تصريحات «المسؤولين الإيرانيين بالتجهيز لمثل هذا التحرك وبشكل علني» إضافة إلى وجود مجموعات عديدة كانت تابعه للنظام تعمل على شكل مافيات وتهريب الممنوعات وتجارة الكبتاغون واليوم فقدت مصادر دخلها، كما أن العديد من مجرمي النظام السابق باتوا مهددين بإلقاء القبض عليهم، ومنذ أيام قليلة هاجم وزير الخارجية التركي إيران بعد معلومات عن دعمها لتحالف من «قسد» وفلول النظام وفصائل الجنوب.
عملية مخطط لها
وردت إيران بقوة على تركيا، وهذا يدل حسب المتحدث على أن العمل مخطط ويستهدف انهيار الحكومة الجديدة، خاصة أن الحكومة الجديدة ورثت خرابا كبيرا وخزائن فارغة، وحتى الآن ورغم كل ما قدمته لم تحصل على أي مساعدة مالية لتواجه التحديات الكبرى أمامها، حتى الموارد السورية التي يمكن أن تشكل إسعافا سريعا للوضع، لم يسمح للحكومة الجديدة بالوصول إليها، اذاً كل ما قدمته الحكومة الجديدة من تطمينات وأفعال لطمأنة العرب والغرب والشرق، لم تكافأ عليها، وهناك سخط شعبي في أوساط الحاضنة الشعبية للثورة من عدم سيطرة الدولة على كامل ترابها الوطني.
وقال: هذه هي المقدمات، ولكن ما لم يكن في الحسبان عند المنسقين والممولين والمنفذين لهذا الهجوم الكبير، هي ردات الفعل الجماهيرية الجارفة حيث تحركت كل الجهات المسلحة وبقوات كبيره وبسرعة كبيرة.
الحسم العسكري
وعبّر طلال جاسم عن توقعه بحسم الأمر عبر حملة أمنية واسعة تشمل الساحل السوري كاملا، كما أن الصبر تجاه الجنوب والشمال شرق بدأ ينفد، وبات لا بد من حسم ملف حصر السلاح بيد الدولة وممارسة الدولة لسيادتها على كامل التراب السوري أيا كان الثمن، سواء كانت هناك توافقات دولية أم من دونها، لان الدولة باتت بخطر فعلي يهدد وجودها.
وحسب وجهة نظر السياسي السوري، فإنه لم يعد أمام القيادة الجديدة إلا حسم الأمر سياسيا أو عسكريا إذا اقتضى الأمر.