باحث فرنسي: سقوط النظام السوري أزال الأقنعة التي اضطر المنفيون إلى ارتدائها
قال الباحث الفرنسي فرانك ميرمييه، هو مدير الأبحاث في CNRS، معهد البحوث متعدد التخصصات حول القضايا الاجتماعية، إنه سيكون من الصعب التعبير بالكلمات عمّا شعر به المنفيون السوريون عند الإعلان عن السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد، في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، إلا إذا قمنا بتسطيح كل شيء بتعميمات لا تأخذ في الاعتبار التداعيات الشخصية لسنوات الدكتاتورية والثورة والحرب والمنفى.
مشاعر ممزوجة بالابتهاج والفرح والارتياح والدهشة لا شك، لكنها أيضاً حزن وأسى على القتلى والجرحى والمفقودين، ناهيك عن الغضب على الخسائر البشرية الهائلة خلال عقد دموي (2011-2024). فهروب الدكتاتور، وغياب إراقة الدماء بعد الاستيلاء على دمشق، أعقبته مشاهد ابتهاج في عموم سوريا، تم خلالها رفع علم الثورة السورية، يوضح الكاتب.
وساد فجأة جو من التحرر، يتناقض مع مناخ الخوف والقمع الذي أسسه نظام الأسد في سوريا منذ ثلاثة وخمسين عاماً.
الشعارات الأولى التي رفعها المتظاهرون في عام 2011، “سوريا حرة” و“سوريا موحدة”، والتي تكررت مراراً وتكراراً، كانت أيضاً وسيلة بالنسبة للكثيرين لدرء مستقبل مرهون بالأعمال السابقة لأسياد دمشق الجدد.
ومهما كانت نتيجة هذه الأشهر الأولى من الفترة الانتقالية، فإن شعور الخلاص الذي انتشر بين السكان السوريين يتجسد مع إمكانية العودة إلى سوريا التي يعتقد البعض أنه فقدها إلى الأبد.
وتابع الباحث الأنثروبولوجي الفرنسي ميرمييه القول إن العيش لأكثر من عقد من الزمن تحت غطاء اسم مستعار للهوية للهروب من أجهزة مخابرات النظام، وتجنّب الأعمال الانتقامية ضد العائلة التي بقيت في سوريا، كان يتطلب التوفيق بين شخصية مزدوجة، وهوية حقيقية في بلد المنفى، وأخرى مقنعة باسم مستعار يضمن نوعاً من عدم الكشف عن هويته في التعامل مع المجتمع السوري من الداخل والخارج.
هذا الوضع عاشه بشكل رئيسي الصحفيون والناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، مع تدرجات في الحفاظ على عدم الكشف عن هويتهم، من المجال العام السوري إلى المجال الودي والعائلي.
وأتى الإعلان عن سقوط النظام ليزيل الأقنعة التي اضطر الكثيرون إلى ارتدائها. فمن خلال إعلان أسمائهم الحقيقية على شبكات التواصل الاجتماعي أو في المقالات، فقد دخلوا، من خلال فعل الحرية الفردية هذا، في ديناميكية التحرر الجماعي.
كما كان ذلك بمثابة لفتة تحدٍ، وطريقة للاستهزاء بمؤيدي النظام الذين أخبروهم، في دوائر قريبة منهم، أنهم اتخذوا الاختيار الخاطئ والذين أدانوهم أخلاقياً.
لقد أدى استئناف الاسم الحقيقي إلى عكس وصمة العار، إذا جاز التعبير، المتمثلة في العيش في إخفاء الهوية القسرية. لقد حان دور “الموالين” الآن للابتعاد عن الأنظار، والالتفاف، بالنسبة للكثيرين، وهو ما يصبح في اللغة العربية السورية ”التفاوض على تغيير مسار”، يقول الباحث الفرنسي.
واعتبر فرانك ميرمييه أنه إذا كان هذا الخروج من المجهولية القسرية يجعل من الممكن إعادة دمج الجسم الاجتماعي من خلال وضع حد لانفصال الشخصية العامة، فإنه يسبب عواقب غير متوقعة على الشعور بالذات.
ويقابل رفع حجاب الاسم المستعار انحلال حالة يصفها البعض أحياناً بالفصام. لقد تطلب الأمر أشكالًا من الإخفاء، مثل التصرف بشكل مختلف والرقابة الذاتية اعتمادًا على المواقف ودرجة خطورتها، أو فتح حسابين على فيسبوك، أو الحصول على رقميْ هاتف.
تمكنت علاقة عاطفية من التشكل مع اللقب المزدوج الذي أصبح عادة عرفية انتهى بها الأمر إلى أن تشكل جزءًا من الذات، ما أدى أحيانًا إلى الحفاظ على الاسم الأول المفترض في الأوساط الحميمة. لكن إمكانية استعادة اسمه عند الولادة في تفاعلاته مع المجتمع السوري والعودة إلى سوريا، مع تزامن الأمرين، أزالت عبء الشخصية المفككة.
لقد ترسخت خفة/سهولة جديدة لدى المنفيين السابقين الذين تغيرت علاقتهم بالبلد المضيف والوطن الذي أعيد اكتشافه، حيث لم يعد المنفى قدراً، وأصبحت العودة خياراً، أو “نقطة انطلاق”. وفتحت قوة الحدث مجال الإمكانيات على المستوى الفردي والجماعي.
لقد أنتجت بالفعل، وبشكل مفاجئ، محاولات لإعادة الكتابة الغائية للثورة السورية، وهي كلها طرق لإعادة التكيف فرديًا وجماعيًا مع ذروة هذه النتيجة غير المتوقعة، يقول الباحث الأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه.