المتلاعبون بالإعلام وراء الحملة الإعلامية ضد أحمد الشرع
لا يجوز لمصر أن تكون خارج الكادر في المشهد السوري، وتترك الأمر لرعونة الأبواق الإعلامية للسلطة!
فالدول لا تخاصم لأسباب أيديولوجية، والنظام الحاكم المصري لديه مشكلة مع الإسلاميين، المنافس الوحيد له على السلطة، لذا فقد اتخذ موقفاً ضد كل الإسلاميين في عموم الكرة الأرضية، فضلاً عن أنه يشعر باهتزاز موقفه بسقوط بشار الأسد!
في بداية الانقلاب عادى حركة «حماس»، والسلطة في السودان، واندفع إعلاميون بالتلفيق والادعاء، يهاجمون الحركة والنظام السوداني باعتبارهما حليفين للرئيس مرسي، دون وعي بمخاطر هذا على الأمن القومي المصري، لكن النظام وجد نفسه مضطراً للتقارب مع السلطة السودانية، ففعل، ليتحول عمر البشير إلى صديق، ثم استشعر أن «حماس» سترتب له مكانة دولية، بحكم سيطرته على المعبر، ومن ثم طلب وساطته، فتقرب منها، وكان بايدن في حملته الانتخابية قد أعلن أنه لن يتحدث مع الرئيس المصري إلا بعد أن يُحدث تغييراً في ملف حقوق الإنسان، لكنه وجد نفسه مضطراً للتواصل معه بدون أن يفعل هذا، طلباً للوساطة!
نست السلطة المصرية كل الدعاية الإعلامية عن أن «حماس» فتحت السجون في أيام الثورة، وأن رجالها اخترقوا الحدود المصرية بسيارات الدفع الرباعي ليلة جمعة الغضب، وأنهم قتلوا الجنود المصريين، واستقبلت قادة الحركة، في وقت كانت فيه تحاكم مجموعة منها الرئيس مرسي بتهمة التخابر مع حماس.
وفي الموقف من «حماس»، ومن الحكم السوداني، تم تدارك الأمر، فكل طرف كان بحاجة للآخر، لكن ليس بين سوريا ومصر، علاقة جوار، أو مشترك مثل نهر النيل، أو بوابة مثل معبر رفح، يتحكم بها في أهل غزة، غضباً ورضاء، والسلطة الجديدة في سوريا، مختلفة في الانتماء الديني عن مدرسة الإخوان فلن ترضخ بالقول ولن يُلوى ذراعها، ومع هذه الشيطنة الإعلامية لشخص أحمد الشرع، قد لا يجد معنى للتقارب عندما يستشعر أصحاب الاستيعاب المتأخر للأشياء، أن القطيعة ساهمت في إخراج مصر من ملعب لا بد أن تكون لاعباً أساسياً فيه!
لقد كان جمال عبدالناصر من الذكاء بمكان، بحيث كان من بين المحيطين به، من يمثلون رسل السلام بينه وبين العالم، فمثلا كان علي صبري للتواصل مع روسيا، ومحمد حسنين هيكل للتواصل مع الأمريكان، وهكذا، والسلطة في مصر الآن تفتقر لسمات الدول، فلا يوجد في الحكومة من يصلح للتواصل مع أي جهة خارجية، ويتم قبوله بأريحية مع الجهة المكلف بالتواصل معها!
ومع ذلك ماذا لو امتلك الخيال، وكان رسوله إلى دمشق هو شيخ الأزهر، برمزيته ومكانته، فخطب الجمعة في المسجد الأموي؟ إن السلطة الجديدة ستعتبر حضوره مكسباً، ثم إنه إذا كان الخوف من أن يحسب تأييداً للثورة من الثورة المضادة في مصر، فشخص شيخ الأزهر سيخفف من مظهر التعبير عن النظام المصري، ثم إنه في خطابه سيكون داعية للوحدة، وعدم الاقتتال، والتمسك بحبل الله جميعا.
بيد أن السلطة التي تفتقد للخيال السياسي، دفعت بإعلامها لشيطنة الحاصل في سوريا، وافتعال مشكلات مع السلطة الجديدة.
في الأسبوع الماضي، اندفع أكثر من برنامج من برامج التوك شو، التي تقدمها الأذرع الإعلامية، في إبراز صورة أحد المعارضين المصريين مع الشرع، وكان ثالثهم السياسي التركي ياسين أقطاي، ونشر الصورة خطأ، وتصرف يفتقد للرشد من جانب هذا المعارض، وعلمت أن أقطاي طلب منه عدم النشر، لكنه فعل، في وقت توجد فيه صور للزعيم السوري والسياسي التركي بدون هذا الثالث، بل إن المباحثات بين الطرفين لم تظهر وجود المعارض المصري، فربما اكتفى بهذه الصورة، وربما كانت كل ما تعنيه!
وقد استغلتها هذه البرامج في الهجوم على أحمد الشرع، الذي استقبل من اغتال النائب العام المصري السابق هشام بركات، ولم يكن هذا صحيحاً، فلم يرد اسمه في قضية اغتيال النائب العام ولو على سبيل الخطأ، لكن الإعلام المصري يكذب، لنكون أمام صورة من صور التلاعب بالإعلام، باستخدامه في الاحتيال لتمرير الأكاذيب!
هل مطلوب من الشرع، أو أي شخصية عامة، أن يسأل عن هوية كل من يطلب التقاط صورة معه، ويطلب منه حمل «فيش وتشبيه» والاتصال بالجهات المعنية لمعرفة صحيفة الحالة الجنائية له وسوابقه الإجرامية؟
إنه التربص مع سبق الإصرار والترصد، والذي دفع مذيع قناة «القاهرة والناس» إلى أن يطلب من السلطة المصرية أن تلقي القبض على والدي أحمد الشرع، وهما يقيمان في مصر، حسب قوله، فهل يقيمان فيها فعلا؟!
لا يوجد ما ينفي أو يؤكد أن والدي الشرع في القاهرة، فلماذا في القاهرة وهو كان يحكم المناطق المحررة، التي كانت تقع خارج ولاية حكم بشار الأسد، ومع ذلك يتباكى المتباكون على وحدة سوريا بعد سقوط الأسد؟!
فقد قرأت خبراً يفيد أن الشرع ذهب لبيت أسرته في دمشق، وطلب من محتليه بقرار من النظام البائد اخلاءه، ومنحهم مهلة لذلك، حتى تتمكن أسرته من العودة إليه!
الحاجة لمجموعة إعلامية
وكثير مما ينشر في وسائل الإعلام يؤكد أن «حملة الشرع على دمشق» كانت في حاجة إلى مجموعة إعلامية تتابع ما يذاع وينشر، وترد عليه، تدقيقاً أو تكذيباً، وقد بدا جاهزاً للحكم من أول يوم، وهو ما تبين من خلال التشكيل السريع للحكومة، فلم يكن مشغولاً بالإعلام، حيث يختلف الإسلاميون بينهم ويجمع بينهم عدم الوعي بأهمية الإعلام!
والطواقم الإعلامية هناك، تحولت إلى جمهور، مشغول بنشر الصور من دمشق، عبر صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، أكثر من انشغالهم بتقديم مواد إعلامية، فحتى مذيعات «العربية» في تدافع من أجل التقاط الصور مع الشرع، فقد أفسدت وسائل التواصل الاجتماعي العمل الصحافي، وكم حدث من تلاعب بهذه المنصات، في ترويج الأكاذيب!
في الأيام الأولى لسقوط نظام بشار، بدأ استغلال منصات التواصل في نشر الأكاذيب، ومن الطرف المؤيد للثورة السورية والمعارض لها، وما انتشر انتشار النار في الهشيم، أن الإذاعة السورية منعت إذاعة أغاني فيروز، لأنها (بحسب ما نشر) نصرانية، وأن الشرع قرر عزل القاضيات. ليعتمدها كاتب كبير كعبدالله السناوي في مقال له، وإذا أعتبره البعض أنه فعل هذا عامداً متعمداً لكونه ناصرياً فإنني أستبعد ذلك تماماً، غير أن هذه المنصات أدخلت على كثيرين الغش والتدليس!
موقع الإذاعة السورية نفى منع فيروز بعد أن انتشرت الاشاعة واستقرت، لكنه موقع فقير وبدائي ليس واسع الانتشار، ومن عيب الإعلام الإلكتروني هو أنه يسهل عملية النقل، فلا تعرف أول من نشر الأكاذيب، والمجموعة الإعلامية كان يمكن أن توقف هذا التلاعب الإعلامي عند حده!
حقيقة القاهرة والناس
ما علينا، فقد رفع إبراهيم عيسى في قناة «القاهرة والناس» عقيرته مطالباً السلطة المصرية بالقبض على والدي أحمد الشرع (الجولاني)، فكان كالدبة التي قتلت صاحبها، عندما يصور النظام المصري على أنه قاطع طريق، يتصرف خارج إطار القانون، فيأخذ الأهل رهائن، وهي دعاية غاية في السلبية لهذا النظام، من داخله!
من قبل سألت من يملك قناة «القاهرة والناس»، ويتبنى الخطاب الزاعق ضد الإسلام وضد المقاومة الفلسطينية؟ ومن يعرف هيمنة السلطة على وسائل الإعلام لا يمكنه أن يفهم أن مطرب القناة يقدح من رأسه، ويقدم خطاباً يخالف هوى السلطة، فالكل مسير لا مخير، والسلطة أوقفت برنامجه على قناة «أون» لمجرد أنه انتقد رئيس مجلس النواب!
القاهرة والناس أنشأها رجل الإعلانات طارق نور، وكانت في البداية تعمل في شهر رمضان فقط، كمنصة إعلانية، وتأتي المادة الأخرى، لخدمة الإعلان فكانت برامجها منوعات، وقد تحولت إلى قناة مستمرة، لبرنامج واحد، فهل هي صدفة أن يكون هذا البرنامج لإبراهيم عيسى بالذات، ولا نعرف عن نور في يوم من الأيام أنه صاحب توجه فكري أو سياسي؟!
وكان عجباً أن الشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية» لم تستحوذ على القناة، مع أنها وضعت يدها على القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية، وعلى التلفزيون الرسمي أيضاً، لكن قناة «القاهرة والناس» ليست ضمن هذه القنوات بحسب المعلن، الأمر الذي دفعني للمطالبة بتطبيق القانون بنشر ميزانيتها، لنعرف بالتحديد من كفيل إبراهيم عيسى، ومن يطلقه ينهش في الإسلام وفي المقاومة؟!
في هذا الشهر تم الإعلان عن تحالف بين الشركة المتحدة وشركة طارق نور وقناة المحور لوضع استراتيجية مستقبلية لتطوير المنظومة الإعلامية بما يعود بالنفع على صناعة الإعلام، وفي نفس الخبر تعيين طارق نور رئيساً للشركة المتحدة!
وتقرأ هذا العبث فلا تعرف رأسك من قدميك، فهل طارق نور تحالف مع طارق نور، وهل طارق نور رئيس المتحدة هو ذاته طارق نور مالك «القاهرة والناس»، وأليس هذا يدخل في باب تضارب المصالح، بين مالك قناة ورئيس شركة تملك 17 قناة؟!
إبراهيم عيسى ليس مستقلاً يطل من قناة مستقلة، فلمصلحة من تذهب القاهرة بعيداً بهذا الخطاب غير المسؤول! لا يجوز لمصر أن تكون خارج الكادر!
صحافي من مصر