تغيير العملة السورية.. لماذا تغير الدول عملتها
برزت في الآونة الأخيرة مسألة استبدال العملات المحلية في عدد من دول العالم التي تعاني صراعات وتضخما مرتفعا وتدنيًا كبيرا في قيمة عملتها، وهناك مطالبات بفعل الأمر ذاته في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد ولإزالة ما تحويه من رموز للنظام السابق لا سيما صور بشار الأسد ووالده حافظ الأسد.
وأكد مصرف سوريا المركزي عقب سقوط بشار الأسد أن العملة المعتمدة في التداول داخل البلاد هي الليرة السورية بجميع فئاتها، وأنه لم يتم سحب أي فئة من التداول.
ويمكن للبنوك المركزية الإبقاء على العملة مع تغيير أوراق النقد كما حدث مؤخرا في السودان إذ غير بنك السودان المركزي أوراق النقد من فئتي 500 جنيه وألف جنيه، ويمكن أن يغير العملة برمتها إلى أخرى جديدة بسعر صرف جديد وربما اسم جديد.
قبل تغيير العملة
ذكر صندوق النقد الدولي في دراسة سابقة بهذا الصدد أن إصدار عملة جديدة ليس بالأمر السهل؛ فالاستقلال النقدي يتطلب درجة من الاستقرار المالي تستند إلى سياسات مالية سليمة يتم تنفيذها مع تقديم عملة جديدة، وقد يؤدي الافتقار إلى السياسات الداعمة الكافية إلى خسارة العملة الجديدة مصداقيتها، التي قد يكون من الصعب والمكلف استعادتها.
تشير دراسة الصندوق إلى أنه عندما تطرح دولة عملة جديدة:
يُمنح البنك المركزي حصرا سلطة إصدارها وتحديد ومراقبة كمية النقود المصدرة وسعر صرفها مقابل العملات الأجنبية، فضلًا عن اختيار نظام سعر الصرف (سواء المربوط بعملة أخرى أو المتروك لآليات السوق أو ما يعرف بالتعويم المدار).
وفي نظام العملة المربوطة، تهدف السياسة النقدية إلى الحفاظ على قابلية العملة الجديدة للتحويل بسعر صرف ثابت، وفي ظل هذا النظام، تربط الدولة عملتها بعملة دولة أكبر أو أكثر تقدما للحفاظ على الاستقرار النقدي، وفي الحالة الحالية يبرز الدولار كعملة يتم ربط قيمة العملات الأخرى بها فهي عملة التجارة العالمية والاحتياطيات النقدية.
أما سعر الصرف (المعوّم) فيتم تحديده بناء على متغيرات العرض والطلب على العملة الجديدة، فكلما زاد الطلب على سلع وخدمات دولة ما وبالتالي زاد مدخولها من العملات الأجنبية، ارتفع سعرها مقابل العملات الأخرى، والعكس.
وثمة سياسة أخرى تنتهجها غالبية دول العالم وهي ما يعرف بـ(التعويم المدار) ويتم تطبيقها عن طريق تحديد شروط للتدخل في سوق الصرف المحلية سواء لتقوية أو إضعاف العملة المحلية، وقد تكون هذه الشروط نطاقًا تنزل عنه العملة أو تزيد عليه، وقد يكون فقط حماية للعملة من التقلبات الشديدة (الارتفاعات والانخفاضات الكبيرة في سعر الصرف) كما حدث في الين الياباني السنة الماضية على سبيل المثال.
فقدت الليرة السورية غالبية قيمتها أمام العملات الأجنبية (غيتي)
وتعتمد قدرة البنوك المركزية على تحقيق الاستقرار في سعر الصرف على ما لديها من مدخولات واحتياطيات من العملات الأجنبية لا سيما من الدولار والذهب أو سلة من العملات بأوزان نسبية، فإذا أراد بنك مركزي رفع سعر العملة المحلية في وقت ما اشترى من السوق المزيد من أوراق النقد المحلية مقابل دفع الدولار أو العملة الأجنبية، والعكس إذا أراد خفض سعر صرف العملة.
وفي الحالة السورية، لم يبلغ البنك المركزي عن بيانات الاحتياطي منذ أكثر من عقد من الزمان ولا يُعرف مقدار الاحتياطيات التي تحت تصرفه، لكن آخر التقديرات من صندوق النقد الدولي وبنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي في سانت لويس ذكرت أنها 18.5 مليار دولار في عام 2010، وذكر مجلس الذهب العالمي أن البنك لديه 25.8 طنًا من الذهب، وذلك في يونيو/حزيران 2011.
قوة العملة
تشير دراسة صندوق النقد الدولي إلى أن مصداقية وقوة العملة الجديدة، كما يعبر عنها سعر صرفها، يتم تعزيزها من خلال ما يلي:
توحيد سعر الصرف: ما يزيد من الثقة في العملة الجديدة ويزيل التشوهات التي تنشأ عن أسعار الصرف المزدوجة أو المتعددة (بين سعر صرف رسمي وآخر مواز وآخر عند تقييم سلع مختلفة).
قابلية تحويل العملة: ما يزيل الضوابط المفروضة على المعاملات الدولية، ويسهل اندماج الدولة في الاقتصاد الدولي.
سوق الصرف التنافسية والفعالة: وهي توجه النقد الأجنبي إلى أكثر استخداماته ربحية.
مجلس منظم لإدارة العملة: وبصفته مصرفًا للحكومة، يحتاج البنك المركزي إلى إجراء معاملات الصرف الأجنبي الحكومية بكفاءة (في البداية، غالبا ما يكون هذا النشاط جزءا مهما من السوق).
ويقوم البنك بتنظيم إدارة النقد الأجنبي، وإنشاء الرقابة والإشراف الحصيف على تجّار النقد الأجنبي في البنوك وأماكن أخرى، ووضع المبادئ والإجراءات للتدخل في الأسواق وإدارة الاحتياطيات الدولية.
تجعل التشريعات العملة الجديدة قانونية، وتمنح البنك المركزي سلطة إصدار النقود الجديدة، وتنظم معاملات الصرف الأجنبي، وتمنح البنك المركزي أو أي هيئة حكومية أخرى سلطة صياغة اللوائح الداعمة، وتحدد كيفية التعامل مع مختلف أنواع الأصول المالية والعقود أثناء وبعد طرح العملة الجديدة.
ووفق دراسة الصندوق، لابد من التوصل إلى قرارات بشأن التصرف في الأوراق النقدية التي يتم سحبها من التداول عند طرح الأوراق النقدية الجديدة، وبشأن ترتيبات الدفع والمقاصة والتسوية، وبشأن التصرف في أصول والتزامات البنك المركزي مع العملة السابقة، وبشأن معاملة المقيمين وغير المقيمين فيما يتصل بحقوق الاحتفاظ بالودائع بالعملات الجديدة والقديمة.
إصدار العملة
بعد اتخاذ هذه القرارات، لابد من تناول الاعتبارات العملية لإصدار العملة الجديدة والاستعدادات للتحول الفعلي، فما القيمة التي ينبغي أن توضع على العملة في البداية؟ وكم عدد الأوراق النقدية التي ينبغي إصدارها؟ وكيف ستُقَيَّم الأوراق النقدية وتُصمم؟
تقييم العملة: ستكون عملية التحويل أبسط إذا استُخدِم سعر تحويل بسيط، والحل الأسهل هو أن تكون العملة الجديدة مرتبطة بالعملة القديمة بقوة عشرة (أي بإزالة صفر أو أصفار في بعض الأحيان)، ومن المفيد أيضا أن تكون الوحدة الفرعية للعملة الجديدة (ربما جزء من 100 كالدولار والسنت أو الجنيه والقرش) مساوية تقريبًا لقيمة أصغر عملية شراء شائعة.
تحديد كمية الأوراق النقدية: في البداية، يجب طباعة ما يكفي من الأوراق النقدية الجديدة لاستبدال جميع الأوراق النقدية المتداولة في البلاد بسعر التحويل الرسمي والسماح بتحويل أي تدفقات غير قانونية محتملة من الأوراق النقدية القديمة.
وبعد التحويل، قد يكون ثمة حاجة إلى المزيد من الأوراق النقدية لتلبية أي ارتفاع في الطلب والحفاظ على مخزونات كافية، ويتم تقدير الطلب على الأوراق النقدية وكمية كل فئة.
تصميم الأوراق النقدية: يتم تصميم الأوراق النقدية لتكون سهلة الاستخدام وجعل تزويرها صعبًا ومكلفًا، ويشمل مستخدمو الأوراق النقدية عامة الناس وأمناء الصناديق والبنك المركزي وحتى آلات البيع.
وتكون المصلحة الرئيسية للجمهور هي سهولة التعرف على فئة الورقة النقدية؛ فطباعة القيمة بأرقام كبيرة على الوجه الأمامي والخلفي للورقة النقدية واستخدام ألوان مختلفة للفئات النقدية تجعل من السهل التمييز بين الأوراق النقدية، كما أن التاريخ والرقم التسلسلي والتوقيعات المختارة والأشكال المقبولة مجتمعيا، أمور لازمة.
بدء الاستبدال
إطلاق العملة: يحتاج الناس إلى معرفة كيفية استبدال الأوراق النقدية القديمة والودائع والكوبونات بأوراق نقدية وودائع جديدة أثناء التحويل، وعادة يصدر إعلان يشرح كيفية تحويل المقيمين وغير المقيمين للأوراق النقدية والكوبونات وكيفية التعامل مع أي حيازات من الأوراق النقدية تتجاوز المبلغ الذي يمكن تحويله.
ويصف الإعلان كيفية تحويل الودائع والالتزامات بالعملة القديمة، فضلا عن الأصول المالية غير المصرفية والمطلوبات والعقود الأخرى، ويسرد اللوائح التي تحكم المعاملات بالعملة القديمة والعملات الأجنبية الأخرى أثناء وبعد فترة التحويل.
يمكن استخدام الفترة بين الإعلان وتقديم العملة الجديدة لشرح عملية التحويل للأشخاص والمؤسسات، وخلال هذه الفترة، يجوز للجمهور إيداع أي حيازات نقدية إضافية في حسابات لدى البنوك، مما يخفف الضغط على البنوك أثناء التحويل الفعلي.
الإنفاق خلال التحويل: تصبح العملة الجديدة قانونية اعتبارا من اليوم الأول لفترة التحويل، ومن شأن السماح باستخدام كل من العملة القديمة والجديدة أثناء التحويل أن يقلل من الضغوط على السكان للتخلص من أوراقهم النقدية القديمة.
ويُسمح للمحلات التجارية بالمساعدة في عملية التحويل من خلال استبدال الأوراق النقدية القديمة بأوراق نقدية جديدة.
الحد من تدفقات العملة القديمة: قد تشعر السلطات بالقلق إزاء تدفقات الأوراق النقدية القديمة من غير المقيمين الذين يشترون السلع خلال فترة التحويل، لتجنب التدفقات الكبيرة، لا تسمح الحكومات عادة إلا للمقيمين الذين تجاوزوا سنًا معينة بالتحويل، ولا يُسمح لغير المقيمين بشراء أوراق نقدية جديدة، باستثناء السياح، الذين يُسمح لهم عادة بتغيير مبلغ محدود.
القروض والودائع المصرفية: يتم تحويل القروض والودائع المصرفية المحلية (للمقيمين وغير المقيمين) المقومة بالعملة القديمة إلى عملة جديدة في اليوم الأول من فترة التحويل. ويتم تغطية المقيمين وغير المقيمين على حد سواء، وعادة ما يتم منح المودعين الراغبين في الاحتفاظ بودائعهم المقومة بالعملة القديمة الفرصة للقيام بذلك من خلال طلب سدادها بأوراق نقدية من العملة القديمة في غضون فترة قصيرة بسعر التحويل الرسمي. (يمكن للبنك المركزي أو الحكومة توفير العملة من الأوراق النقدية القديمة المكتسبة أثناء التحويل).
العقود المالية بالعملة القديمة: يجب تحويل جميع العقود المالية بين المقيمين والتي يتم التعبير عنها بالعملة القديمة إلى شروط عملة جديدة، يمكن أن تظل العقود بين المقيم وغير المقيم في البلد الذي يخضع للتحويل مقومة بالعملة القديمة.
ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه السوداني
لماذا تلجأ الدول إلى تغيير عملاتها المحلية؟
تشير تجارب الدول إلى العديد من الأسباب التي تدفع إلى إصدار عملة جديدة في بلد ما منها:
الانفصال عن تحالف نقدي: وهنا الاتحاد السوفياتي يعد نموذجا؛ فعندما انهار احتاجت الدول المستقلة إلى إصدار عملات تخصها.
إصدار عملة موحدة: كاليورو مثلا بعدما كانت كل دولة من دول التكتل لها عملتها الخاصة.
مكافحة التضخم: مثلما حدث في العديد من البلدان التي هوت عملتها بصورة كبيرة أمام العملات الرئيسية في العالم.
مواجهة عمليات تزوير العملة أو حرمان مناطق متمردة على حكومات الدول من قيمة ما لديها من نقد، كما في حال السودان مؤخر