صحيفة فايننشال تايمز: تَقدُّم المعارضة نكساتٌ تكتيكية لروسيا في الشرق الأوسط.. وآخر سلسلة من تداعيات حرب غزة
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقال رأي لحنا نوت، مديرة برنامج الحد من انتشار السلاح النووي في أوراسيا بمركز جيمس مارتن ببرلين، قالت فيه إن تقدم قوات المعارضة السورية المسلحة يمثّل تهديداً خطيراً لطموحات روسيا في الشرق الأوسط.
وقالت إن القوات الروسية تواصل تقدمها في الأراضي الأوكرانية، في وقت تعرضت فيه لنكسة تكتيكية في الشرق الأوسط. ولم يكن سقوط حلب بأيدي المقاتلين السوريين إلا أحدث حلقة في سلسلة من التطورات، التي بدأت منذ أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، والتي تسبّبت في مشاكل للكرملين.
وفي وسط الحرب المستمرة في غزة، استهدفت إسرائيل إيران، شريكة روسيا والجماعات المرتبطة بها في محور المقاومة، في حرب متبادلة بسوريا أدّت فيها الغارات الإسرائيلية المكثفة إلى القضاء على عشرات المقاتلين، وتدمير مخازن الأسلحة التابعة لإيران.
وزادت إسرائيل من الرهان، في أيلول/سبتمبر، عندما استهدفت “حزب الله” ومقاتليه في عملية تفجير البيجر وأجهزة الووكي-توكي، وبلغت ذروتها بقتل قياداته.
وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر، قصفت إسرائيل برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، ومواقع صناعية دفاعية أخرى. وفي الوقت الذي كشفت فيه العمليات الإسرائيلية أنها جادة في التعامل مع إيران، لم يكن لدى موسكو، التي تضع الحرب في أوكرانيا على رأس أولوياتها، القدرة، أو حتى الرغبة، في الظهور كفارسٍ بدرعٍ لامع دفاعاً عن إيران.
وتشير الكاتبة إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية ضد إيران، ربما تركت أثرها على قدرة طهران على تسليم الصواريخ وغيرها من المعدات إلى روسيا، على الأقل في الأمد القريب.
وفي إطار آخر، ربما كان تَزامنُ القتال في أوكرانيا والشرق الأوسط سبباً في تعزيز رغبة روسيا وإيران في التعاون، مع أنه يحدّ في الوقت نفسه من الدعم الذي يمكن أن يقدمه كلٌّ منهما للآخر. وقد زاد الهجوم الخاطف لقوات المعارضة من مشاكل وآلام روسيا.
فقد ظلت سوريا بمثابة قصة نجاح لروسيا، فمن خلال التدخل في الحرب السورية عام 2015، أنقذ الرئيس فلاديمير بوتين، بشار الأسد، حيث قدم صورة عن الحليف الذي يوثق به، خلافاً للصورة المعروفة عن الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة.
وكانت سيطرة القوات السورية، بدعم روسي، على الجزء الشرقي من حلب، عام 2016، نقطة محورية دفعت موسكو للإعلان عن عملية أستانة بالتعاون مع إيران وتركيا. ومنذ عام 2017، قامت هذه العملية بتحديد مسار النزاع، وفتحت المجال أمام ظهور توازن هش بين الجماعات الداخلية والخارجية التي تتقاسم البلاد.
وبعد الغزو الشامل لأوكرانيا، عام 2022، اعتقدت موسكو أنها قادرة على التحكّم بالوضع السوري، وبأقل جهد. ولهذا قامت بإعادة ضبط وجودها العسكري، ودفعت باتجاه إعادة تأهيل الأسد إقليمياً ودولياً، لكنها اصطدمت بحائط بسبب رفض الزعيم السوري التنازل قيد أنملة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي الوقت نفسه، توقف التقدم نحو حلّ سياسي حقيقي للصراع تماماً، مع عرقلة روسيا لانعقاد اللجنة الدستورية السورية.
وفي الأسبوع الماضي، تعلمت روسيا الدرس الصعب، وهو أن النزاعات المجمدة تظل متجمدة حتى تنضج. وكانت موسكو خائفة لأشهر من أن تجرف الهزات الارتدادية لهجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر سوريا، ولهذا فوجئت على ما يبدو من الهجوم الخاطف على حلب.
وتعلق الكاتبة أن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر غيّرت الديناميات، وقدّمت منافع لروسيا، من خلال حرف انتباه الغرب عن أوكرانيا إلى الشرق الأوسط. ولكن الهجمات خلقت الكثير من المخاطر لروسيا التي توسّعت في القتال على عدة جبهات. وأصبحت إيران ضعيفة، وأضعف مما كانت عليه في العام الماضي. وساهمت الحملة الإسرائيلية ضد “حزب الله” في خلق الظروف الملائمة للعملية ضد حلب. كما شعرت تركيا، شريكة روسيا في عملية أستانة، بوجود فرصة لإنهاء العمل غير الناجز في سوريا.
وتعتقد نوت أن النكسات الروسية الإقليمية تظل حتى الآن تكتيكية، وذات آثار محدودة على حملتها في أوكرانيا. ولكن هل تتحول الأحداث الأخيرة إلى صداع إستراتيجي لموسكو؟ تجيب نوت أن هذا يعتمد على ساحة المعركة في سوريا والديناميات الجديدة، وكذلك شهية إسرائيل لضرب إيران، وعلى الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب.
وفي الوقت الحالي، تسعى روسيا جاهدة لوقف تقدم المتمردين دون الحاجة إلى إرسال تعزيزات إلى سوريا. وربما تنجح في حماية نفوذها. ولكن إذا صعدت إسرائيل، أو الولايات المتحدة، الضغوط على إيران، فإن قدرة روسيا على حماية شريكتها سوف تكون محدودة.