شركة إماراتية تخطط لاستحواذ زراعي كبير في مصر بثمن بخس
في الوقت الذي يتواصل فيه توسع الشركات الإماراتية في مصر، وخاصة القابضة ADQ، التابعة لـ”صندوق أبوظبي السيادي” عبر الاستحواذات المتتابعة على الأصول والممتلكات والشركات العامة والحكومية، تتفاقم مخاوف المصريين من استحواذ إماراتي على القطاع الزراعي الحيوي ومنه سلعة القمح الاستراتيجية، التي يعاني أكبر بلد عربي سكانا، نقصا شديدا منها.
شركة “الظاهرة” الإماراتية المملوكة للشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، المتخصصة بزراعة وإنتاج الأعلاف وتوريدها لهيئة التحكم الإماراتية المسؤولة عن الأمن الغذائي هناك، تفاوض “الهيئة الهندسية للقوات المسلحة” المصرية لإعادة شراء أراض بمشروع “توشكى” جنوب الصحراء الغربية.
تمليك بخس وعدم جدية
وفي عهد حسني مبارك، تملكت شركة “الظاهرة” مساحة 100 ألف فدان بفرع (3) بمشروع توشكى، مقابل 5 ملايين جنيه فقط بسعر الفدان 50 جنيها مصريا، بينما كان متوسط سعره حينها نحو 11 ألف جنيه، وفقا لتقديرات دعوى “المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية”، عقب ثورة يناير 2011، فيما أصدر “مجلس الدولة” 9 شباط/ فبراير 2011، فتوى ببطلان العقد.
لكن؛ وبدعوى الحفاظ على الاستثمارات العربية، قررت “هيئة التنمية الزراعية” في نيسان/ أبريل 2011، بمصر عدم فسخ التعاقد مع “الظاهرة”، لكنها عادت في 26 أيلول/ سبتمبر 2012، وقررت سحب 70 ألف فدان من “الظاهرة” والاكتفاء بتخصيص 30 ألف فدان على فرع رقم 2 في توشكى، أسوة بالتسوية التي أبرمتها الحكومة مع الأمير الوليد بن طلال في 2011.
ولم تكتمل تحقيقات النيابة بهذا الملف حول قيمة التسعير، كما أن الشركة لم تستزرع إلا ربع المساحة (25 ألف فدان فقط)، لتقوم الحكومة المصرية بالفعل بسحب 62.6 ألف فدان لعدم الجدية، وأبقت للشركة على 37.4 ألف فدان، فيما تحاول “الظاهرة” مجددا استعادة ما تم سحبه من أراضي.
خطط الشركة
وقالت مصادر لوكالة “رويترز، في تشرين الثاني/ أكتوبر 2023، إن “شركة الظاهرة، تُجري محادثات للاستحواذ على على 500 ألف فدان من الأراضي الزراعية بمصر”، صاحبة ثالث أكبر اقتصاد عربي وثاني أكبر اقتصاد إفريقي، والسوق الواسعة بعدد سكان يفوق الـ107 ملايين نسمة.
وكان رؤوف توفيق، قد أعلن بمؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي، عن توجه “الظاهرة” لاستثمار نحو 230 مليون دولار بمصر خلال 5 سنوات، 200 مليون منهم في 90 ألف فدان، خلال 2025، بالشراء المباشر أو بعقد تأجير طويل الأجل.
لتنضم تلك المساحة المحتملة إلى محفظة أراضي تقدر بنحو 67 ألف فدان تملكها الشركة في 4 مشاريع زراعية بمصر، واحد في “توشكى”، واثنين بـ”شرق العوينات” (جنوب الصحراء الغربية)، والأخير بـ”الصالحية” (شمال شرق الدلتا).
وأكد توفيق، الأربعاء الماضي، لنشرة “إنتربرايز” الاقتصادية المحلية، ولموقع “الشرق مع بلومبيرغ”، أن الشركة الإماراتية أكبر منتج للقمح من القطاع الخاص بمصر، معلنا عن توجه لاستصلاح ألفي فدان من محفظة أراضي الشركة العامين المقبلين باستثمارات نحو 400 مليون جنيه.
وتوقع تحقيق”الظاهرة” التي تعمل في مصر منذ العام 2007، ويقع مقرها بأبوظبي، وتدير مشروعات زراعية بأوروبا والأمريكتين وإفريقيا، إيرادات إجمالية من مشروعاتها بمصر بقيمة 62 مليون دولار بنهاية العام الجاري، مع احتمالات زيادتها إلى 67 مليون دولار العام المقبل.
وألمح إلى أنها تحقق أرباحا من استثماراتها في مصر منذ 2021، وأن استثماراتها بلغت نحو 250 مليون دولار، وأنه تم استصلاح نحو 40 ألف فدان في 4 مشاريع، بالصالحية، وتوشكى، وشرق العوينات.
توريد القمح لمصر
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، إن إنتاج “الظاهرة” بلغ خلال 5 سنوات نحو 450 ألف طن قمح، وردتها “الظاهرة” بالكامل إلى وزارة التموين بالجنيه المصري بقيمة 500 مليون دولار، وبواقع 100 مليون دولار سنويا، مشيرا إلى إنتاج 210 آلاف طن ذرة صفراء، و90 ألف طن من بنجر السكر، تم بيعها بالسوق المحلية.
وفي 22 تموز/ يوليو 2023، وقعت مصر اتفاقية تسهيل قرض متجدد بـ100 مليون دولار مع صندوق “أبوظبي للتنمية” لتمويل مشترياتها من الحبوب من شركة “الظاهرة”، وسط تساؤلات خبراء عن سعر التوريد كونها أقماح مستوردة وتزيد كثيرا عن السعر الذي تفرضه الحكومة لتوريد الأقماح من المزارعين المصريين.
واشترت القاهرة ثاني أكبر مستورد للقمح بالعالم الأردب (150 كيلوغراما) من المزارعين بسعر 1500 جنيه بموسم (2023/2024)، لترفعه إلى 2200 جنيه في (2024/2025).
وتستهلك مصر التي كان يطلق عليها لقب سلة غلال العالم القديم، نحو 25 مليون طن قمح سنويا، تنتج منه أراضي الدلتا والوادي حوالي 12 مليون طن يكفي البلاد 6 شهور، وتستورد الباقي من 16 منشأ أهمها: روسيا، وأوكرانيا، ورومانيا، وأستراليا، وفرنسا، وليتوانيا، وكندا، والصين.
مؤثرات خارجية ومخاوف
وتتزايد المخاوف مع توجه المزارعين الروس لزراعة كميات أقل من القمح في العام المقبل، لصالح محاصيل أكثر ربحية، وذلك بعد تكبدهم خسائر فادحة هذا العام، وذلك وفقا لتقرير لوكالة “رويترز” للأنباء، الأربعاء الماضي، ما قد يؤثر على واردات مصر من القمح الروسي، ويزيد من حاجة القاهرة إلى أقماح الشركة الإماراتية.
وأعرب مراقبون عن مخاوفهم من تعاظم أدوار الشركة الإماراتية في القطاع الزراعي، مشيرين إلى أنها تنتج القمح والذرة الصفراء والبنجر على الأراضي المصرية وبعمالة محلية رخيصة الأجر وبمياه نهر النيل بلا أية تكلفة، في وقت يعاني الاقتصاد المصري من أزمات بنيوية وهيكلية خطيرة ويعتمد على الاقتراض الخارجي لتوفير السلع الحيوية.
وتساءل البعض عن منح الشركة الإماراتية مميزات تفضيلية لا يتم منحها للشباب مطالبين بتملكهم مساحات صغيرة خاصة أن نسبتهم بين سن الـ18 والـ29 تفوق الـ21.1 مليون نسمة، وفق إحصاء رسمي في آب/ أغسطس الماضي.
ولفت البعض إلى أنه في مقابل، منح الشركة الإماراتية آلاف الأفدنة يجري حرمان ملايين الشباب المصري من التملك في المشروعات التي يقوم الجيش بالاستصلاح فيها، بل إن الحكومة المصرية تقوم بعمليات تهجير واسعة بحق الأهالي في مناطق استراتيجية وحيوية وتسلمها لشركات إماراتية وأخرى شريكة لها.
وشهدت جزيرة الوراق وسط نيل القاهرة مساء الثلاثاء الماضي، اشتباكات عنيفة بين الأهالي الرافضين لمغادرة أراضيهم لتنفيذ مشروع سياحي إماراتي، وبين قوات الأمن التي اعتقلت العشرات منهم.
وفي 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، اشتبكت قوات الجيش مع أهالي قرية جميمة التابعة لمحافظة مرسى مطروح وأطلقت الرصاص الحي على الرافضين لتهجيرهم لإقامة المشروع السياحي “ساوث ميد إيجيبت” بإشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ومجموعة طلعت مصطفى القابضة، وبشراكة إماراتية.
جريمة أمن قومي
وتحدث الخبير الزراعي المصري الدكتور عبدالتواب بركات عن الآثار المترتبة على توسع الشركة الإماراتية في مجال الزراعة المصري وإنتاج سلع استراتيجية كالقمح والذرة، معتبرا أنها جريمة تمس الأمن الغذائي للمصريين.
وقال: عندما تتحول الاستثمارات الأجنبية من مصدر للتمويل، وزيادة فرص عمل الشباب، ونقل للتكنولوجيا، وزيادة الناتج القومي، ومشاركة العوائد إلى التربح، وإهدار المال العام، وابتزاز الدولة، والفساد المالي على حساب المنتج المحلي وهو الفلاح المصري في هذه الحالة، فإنه جريمة في حق الأمن القومي تستوجب المساءلة والمحاسبة.
مستشار وزير التموين المصري الأسبق، أضاف: ذلك أن الجنرال السيسي صرح بأن زراعة القمح ليست أولوية اقتصادية لنظامه، وأن زراعة محاصيل أخرى ذات عائد أعلى ثم شراء القمح من الخارج هي سياسته الزراعية.
وأكد أن الواقع يثبت أنه يحرم الفلاح المصري من حيازة الأرض الزراعية في الظهير الصحراوي وينزع ملكيتها من أصحابها بحجج واهية، ويهديها للشركات الأجنبية التابعة للحكومات الداعمة لنظامه ويملكها لتلك الشركات الأجنبية على حساب الأمن القومي المصري.
الأكاديمي المتخصص في بحوث التنمية الزراعية وسياسات الأمن الغذائي، أشار إلى أنه وبدلا من دعم مزارع القمح المصري باعتباره أمنا استراتيجيا، وكذلك الذرة الصفراء والصويا، فإنه يشتري هذه المحاصيل الاستراتيجية من الفلاح المصري بأسعار بخسة تحقق خسائر مالية له، فيضطر لزراعة محاصيل أخرى هامشية وغير مجدية.
ويرى أنها سياسة راسخة لإفقار الفلاح المصري منذ 2014، مؤكدا أن إهدار الأمن الغذائي أحد أهم مقومات الأمن القومي، وأدت لزيادة الفجوة الغذائية في مصر مع ارتفاع أسعار الغذاء لأعلى معدل في العالم، وزيادة الفقر والمشاكل الإجتماعية المرتبطة به، من بطالة وطلاق وتفكك أسري وجرائم السرقة من الجيران والأقارب وتهديد النسيج الاجتماعي للأمة المصرية.
وختم بالقول: وهي جرائم ستسجل في سجل تاريخ هذا النظام.
انتهاز للفرص
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي والاستراتيجي الدكتور علاء السيد، إن اعتزام الظاهرة الإماراتية التابعة لصندوق أبوظبي السيادي للتوسع بشراء أراض زراعية بمصر وزراعة القمح وبيعه لها كسلعة مستوردة ليس هو أصل المشكلة، ورغبة التوسع أمر طبيعي لأي شركة.
رئيس “الأكاديمية المصرفية الدولية”، أكد في حديثه أن المشكلة الأكبر كانت في سوء التخطيط الاستراتيجي من البداية منذ العام 2013، مبينا أنه ليس هناك استراتيجية وطنية خالصة لإنقاذ الاقتصاد المصري، ورغم تعاقب الحكومات لكنها لم تضع خطط استراتيجية واضحة للإنقاذ ولم تكن هناك رؤية وطنية واحدة.
ولفت إلى أن المشهد يقول إن الهدف الرئيسي إغراق مصر بالديون، ربما بشكل متعمد وربما بصورة عشوائية، وإن كنت أميل إلى أن الأمر مخطط له ويتم تنفيذه بشكل دقيق للغاية.
استشاري تطوير وتمويل المشروعات والأوقاف الاستثمارية، يرى أن إغراق مصر في الديون وعدم قدرتها على السداد أديا بها إلى التخلي عن أصولها رويدا رويدا، كالتخلي عن حصة مصر التاريخية بمياه النيل باتفاقية 2015، وحقول غاز شرق المتوسط باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني وقبرص واليونان مكايدة في تركيا في ظروف معينة.
وأضاف: كان من السهل على الحكومات المتعاقبة التنازل عن الأصول المصرية بشكل ملفت للنظر، ومنها جزيرتي تيران وصنافير للسعودية عام 2016، وما تبعه من التنازل عن ممر تيران المصري الاستراتيجي والذي تحول لممر دولي يسمح بإنشاء قناة بن غوريون المنافسة لقناة السويس.
وتابع: ثم بعد ذلك تدفقت مئات مليارات الدولارات على مصر بصورة مستغربة للغاية ولم يكن هذا ثمنا مناسبا لإحداث التغيير في المشهد السياسي المصري، وكانت تكفي بضعة مليارات فقط ولم يكن الأمر يستدعي تدفق كل تلك المليارات دون أن تمر على البنك المركزي.
ويرى السيد، أن هذه مسألة متعمدة، وفي النهاية من أرسل تلك الأموال طالب بعد ذلك بحقوقه، وتساءل: ماذا فعلتم بهذه الأموال؟، وقالوا: نريد مقابلا لها، فبدأ التفريط مرة أخرى، بل الاستمرار في التفريط في الأصول والأراضي كما رأينا في رأس الحكمة في العلمين شمال غرب البلاد، وغيرها.
وألح إلى أنه إلى جانب التفريط في آلاف الأفدنة الزراعية جرى التفريط في قطاع الأسمدة المرتبط بالقطاع الزراعي، وضياع أهم الشركات العاملة في هذا المجال كثمن للمليارات التي تدفقت بعد 2013، وهي ليست استثمارات جديدة بل استثمارات مصرية وطنية تم التنازل عنها.
وأعرب الخبير المصري عن تخوفه الأكبر، موضحا أن الأمر وصل الآن إلى صعوبة التخطيط للمستقبل ليس بمجال الزراعة والقمح فقط، بل بكل القطاعات إذا جاءت حكومة رشيدة وقررت وضع خطة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتطويره؛ فلن تستطيع تنفيذ هذا في ظل وجود التمدد الإماراتي والسعودي داخل الاقتصاد المصري وقبله الذراع الاقتصادية للجيش.
ومضى يؤكد أنه لم يعد هناك مساحة للوطن أو للشعب أو أي حكومة أن تعمل بين سندان الذراع الاقتصادية للجيش، أو الذراع الاقتصادية للصندوق السيادي لأبوظبي، وأموال دبي، والصندوق السيادي السعودي.
وختم حديثه بالقول: الوضع الاقتصادي في مصر تم تعقيده بشكل متعمد، ولم يعد بإمكان الشعب ولا حتى الحكومات التي تريد التخطيط والتطوير فعل شيء، فهناك لاعبون رئيسيون بالمشهد المصري والاقتصادي يمنعون قرارا وطنيا خالصا لمصلحة المصري.
وخلص، للقول: لذا فالأمر لا يقتصر فقط على مسألة الأراضي الزراعية والقمح والذرة والمحاصيل الاستراتيجية، وأرى أن القصة أكبر وهي انتهاز للفرص وتخليص للفواتير القديمة.