هل تفتح المعارضة السورية جبهات القتال مع نظام الأسد؟
تتوالى الأنباء حول عملية عسكرية مرتقبة لفصائل المعارضة السورية في شمال غرب البلاد ضد نظام بشار الأسد، بالتزامن مع حالة الانشغال التي تعيشها المنطقة وحلفاء بشار الأسد بالحرب الإسرائيلية على لبنان، التي ترافقت مع تكثيف إسرائيلي غير مسبوق للغارات الجوية على الأراضي السورية.
وبين النفي والتأكيد المتداول في المنصات المحلية، يبدو أن الحذر والترقب للتطورات المتسارعة في المنطقة هو العنصر السائد على المشهد في شمال سوريا المكتظ بملايين النازحين، الذين طردوا من منازلهم واضطروا إلى النزوح إلى المناطق الخاضعة تحت نفوذ المعارضة.
وتعاني سوريا من تبعات صراع عنيف منذ انطلاق الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011، التي تحولت بفعل العنف والقمع الوحشي الذي قوبلت به من قبل النظام السوري إلى حرب دموية، أسفرت عن مقتل مئات الآلاف ودمار هائل في المباني والبنى التحتية، بالإضافة إلى كارثة إنسانية عميقة لا تزال البلاد ترزح تحت وطأتها.
وفي حين تمكن بشار الأسد من تثبيت وجوده عبر الاستعانة بإيران وحزب الله والمليشيات الموالية لطهران من جهة، وروسيا من جهة أخرى، فقد فرضت الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا نفوذها على مناطق شمالي غرب سوريا.
وتعيش الأزمة في سوريا حالة من الاستعصاء السياسي وانعدام أي أفق لطي صفحة الجمود المفروضة عليها بسبب التوافقات الدولية، وهو الأمر الذي تسبب منذ سنوات في حالة من الهدوء شبه التام بين فصائل المعارضة والنظام السوري.
وبعد معركة “طوفان الأقصى” التي انطلقت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ضد الاحتلال الإسرائيلي، فقد دخلت المنطقة في حالة من الغليان على وقع التطورات المتسارعة واتساع رقعة الحرب لتشمل لبنان و”محور المقاومة” الذي تقوده إيران، ويعد نظام الأسد جزءا منه.
وفي الوقت الذي لا يزال الأسد يحتفظ بما وصف بأنه “حياد” إزاء ما يجري في المنطقة، تصاعدت الغارات الإسرائيلية بشكل غير مسبوق على الأراضي السورية، والتي تستهدف مواقع لقوات النظام وأهدافا إيرانية وأخرى لحزب الله.
وفي السياق ذاته، تثير التطورات المتسارعة في المناطق القريبة من خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل جنوب سوريا، مخاوف من توسيع الاحتلال الإسرائيلي نطاق عملياته العسكرية في غزة ولبنان إلى الجبهة السورية.
وبعد قيام جيش الاحتلال بنشر دبابات وآليات عسكرية بمحاذاة بلدة حضر بريف القنيطرة، استهدف بقذائف الدبابات الطريق الواصل بين بلدتي بريقة وبير عجم قرب الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ولفت المرصد، في تقرير، إلى أن هيئة تحرير الشام التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، تسعى إلى استغلال التوترات الحالية لاغتنام الفرصة عندما ستنشغل قوات النظام والمليشيات الإيرانية في حال فتح الاحتلال الجبهة السورية، وذلك بهدف الانقضاض على تلك المناطق والسيطرة عليها.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن الهيئة تقوم بتحضيرات مكثفة في مناطق ريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي وريف حماة الغربي وريف إدلب الجنوبي والشرقي.
وتشمل الأهداف الاستراتيجية لهذه العملية المحتملة، وفقا للمرصد، السيطرة على الطريق الدولي “M5” الذي يربط بين دمشق وحلب.
وتشمل كذلك تأمين القرى والبلدات المحيطة بالمناطق المستهدفة، من خلال شن هجمات برية وقصف مكثف باستخدام راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة “الانتحارية” ضد قوات النظام.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم الإعلان بها عن الاستعداد لمعركة مع النظام السوري، فقد سبقها في العديد من المرات الحديث عن أمر كهذا، أو حديث عن معركة لإعادة السيطرة على حلب بشكل أساسي، بحسب مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله.
وأوضح العبد الله أن الجديد في هذه المرة في التصعيد بين إسرائيل وحزب الله وإيران، والذي تعتبره بعض الفصائل حالة ضعف للنظام السوري عليها أن تشتغلها للحصول على مكاسب على الأرض.
من جهته، أشار الخبير العسكري العقيد أحمد حمادة، إلى أن “التجهيزات العسكرية لكل الجيوش والقوى يجب أن تكون مستمرة”، موضحا أن هذه الاستمرارية في التدريب وفي التجهيز وفي التحصين لا تعني أن المعركة قادمة بعد اليوم أو غدا.
وأضاف: حول دلالات التحركات العسكرية في الشمال، أن “المعارك لا تحتاج فقط إلى القرار العسكري، فهناك قرارات سياسية واقتصادية واجتماعية، رغم الحاجة الملحة لعودة السكان النازحين المتوزعين في ألف و400 مخيم في مناطق عديدة إلى بيوتهم التي تم طردهم منها.
وشدد العقيد السوري، على أن المنطقة محكومة اليوم بتوافقات دولية وإقليمية، ولا أحد يستطيع أن يغير في هذه الخطوط بالشكل الذي يتم تداوله.
موقف الجانب التركي
وتعد تركيا الداعم الأول لفصائل المعارضة العاملة في مناطق شمال غرب سوريا، وهو ما تسبب في أوقات سابقة بعرقلة المساعي التركية الرامية لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، الذي يشترط وقف دعم المعارضة وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
وعلى وقع التطورات المتسارعة، أجرى قادة عسكريون أتراك زيارة إلى شمال سوريا الأسبوع الماضي، حيث أجروا مراجعات ميدانية وتفقدوا إحدى القواعد العسكرية التركية في المناطق التي تعرفها بمنطقة عمليات “غصن الزيتون”، بحسب بيان لوزارة الدفاع التركية.
وشدد المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، زكي أكتورك، خلال إفادة صحفية، على أن “القوات المسلحة قادرة على مواجهة جميع التهديدات لتركيا عبر حدودها.
وأوضح أن الجيش التركي: يتابع من كثب جميع التطورات في المنطقة بعد التوتر الإسرائيلي الإيراني الأخير وتصعيد إسرائيل اعتداءاتها في لبنان وسوريا، حسب تعبيره.
في السياق، أوضح العبد الله أنه من غير المتوقع أن يكون هناك أي حراك في المنطقة دون موافقة ضمنية تركية، لأن القيام بعملية عسكرية دون موافقة أو دعم تركي قد يحرك خطوط الصراع الشبه الثابتة منذ عام 2020.
وأضاف أن أي تحرك يتطلب أن يكون هناك موقف تركي واضح منه، مشيرا إلى أنه في حال حدث ذلك دون الموافقة التركية فقد ينعكس سلبيا على الفصيل الذي يقوم به، وخاصة أن كثير من الفصائل لن تتحرك لدعم أي حراك بدون أوامر تركية.
أما الباحث في مركز “جسور” للدراسات، رشيد حوران، فيرى أن فصائل المعارضة “تسعى لنيل الاعتراف الدولي” بشأن العملية العسكرية المحتملة.
ويوضح أن دخول قادة الجيش التركي مؤخرا، كان يهدف للاطلاع على ما تحضر له الفصائل، وإمكانية تقديم تركيا الدعم الدولي للفصائل في هذه المعركة، على حد قوله.
وفي أكثر من مناسبة، شدد وزير الخارجية التركي على عمل بلاده على إدامة الهدوء في شمال سوريا بالتعاون مع الجانب الروسي، مشيرا إلى أن هذا الهدوء يشكل فرصة للحوار بين النظام والمعارضة السورية وفقا للقرارات الأممية.
وتتخوف تركيا التي يقيم على أراضيها ملايين اللاجئين السوريين، من انفجار الأوضاع في سوريا، لا سيما في مناطق الشمال، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في موجات لجوء جديدة.
وكانت تركيا أعادت، خلال الأشهر الأخيرة، تفعيل مسار التقارب المتعثر مع نظام الأسد بدفع من روسيا بهدف تطبيع العلاقات، الأمر الذي دفع الرئيس رجب طيب أردوغان للإعلان عن استعداده للقاء مع رئيس النظام السوري في تركيا أو بلد ثالث.
التطورات المنطقة
تجدر الإشارة إلى أن الجديد في الأنباء المتداولة حول عملية عسكرية للمعارضة ضد النظام في دمشق، هو التزامن مع التطورات المتسارعة في المنطقة، بما في ذلك اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لأمين عام حزب الله حسن نصر الله بغارة على ضاحية بيروت الجنوبية.
ومنذ 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، يشن الاحتلال الإسرائيلي مئات الغارات الجوية العنيفة وغير المسبوقة على مواقع متفرقة من لبنان، ما أسفر عن سقوط الآلاف بين شهيد وجريح، فضلا عن نزوح ما يزيد على الـ1.2 مليون، وفقا للبيانات الرسمية.
وعلى وقع توسع الاغتيالات الإسرائيلي لتشمل كبار القيادات في حزب الله، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بإخلاء حزب الله مقاره في مدينة تدمر ومحيطها، مشيرا إلى أن هناك توافدا للمليشيات الموالية لإيران إلى المنطقة بهدف شغل الفراغ الحاصل.
حوراني، يرى أن النظام غير قادر على المواجهة العسكرية، بسبب الاضطرابات التي تنتشر في مناطق ريف حمص الشمالي ودرعا والسويداء، وعدم قدرته على التدخل لصالح حلفائه إيران وحزب الله، رغم كل الضربات التي استهدفتهم، أملا منه في تأهيل نظامه والاعتراف به كجائزة لعدم مشاركته.
وفي السياق ذاته، يوضح الخبير العسكري أحمد حمادة أن “النظام السوري في أضعف حالاته”، ويضيف أن الاقتصاد منهار والجيش غير قادر على شن حرب استنزاف طويلة بدون الاستعانة بالروس المنشغلين في حرب أوكرانيا، وكذلك إيران ومليشياتها المشغولة في حرب لبنان اليوم.
ويرجح حمادة قيام حزب الله بسحب جزء كبير من قواته من أجل زجها في الدفاع عن نفسه، موضحا أنه قد يتم توظيف مليشيات أخرى أقل كفاءة لتشغل الفراغ الحاصل في المناطق التي يتم إخلاؤها.
بالرغم من ذلك، يعتقد حمادة أن الأنباء المتداولة حول عملية عسكرية مرتقبة من المعارضة “غير صحيحة”، لافتا إلى أن السرية وإخفاء النوايا والتمويه هو عنوان النجاح في المعارك، لكن عندما يتم الإعلان هكذا يكون الهدف توجيه الرسائل إلى الأطراف المعنية.
من جهته، يلفت مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، في إطار حديثه عن التطورات في لبنان وانعكاسها على وضع النظام السوري، إلى عدم وجود تأثير كبير على قدرات النظام، فحتى الآن لم تنسحب وحدات حزب الله من سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة للمليشيات الإيرانية، والدعم الروسي لم يتغير، حتى أن النظام أصدر قرار بتسريح دفعة جديدة من المجندين في الشهر القادم.
ويستدرك العبد الله في حديثه: لكن إذا استمرت أو صعدت إسرائيل من قصفها لمواقع النظام بحجة وجود قوات إيرانية أو تابعة لحزب الله، فقد يترك هذا أثر على قدرات النظام في صد أي هجمات على مناطق سيطرته.
ويوضح أن أكبر المستفيدين مما يجري في غزة ولبنان حتى الآن، هو النظام السوري. ويشير إلى أن ذلك يعود لالتزام النظام بالصمت عما يجري، وانتظار مكافأته على ذلك، من خلال التطبيع معه وتعزيز شرعيته.
“إلا في حال بدأ القصف يطال إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية، وهنا يكون النظام أخل بالتزاماته، وستسعى إسرائيل لمعاقبته”، حسب تعبير مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون.
وكانت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، أكدت نقلا عن مصادر وصفتها بـ”الميدانية”، تعزيز النظام انتشاره على جبهات القتال مع مناطق المعارضة من أجل التعامل مع أي هجوم قد تشنه هيئة تحرير الشام.
وبحسب هذه الصحيفة، فإن تعزيزات الأسد شملت جميع نقاط انتشاره على طول الجبهات في ريف اللاذقية الشمالي وسهل الغاب غربي حماة وريفي إدلب الجنوبي والشرقي، بالإضافة إلى ريف حلب الغربي.