لماذا يصر السيسي على التنكيل بالمعتقلين؟
تواصل السلطات الأمنية التابعة لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، عمليات التنكيل بالمعتقلين السياسيين، رغم إعلانها الدائم على انتهاجها استراتيجية جديدة بشأن حقوق الإنسان، ورغم مرور أكثر من 11 عاما على إطاحة السيسي، بأول تجربة ديمقراطية في العصر الحديث والانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي، وحبس الكثير من أنصاره.
وفي كانون الثاني/ يناير 2021، أعلنت مصر عن “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026″، بهدف النهوض بكافة حقوق الإنسان في مصر، بتعزيز احترام وحماية الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، المتضمنة في الدستور، والتشريعات الوطنية، والاتفاقيات الدولية، والإقليمية.
قفص أبوالفتوح
واشتكى المعتقل السياسي والمرشح الرئاسي المصري السابق عبدالمنعم أبوالفتوح، من التضييق عليه، مطالبا بزيارة طبيعية دون قفص زجاجي، موضحا في شكوى لإدارة “سجن بدر”، نقلها نجله أحمد أبوالفتوح عبر “فيسبوك”، أمس الاثنين، موضحا أنه منذ 5 سنوات يتم وضع والده في قفص زجاجي خلال الزيارة يمنعه أن يلمس أسرته وأحفاده، وذلك بعد سنوات من حبسه انفراديا منذ اعتقاله في شباط/ فبراير 2018.
وقال نجله: النهاردة أبويا رفض يحضر الزيارة في الكابينة الزجاجية أو المقبرة الزجاجية على حد وصفه وطلب الزيارة تكون طبيعية، مضيفا: سنين بتعدي محدش سلم على أبويا ولا حتى أحفاده، ابنتي الصغيرة في عامها السادس ومسلمتش عليه حتى الآن”، مبينا أن هذه الإجراءات حدثت “في سجن طرة (شديد الحراسة 2) سابقا وحاليا في سجن (بدر).
تبين رسالة أبوالفتوح، أنه لم يطلب إخلاء سبيله أو علاجه من الكثير من الأمراض التي أصابته، ولكنه يطالب بالسماح له بزيارة طبيعية يلمس فيها أفراد أسرته، في مكان به هواء لا يشعر فيه بالاختناق كما يحدث له بزنزانته الانفرادية وفي الكبينة الزجاجية.
وهو ما يتلاقى بشكل كبير مع ما قالته زوجة أحد المعتقلين سابقا في من أن كل حلمه نسمة هواء داخل محبسه، وأنه كان سعيدا بنقله من محبسه بمركز شرطة إلى سجن يُسمح فيه بالتريض ساعة يوميا ويشم بعض الهواء.
علاء عبدالفتاح
وتحدث المحامي الحقوقي خالد علي، عما يتعرض له المعتقل علاء عبدالفتاح، من تنكيل، بعدم احتساب مدة حبسه احتياطيا ضمن عقوبته، موضحا عبر صفحته بـ”فيسبوك”، أن علاء، يكمل يوم 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، 5 سنوات حبس، أي أنه أنهى مدة الحبس المقضي بها عليه.
وأضاف: لكن مسلسل التنكيل بعلاء مازال مستمرا رغم أن المنسوب إليه هو مجرد القيام بتشيير بوست، مبينا أنه فوجئ بأن حساب بدء تنفيذ العقوبة من تاريخ التصديق على الحكم في 3 كانون الثاني/ يناير2022، وبهذا يستمر في السجن حتى 3 كانون الثاني/ يناير 2027.
وأشار إلى أنهم “أسقطوا المدة السابقة، وهي من 29 أيلول/ سبتمبر 2019 وحتى 2 كانون الثاني/ يناير 2022، من حساب مدة عقوبته”، مؤكدا أن ما يواجهه عبدالفتاح يعد امتدادا لما شهده عدد من المحبوسين على ذمة قضايا سياسية.
انتهاكات.. ومحاولات انتحار
وفي سياق التضييق الأمني على المعتقلين، أعلن مركز “الشهاب لحقوق الإنسان”، الأحد الماضي، أن سجناء سياسيين بسجن “برج العرب” بالإسكندرية، (شمال غرب)، أقدموا على الانتحار، والدخول في إضراب عن الطعام نتيجة ممارسات التعذيب النفسي الممنهج والعنف الشديد والتنكيل التي تمارس ضدهم.
المركز الحقوقي، أكد أنه جرى تقليص حقوق المعتقلين بشكل غير قانوني، ومنعهم من التريض، وتقليص وقت الزيارة، ومنع دخول مستلزمات ضرورية، بينها الأدوية، وقطع الكهرباء عن الزنازين، واقتحام الزنازين، وتجريد المعتقلين من متعلقاتهم كالطعام والأدوية والبطاطين.
وأفادت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، بأن الانتهاكات بحق المعتقلين السياسيين في سجن مركز شرطة بلبيس بمحافظة الشرقية شمال شرق القاهرة، تتواصل، مشيرة لدور معاون مباحث القسم النقيب أحمد قنديل، في التعذيب الممنهج للمحبوسين احتياطيا، وتقييد أيديهم بالكلابشات من الخلف، والتعدي عليهم بالعصى والشوم، وتهديدهم بقضايا جديدة حال شكواهم.
وتشير تقارير حقوقية عدة إلى قيام أمن “سجن العاشر من رمضان للنساء”، بعمليات “العقاب الجماعي” ضد المعتقلات خاصة في (تأهيل 4 سياسي)، مشيرة إلى أن إدارة السجن تتعمد إبقاء الإضاءة في (الزنازين) على مدار اليوم، ما يسبب مشكلات نفسية وصحية خاصة لكبار السن والمرضى، بجانب منع المعتقلات من التريض وإغلاق النضّارة -فتحة الباب الحديدي للزنازين-، فيما جرى تهديد من تعترض من المعتقلات بإغلاق المراوح وشفاطات الهواء.
النساء.. وتفتيش مذل وغير أخلاقي
وكشف مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أيضا أن الانتهاكات تجري أيضا بحق أسر المعتقلين في الزيارات، موضحا أن قوات الأمن في (عنبر 21)، بسجن (برج العرب) تجبر زوجات وبنات المعتقلين على خلع ملابسهم أثناء التفتيش قبل الدخول للزيارة فيما وصفته بـ تفتيش مذل وغير أخلاقي.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها بالمحاكم المصرية، بحسب وصف “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان”، تقدم الصحفي المصري المعتقل أحمد صبري بلايسي (34 عاما)، المحبوس احتياطيا في سجن (أبوزعبل) شمال القاهرة، بطلب لمحكمة جنايات القاهرة لتمكينه من رؤية زوجته، المعتقلة في سجن “العاشر من رمضان للنساء”، أسماء عبد الرحمن عبد القادر، (32 عاما)، والمعتقلة معه منذ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
وفي سياق التنكيل بالنساء المعتقلات، طالبت أسرة المعتقلة الفلسطينية فداء عبد الحميد أنس شبير، (35 عاما) السلطات المصرية بإخلاء سبيلها هي وطفلها الذي أنجبته في محبسها وإعادتها لأطفالها الأربعة حيث تقيم أسرتها في قطاع غزة.
وأشارت منظمات حقوقية إلى أنها وبالمخالفة لقانون الحبس الاحتياطي ودون حكم قضائي، محبوسة في سجن العاشر من رمضان منذ العام 2021، بتهمة الانضمام إلى تنظيم “ولاية سيناء”، وذلك بعد مقتل زوجها الفلسطيني على يد الأمن المصري في سيناء.
إخفاء قسري وإهمال طبي
وفي واقعة متواصلة منذ 7 أعوام، تستمر السلطات الأمنية المصرية في الإخفاء القسري للطالب المصري أسامة صلاح محمدين مصطفى، (25 عاما)، منذ أيار/ مايو 2017، حين كان طالبا بالفرقة الأولى بكلية التجارة جامعة المنصورة، فيما لم تنجح جهود أسرته في معرفة مكان اعتقاله حتى اليوم.
وكشفت منظمات حقوقية عن العديد من حالات الإهمال الطبي بحق المعتقلين، والتي كان آخرها تقرير حول تدهور الحالة الصحية للمعتقل وليد الزندحي، (48 عاما) المحكوم بالسجن 35 عاما ويعاني أزمات صحية خطيرة في “ليمان المنيا”، وسط رفض أمن السجون مطالباته بتوفير العلاج اللازم لإنقاذ حياته، كونه حق قانوني من حقوق السجناء.
بلا رقابة
تلك الأوضاع الحقوقية التي يصفها حقوقيون بأنها مخالفة لكل القوانين المصرية والدولية، تأتي في ظل تراجع دور الرقابة على السجون والمعتقلات المصرية، وهو ما كشفه تقرير لـ”الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” الاثنين.
التقرير أكد أن أداء “المجلس القومي لحقوق الإنسان” الرقابي على السجون ومقار الاحتجاز أعوام (2020 وحتى 2023)، تراجعت بشكل كبير، ما يعكس انحرافا بعمل المجلس، في الوقت الذي توثق فيه منظمات حقوقية انتهاكات واسعة بحق المعتقلين، أدت لانتحار البعض.
تعنت قضائي
وبجانب التعنت الأمني، انتقدت منظمات حقوقية، التراجع في قرارات إخلاء سبيل المعتقلين، موضحة أنه لم يصدر عن قضاة غرفة المشورة بمحكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمجمع محاكم بدر، أي قرار بإخلاء سبيل لأي من آلاف المعتقلين السياسيين المحبوسين احتياطيا منذ 427 يوما، مشيرة إلى أن آخر قرارين بإخلاء السبيل تم توثيقهما في تموز/ يوليو 2023، وفي ذات الشهر من 2022.
وفي المقابل، تواصل المحاكم المصرية قراراتها بتجديد حبس آلاف المعتقلين والمحبوسين احتياطيا عبر دوائر إلكترونية تستخدم تقنية “الفيديو كونفرانس”، دون حضورهم، أو إجراء تحقيقات، أو مقابلة الدفاع عنهم.
آخر تلك القرارات، صدرت من قاضي المعارضات بمحكمة جنايات القاهرة، الاثنين، بتجديد حبس مؤسس “رابطة أهالي المختفين قسرا” المحامي إبراهيم متولي، والمحامية الحقوقية هدى عبد المنعم، 45 يوما، رغم تجاوزهما مدة الحبس الاحتياطي.
وقالت والدة وزوجة معتقل: عوضي على الله في زوجي وابني، مؤكدة أنهما بعد 11 سنة من السجن والتعذيب إذا كُتب لهم الخروج فلن يكونا أبدا نفسيا أو بدنيا كما دخلا المعتقل.
جرائم يُخجل منها
وفي تعليقه على ما تم رصده مؤخرا من شكاوى سوء معاملة أمن السجون للمعتقلين، والتضييق عليهم بالمخالفة لما تُعلنه أجهزة النظام حول استراتيجية حقوق الإنسان، قال الحقوقي المصري محمد زارع: هذا أسلوب تنتهجه الدولة طوال الوقت مع المعارضين السياسيين.
وأضاف رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أنه يتم التنكيل بهم بشكل خارج عن القانون ومخالف للمعاملة الآدمية، مبينا أن ما يحدث مع الدكتور أبوالفتوح كمثال في هذا الإطار، شيء غير مفهوم بالمرة.
وأشار إلى أنه وكثير من المعتقلين من كبار السن وأغلبهم بين 70 و80 عاما، موضحا أنه رجل ثمانيني كل جريمته الحديث بحرية عبر قناة فضائية عن حقوق الإنسان والوضع السياسي بمصر، ولذا أرى أنه رمز لانتهاك النظام للحريات السياسية وحرية الرأي والتعبير.
ويرى أن مجرد وجود أبوالفتوح، في السجن طوال هذه السنوات في غير جريمة حقيقية والكل يعلم ذلك، فهذا معناه أن النظام للأسف غير عابئ بأي قوانين أو دساتير تحمي الحقوق والحريات، وغير عابئ بالمرة برأي الناس فيه، ولا رأي المؤسسات الدولية والدول التي تدعي مناصرة حقوق الإنسان.
ويعتقد أن أبو الفتوح ومن في أزمته ومعاناته هم رمز لانتهاك النظام حرية التعبير والانتقال السلمي للسلطة، ووجودهم في السجن عار على النظام، ويؤكد أنه نظام غير عابئ بأي مواثيق دولية، وأنه يزيد الطين بلة بسوء المعاملة للمعتقلين ووضع رجل ثمانيني في قفص زجاجي، كما فعل مع الرئيس محمد مرسي وتوفاه الله داخل القفص الزجاجي.
الحقوقي المصري، لفت إلى أن هناك ضغوط نفسية عندما يتم فرض ذلك الأسلوب على الزيارة لو تمت، وهو شيء مهين وجريمة من يرتكبها مجرم، سواء كان موظف ينفذ تعليمات أو من عنده ليرضي النظام، لكنه للأسف جريمة يُخجل منها، وسجن أشخاص كل هذا السنوات لأجل مطالبتهم بالحريات يؤكد أن النظام لا يقبل بها، ومن ينتقده يدخل السجن مدى الحياة، ويموت فيه، أيضا.
وتوفي الرئيس الراحل محمد مرسي، بعد سقوطه مغشيا عليه بقفص محاكمته الزجاجي، في 17 حزيران/ يونيو 2019.
وعن أسباب إصرار النظام الأمني على التصعيد مع المعتقلين رغم مرور نحو 12 عاما على حبس أغلبهم، قال زارع، إن الحالات الأخرى لأكثر من 60 ألف معتقل لا يقل وضعها إجراما عما يحدث بحق أبو الفتوح، سواء من تم القبض عليهم لانتمائهم لتيار سياسي معين أو لكونهم كانوا في نظام الحكم السابق مع الرئيس مرسي، كالوزراء والمستشارين والمعاونين.
ومضى يؤكد أنها جريمة يُخجل منها؛ خاصة وأن النظام يواصل الانتقام ليل نهار من المعارضين ومن الشعب أيضا، حتى أصبح الأمر كله مخجلا، ولم يعد لدي أي أمل في تحسن ملف حقوق الإنسان لأنه نظام غير عادل يحكم على أفكار الجميع سياسيين أو مواطنين يئنوا من الضرائب والغلاء وتراجع قيمة العملة المصرية.
تنكيل ممنهج.. وللغرب دور
من جانبه، أشار السياسي المصري عزالدين الكومي، إلى ما ذكره مركز الشهاب لحقوق الإنسان، عن استغاثات من سجن برج العرب تفيد ممارسة انتهاكات بحق المعتقلين السياسيين، بقيادة ضابط الأمن الوطني حمزة المصري، أدت إلى وقوع محاولات انتحار بين المعتقلين، وإيداع عدد منهم زنازين التأديب.
ولفت البرلماني المصري السابق، إلى ما تسجله المنظمات الحقوقية عن عشرات الحالات في السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز من التعذيب والإهمال الطبي وحتى الانتحار، ملمحا إلى ما كشفه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وتأكيده أن ما يجري هو تنكيل ممنهج.
ومعاناته عدة أمراض لا تزال السلطة تتجاهل وضعه الصحي ولا تضعه ضمن قوائم العفو الرئاسي، أو حتى الإفراج الصحي.
وقال إن ما يجعل اليوم رصد الانتهاكات بحق المعتقلين غير مكتمل ما يقوم به النظام خارج السجون بالتضييق على المنظمات الحقوقية التي كشفت معاناة المعتقلين ووسائل التنكيل بهم.
وأضاف: ربما يُرجع ذلك البعض الأمر إلى غض الغرب الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، مشيرا إلى أن أعظم هدية قدمتها أمريكا كان تقديم المعونة المقدرة بـ1.3 مليار دولار كاملة للقاهرة، دون اجتزاء أو قطع أو حجز جزء منها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان كما كان في السنوات الماضية، وهو يشكل رسالة هامة للنظام بأن (إفعل ما شئت).