بشار الأسد لم يعد منبوذا ولكنه غير قادر على حكم بلد موحد
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا تناولت فيه الوضع في سوريا وتطبيع بعض الدول العلاقات معه.
وقالت المجلة في تقريرها، إن الرئيس السوري بشار الأسد الذي يقود دولة تتاجر بالمخدرات ربما نجح من كسر العزلة الدولية والإقليمية عليه لكنه يحكم بلدا منقسما.
وأضافت، أن الأسد لم يعد منبوذا كما كان من قبل لكنه لا يسيطر على بلده ووحدة أراضيه كما كانت قبل عام 2011.
وبينت أن إعادة افتتاح معبر أبو الزندين في شهر آب/ أغسطس ظهر في البداية أنه محاولة تمثل مرحلة جديدة في إعادة وصل مناطق المعارضة المسلحة بمناطق النظام، فعلى تلة خارج بلدة الباب في شمال مدينة حلب، قام المعارضة السورية المدعومة من تركيا وقوات النظام المحمية من روسيا وإيران بإزلة الأسلاك الشائكة.
وهي فرصة كان ينتظرها النازحون السوريون في الشمال لزيارة عائلاتهم، ورحبوا بمنظور التخلص من رسوم المهربين الباهظة، مع أن الحكومات الغربية تساءلت عن ما إن كان النازحون سيغامرون بالعودة إلى بيوتهم، بحسب المجلة.
وبعد يوم من افتتاحه كان الرصاص يتطاير ثم أغلق المعبر مرة أخرى.
وفي الوقت الذي تركزت فيه عيون العالم على الحرب في غزة، تمضي سوريا في حربها التي قتل فيها أكثر من 400,000 شخص وشردت نصف السكان في عامها الـ 14، ويبدو البلد المحطم مثل لبنان، جاره الذي يعيش فوضى.
فقد أصبحت سوريا مقسمة بناء على الخطوط الدينية والعرقية. ويقوم أمراء الحرب الذين تدعمهم قوى أجنبية بالدفاع عن مناطقهم ويمولون ميليشيات مثل قطاع الطريق ويفرضون رسوما على المرور من خلال خطوط النزاع، كما تدافعت القوى الخارجية لتبني قادة محليين وعبثت بالخطوط الدينية والعرقية وفق التقرير.
وفي اقتصاد متوسط الدخل كان من أكثر الاقتصادات نموا بات ربع السكان يعيشون على أقل من 2.15 دولار في اليوم. وكان هناك عدد قليل من السكان يعيشون على مثل هذا الدخل قبل بداية الحرب الأهلية عام 2011.
وبات الشمال السوري الذي يعيش فيه نصف سكان سوريا الحاليين، 16 مليون نسمة خارج سيطرة الحكومة في دمشق، ويحكمه مقاتلون في الشمال الغربي، أما في شمال- شرق سوريا فتحكمه جماعات كردية تدعمها أمريكا، وتقف بينهما تركيا والحكومة السورية المؤقتة الوكيلة عنها.
وتقول المجلة، إن النظام السوري فقد السيطرة على الأجواء السورية والحدود. وتتصرف روسيا وإيران ووكيلها حزب الله اللبناني وكأن البلد بلدهم، وتهيمن المليشيات الشيعية من العراق ولبنان على المناطق الحدودية.
واستخدم حزب الله سوريا كقاعدة لإطلاق صواريخ ضد إسرائيل.
وفي جنوب شرق البلاد، يعيش الدروز، الذي التزموا سابقا بدعم عائلة الأسد، ولكنهم يحتجون ومنذ أكثر من عام ضد بشار الأسد وطالبوا بانتخابات حرة وخروجه من السلطة.
وفي الشمال ساعدت الموارد من أموال النفط المهرب والقمح الأكراد على ترسيخ كيانهم وكذا أعداءهم الجهاديين في إدلب وفق ما جاء في التقرير.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة: “لم يعد سيد الموقف”، عن بشار الأسد العالق في العاصمة، مع أنه لا يزال يؤمن بقدرته على توحيد سوريا وتعزيز موقعها كقوة إقليمية.
وأضاف أن هناك خطة لإلغاء نظام الخدمة العسكرية الإلزامية البغيض.
وأضاف تقرير المجلة، أن الأسد يجادل بدون تقديم أسباب، أنه لو ظل في السلطة، فمخاوف أعدائه الأجانب من إيران وموجة جديدة من المهاجرين ستتبدد، وربما تخلوا عن مطالبهم بالانتقال السياسي وفتحوا العلاقات الدبلوماسية معه.
وفي العام الماضي، أعادت جامعة الدول العربية مقعد سوريا وبدأت بإرسال المساعدات.
وفي تموز/ يوليو اقترحت ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي التعامل الدبلوماسي مع الأسد.
ويريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة العلاقات وإنعاش الاقتصاد السوري كوسيلة لإقناع اللاجئين السوريين بالعودة.
وأشار إلى أن الجيش السوري منهك ولا يستطيع استعادة الشمال، وبدون دعم مالي خارجي، فربما خسر الأسد الأراضي الواقعة تحت سيطرته، ولكن هناك عدد قليل من الدول التي ستغامر وتتحدى العقوبات الأمريكية وتستثمر بعروضه المتزايدة لبيع أصول الدولة، مثل مطار دمشق، علاوة على تمويل إعادة إعمار سوريا التي قدر البنك الدولي كلفتها بحوالي 200 مليار دولار.
وتابع: إذا حكمنا من خلال الأنوار الليلية فإن البنك الدولي يقدر انكماش اقتصاد سوريا بأكثر من 80 بالمئة منذ عام 2010، وقد خسرت الليرة السورية 99 بالمئة من قيمتها منذ بداية الحرب، وهو انهيار يشبه انهيار الليرة اللبنانية.
وفي الشمال، تخلى السوريون عن العملة السورية واستبدلوها بالتركية.
وفي العام الماضي، خفض الأسد معظم الدعم، ما أدى إلى إعاقة المزيد من الخدمات الأساسية.
وتقول معلمة لم يعد راتبها يغطي تكلفة ركوب الحافلة إلى المدرسة: أنا سعيدة بالتطوع ولكن ليس بالدفع للتطوع.
وفي وقت تنهار فيه الدولة يسيطر الأسد على المهربين ولديه شبه احتكار على الإنتاج العالمي لمنشط كبتاغون.
وتقول تقارير البنك الدولي إن قيمة صادرات المخدرات هي ضعف قيمة الصادرات المشروعة مجتمعة. ولكن العائدات تعود إلى الأسد، في حين تضيق قاعدته أيضا. ففي التعديل الحكومي الأخير، كان كل المعينين تقريبا من العلويين، وهم الأقلية التي ينتمي إليها.
ويعتقد آخرون أنهم قادرون على إنقاذ سوريا، ففي قصر مسور في الري قرب الحدود التركية، يرى وزراء في الحكومة المؤقتة أنفسهم بأنهم مستقبل سوريا الموحدة لمرحلة ما بعد الأسد.
وفي مناطقهم التي تمتد على مساحة 40 كيلومترا مربعا جنوبي تركيا وباتجاه حلب، ثاني أكبر مدن سوريا، يتحدث الناس بحرية.
وتظهر اللافتات المعادية للحكومة في كل مكان، ويحصل رجل الشرطة على 100 دولار في الشهر، أي خمسة أضعاف راتب عنصر الشرطة بمناطق النظام، وتتوفر الكهرباء على مدار الساعة، وتم إنشاء منطقة صناعية توفر للمستثمرين عمالة رخيصة ومنفذا للأسواق العالمية الحرة عبر تركيا.
ويقول أحد المسؤولين إن 15 بالمئة فقط من عائدات الجمارك التي تجمعها تركيا عند المعابر الحدودية الدولية تذهب إلى الحكومة المؤقتة، فيما يذهب معظمها إلى المجالس المحلية والفصائل التي تشكل الجيش السوري الحر الذي يبلغ قوامه 45 ألف جندي.
وتقول المجلة إن سوريا وعلى مدى 2000 عام ظلت متشرذمة أكثر من كونها متحدة، وهو ما يصدق عليها اليوم.