رحلة الفرار من التجنيد في أوكرانيا
رغم التوغل الأوكراني المفاجئ في كورسك الروسية الشهر الماضي، فإن أوكرانيين كثيرين لا يعتقدون أن موازين الحرب ستتغير، وقد اختار آلاف منهم الفرار إلى دول الجوار هربا من التجنيد الإجباري في رحلة محفوفة بالخطر، وفقما كتبت صحيفة إلباييس الإسبانية في تقرير لها من الحدود الرومانية الأوكرانية.
بعد رحلة شاقة، تتنفست مجموعة من الأوكرانيين الصعداء بعد عبورهم إلى رومانيا، فقد أفلتوا من التجنيد الإجباري ومن حرس الحدود، وربما أيضا من موت محقق حصد حياة 25 شخصا أقدموا على الرحلة ذاتها منذ بداية الحرب.
ويؤكد الواصلون لمراسل الصحيفة الإسبانية أنهم لا يشعرون بأي ندم على هذه الخطوة.
يقول إيفغيني (20 عاما) “ندرك حجم الخطر.. لكن السلطات تضخمه لترهيبنا”.
أخفق إيفغيني -ابن مدينة أوليكساندريا وسط أوكرانيا- في محاولته الأولى، فقد قُبض عليه ولم يرسل إلى الجبهة لأنه دون سن التجنيد، واستطاع في الثانية العبور إلى نقطة حدودية شمالي رومانيا اسمها سيغيتو مارماتيي بعد رحلة شاقة على الأقدام عبر جبال ماراموريس ونهر تيسا الحدوديين، استغرقت 9 أيام ورافقه فيها صديقا الطفولة دانيال ودانيلو.
44 ألف فار
وتحدث تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن 44 ألف أوكراني فروا منذ بداية الحرب في أواخر فبراير/شباط 2022 إلى رومانيا ومولدافيا (عبر الجبال)، وأيضا إلى سلوفاكيا هربا من القانون الذي يمنع المغادرة لكل رجل عمره بين 18 و60 عاما.
ثلث الفارين لجؤوا إلى رومانيا، حيث أصبحت سيغيتو مارماتيي -حسب الصحيفة الإسبانية- نقطة عبور مفضلة بسبب مكتب هجرة يقدم سريعا وثائق الحماية المؤقتة.
وفعلا حصل إيفغيني ورفيقاه في اليوم التالي على الوثيقة التي تمنح حاملها، من مثل اللاجئين الأوكرانيين في الاتحاد الأوروبي، حق الإقامة والعمل.
حسب شرطة الحدود الرومانية، فإن عدد الأوكرانيين الذين عبروا إلى رومانيا بصورة غير قانونية ارتفع من 3800 العام الماضي إلى أكثر من 7 آلاف منذ يناير/كانون الثاني الماضي، وهو رقم يستثني من اعتقلهم حرس الحدود الأوكرانيون وعددهم نحو 100.
أعداد الفارين لا تشمل من عبر إلى بولندا والمجر، ولا من غادروا بفضل وثائق “قانونية” حصلوا عليها عن طريق رشوة.
بسبب نقص القوات، خفضت أوكرانيا سن التجنيد من 27 إلى 25 عاما.
يخطط إيفغيني -الذي ترك والديه في أوكرانيا- للالتحاق بأخيه وأعمامه في بولندا، أما دانييل ودانيلو فيقصدان إستونيا وبلجيكا حيث لهما أقارب أيضا.
رحلة تستحق العناء
يقول دانييل ودانيلو إن عائلتيهما تعرفان أن الرحلة تستحق العناء.
وحسب خبراء عسكريين، فإن روسيا استرجعت زمام المبادرة، مستفيدة من شح العتاد ونقص عديد القوات الذي تعانيه أوكرانيا.
وقد لجأت كييف إلى تسهيل إجراءات التجنيد، وشددت عقوبات الفرار لتصل إلى 12 عاما سجنا.
وانتشرت تسجيلات لوحدات عسكرية تجوب الشوارع لاعتقال من رفضوا تسجيل أنفسهم في سجل إلكتروني خاص.
لا يسوّغ إيفغيني -الذي يرفض كشف اسمه الكامل- هربه بالخوف من الموت، وإنما بسوء الأحوال المعيشية التي يعتقد أنها ستتدهور أكثر خلال العامين القادمين، ويقول لإلباييس إن السلطات تهيئ الناس للأسوأ.
هناك أيضا نازر (24 عاما) ابن مدينة لفيف (غرب) الذي فر بعدما ناهز سن التجنيد، لكنه عكس كثيرين قصد رومانيا لا بولندا التي عبّرت عن استعدادها هي وليتوانيا لمساعدة كييف في إعادة الفارين.
يقول للصحيفة الإسبانية وهو يتهيأ لاستقلال قطار يحمله وعشرات من أبناء جلدته إلى إحدى عواصم الغرب، “أوكرانيون كثيرون سيقضون نحبهم قبل أن تمنح الولايات المتحدة أوكرانيا الضوء الأخضر لاستخدام أسلحتها داخل روسيا ضد أهداف مثل المطارات ومستودعات السلاح”.
الموت بالجبال ولا القتل
تمتد الحدود الأوكرانية الرومانية على مسافة 430 كيلومترا، وتستخدم رومانيا لحراستها طائرات الاستطلاع والكاميرات الحرارية، بدعم من قوة “فرونتيكس” التابعة للاتحاد الأوروبي، وفرقة دفاع مدني أنقذت حتى الآن 100 أوكراني من الموت.
اضطرت رومانيا إلى إقامة منشأة طبية في سيغيتو مارماتيي لرفض فارين كثيرين تطبيبهم في المستشفيات.
يقول دان بنغا مدير خدمة الإنقاذ في منطقة ماراموريس “كثيرون يفضلون الموت في الجبال على أن يُقتلوا في الجبهة لكنهم يجهلون حجم الخطر عندما يعبرون قمما ارتفاعها 2000 متر وشلالات سريعة وفجاجا بعمق 200 متر”.
بعض عمليات الإنقاذ معقدة للغاية واستغرقت إحداها العام الماضي 6 أيام.
عززت أوكرانيا ورومانيا دوريات المراقبة الحدودية، لكن تدفق الفارين لم يتوقف خاصة من ساكني مناطق القتال مثل خاركيف (شمال شرق).
هناك أيضا من يقصدون رومانيا للاستجمام مثل رومان (38 عاما) الذي جاء مع عائلته من تيرنوبيل، والذي أعفي من التجنيد بسبب عاهة، لكنه يقول إن 20 من أصدقائه قد غادروا، ولم يمنعه من الإقدام على المغادرة هو الآخر إلا تعلقه بعائلته.