عمال مصريون يتعرضون للاعتقال والتهديد في مصر
خلال السنوات الماضية لجأت السلطات المصرية إلى الحل الأمني في مواجهة الاحتجاجات العمالية التي تطالب بزيادة الأجور في ظل موجات الأسعار المختلفة.
آخر حلقات سلسلة المواجهة الأمنية، أقدمت عليها السلطات بالقبض على 9 من عمال شركة وبريات سمنود في محافظة الغربية، ردا على الإضراب الذي نظمه العمال للمطالبة بتنفيذ القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى مبلغ 6 آلاف جنيه، منذ مايو/ أيار الماضي.
رفض إدارة الشركة، التي يتقاسم ملكيتها الدولة وعدد من البنوك الخاصة، التجاوب مع العمال دفعهم لخوض إضراب عن العمل في 18 أغسطس/ آب الجاري، في وقت تذرعت الإدارة في رفضها طلب العمال بالخسائر التي تمنى بها الشركة منذ سنوات.
انتهاكات عديدة تعرض لها العمال خلال الأسبوعين الماضيين، بينها قطع كهرباء المصنع عنهم، وكذلك إلقاء القبض على تسعة منهم، هم: حمدي شابون، وهشام البنا، ومحمد الحلو، وتامر الدجلة، ومحمد الخمري، وهانم جوهر، وسماح المسدي، وهند فاروق، وسعاد العريان.
مستثمر جديد
وقالت إحدى العاملات إن الأزمة بدأت عندما فاجأت الإدارة العمال الذين يطالبون بتطبيق الحد الأدنى للأجور منذ فترة، أن هناك نية لمنح الشركة لمستثمر جديد، ما اضطرهم للتصعيد، حيث لا تترك الإدارة مصيرهم مبهما في يد القادم الجديد، برفضها تطبيق القرار، قبل عملية الاستحواذ المجهولة الملامح والشروط.
وأضافت، أن عدد العمال في الشركة كان 1500 عامل، قبل أن تمارس الشركة ضغوطا على العمال لتقديم استقالتهم أو من خلال الفصل التعسفي ليصبح عدد العمال 500 فقط، معظمهم من السيدات.
وتابعت: رغم أنني أعمل في الشركة منذ سنوات، إلا أن راتبي لم يتعد الـ3500 جنيه شاملا كافة الميزات، والحوافز، بينما الأجر الأساسي دون حوافز يقل عن 2000 جنيه، ويبلغ عدد العمال في الشركة 550 عاملا وعاملة، ولدي ثلاثة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة.
ويمثل النساء العاملات في الشركة النصيب الأكبر، فأعدادهن تزيد عن 320 سيدة، يتميز أغلبهن أنهن عاملات على الماكينات. وأغلبهن عائل وحيد لأطفالهن، أو بمشاركة زوج من العمالة غير المنتظمة التي لا تحصل على أجر ثابت ما يجعل السيدات هن الممول الرئيسي للأسرة.
320 عاملة
السيدات اللواتي يعتبرن الأدنى مرتبة بالنسبة لسلم الأجور، يصارعن الشقاء منذ سنوات طويلة، بعضهن يعمل منذ إنشاء المصنع، حيث اضطررن للإضراب، والاعتصام، لعدد لا ينتهي من المرات، بدءا من المطالبة بتحصيل أجورهن في موعدها، وحتى مساواتهن بشركات قطاع الأعمال الأخرى، على مستوى الميزات المالية، ونادرا ما يتم الاستجابة لطلباتهن.
وفي اجتماعها يوم الخميس الماضي، قررت إدارة الشركة مطلب العمال رغم إقرارها أنها تعاقدت على طلبيات جديدة. وطالبت العمال بالعودة للعمل، وقررت صرف حافز استثنائي من أول سبتمبر/ أيلول الجاري، ما رد عليه العمال بالتأكيد على استمرار إضرابهم عن العمل.
تطوير الأقسام
وأكد مجلس الإدارة في منشور تم توزيعه على العمال، اعتماده خطة تطوير للأقسام الإنتاجية في الشركة وإعادة النظر في هيكلة الأجور، مع السعي لتحقيق مصلحة العاملين والاستجابة لمطالبهم من خلال الإيرادات الناتجة عن التشغيل، كما أنهم ينتظرون قرار اللجنة المختصة في المجلس الأعلى للأجور فيما يخص طلب الاستثناء من تطبيق الحد الأدنى للأجور، وسيلتزمون بما يؤول إليه قرار اللجنة.
وزادت الإدارة في منشورها: فور عودة الأقسام الإنتاجية والخدمية للعمل، سوف تقوم الإدارة بصرف حافز استثنائي قيمته 200 جنيه للعاملين بالأقسام الإنتاجية المتمثلة في قسمي الملابس والنسيج والأقسام المرتبطة بهما، وحافز قيمته 100 جنيه للعاملين في الأقسام الخدمية.
وقالت دار «الخدمات النقابية والعمالية» وهي مؤسسة مهتمة بشؤون العمال، إن ما يجري بحق عمال شركة وبريات سمنود هو في الحقيقة سيناريو نعيشه بشكل متكرر، منذ إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي على الملأ، وعبر الشاشات الإعلامية، رفع الحد الأدنى للأجور إلى مبلغ 6 آلاف جنيه، ولكن في كل مرة تواجه تلك القرارات برفض وتعنت من قبل الجهات الإدارية، وفي كل مرة يصبح العمال عرضة للترهيب، والتعنيف، وغالبا ما ينتهي الأمر بتدخل الجهات الأمنية، وإلصاق تهم سياسية بهم بعيدة كل البعد عن مطالب تتعلق بـأكل العيش.
وتابعت: بعد شهور قليلة من الانتهاكات التي جرت بحق عمال المحلة، يعاقب عمال شركة سمنود لنفس السبب، فقط لأنهم صدقوا إعلان الجهات التنفيذية برفع الحد الأدنى، الذي مازال أدني بفعل موجات تضخم لا تهدأ، مهددة لحياة هؤلاء العمال، حيث لم يعود بإمكانهم الوصول إلى حاجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب، وتعليم، وصحة.
وحسب الدار، لجأ العمال للإضراب كوسيلة مشروعة للاحتجاج، بعد أن سدت الإدارة أمامهم أي أفق للتفاوض، ورفضوا الاستماع إليهم بحجة أن الشركة تتعرض للخسائر، في الوقت نفسه رفضوا تدشين أي كيان نقابي من شأنه الاطلاع على البيانات الخاصة بالمؤسسة بما فيها قيم الأرباح، أو حتى هوية المستثمرين في المكان، المنتمي بالأساس لشركات قطاع الأعمال.
وفي ظل تجاهل الجهات المسؤولة لمطالب العمال، لجأ العاملات إلى الاعتصام بمصنع الملابس، لليلة واحدة، فما كان من الجهات العليا إلا التدخل بشكل أمني، في اليوم التالي، والقبض على ثمانية من العمال العشرة من منازلهم، فيما تم القبض على العاملين الآخرين أثناء أدائهما لورديتهما في الشركة، وفق الدار.
ترهيب العمال
وحسب شهود عيان تحدثوا للدار، جرى ترهيب العمال، وتعنيفهم أثناء القبض عليهم من منازلهم، وبين أفراد أسرهم. أحدهم جرى اقتياده وهو مقيد اليدين إلى الخلف، ومعصوب العينين، في تحد واضح للدستور، والقانون، وحتى المواثيق الدولية الموقعة عليها مصر.
وطالبت، بالإفراج عن العمال المحتجزين بشكل تعسفي، والاستجابة لمطالب العمال المشروعة بشكل فوري، والتوقف عن التلاعب بمصائرهم ومصائر أسرهم.
وتساءلت عن جدوى إعلان القرارات السياسية الخاصة بالعمال، إذا لم يكن هناك سبيلا حقيقيا لتنفيذها على أرض الواقع دون إرهاب، أو تهديد.
في المقابل، هددت النائبة عن حزب الوفد، ليلى إسماعيل، العمال، بالبيع والتصفية خصوصاً مصنع الملابس الذي يضم 320 سيدة. وربطت في فيديو مصور، فك الإضراب، بالإفراج عن العمال المعتقلين.
وعندما اشتكت لها إحدى العاملات أنها لا تستطيع الذهاب إلى المنزل لأنها لا تملك المال الكافي لإطعام أولادها الصغار، ردت النائبة بسخرية «أعملي كشري». فيما قالت العاملات تعليقاً على حديث النائبة لهم إنها هددتهم أنه في حال استمرار الإضراب عن العمل سوف يلقي القبض على عدد مماثل للعمال/ العاملات قيد الاعتقال حالياً.
موجة تضامن
وشهدت مصر خلال الأيام الماضية موجة واسعة من التضامن مع عمال الشركة والمطالبة بالإفراج عن المحتجزين.
ودشن نشطاء حملة توقيعات في هذا الشأن، وأدانوا قمع احتجاجات العمال والقبض على قياداتهم.
وكان المجلس القومي لتنظيم الأجور، أصدر في أبريل/ نيسان الماضي، قراراً برفع الحد الأدنى لأجور العمال الخاضعين لقانون العمل رقم 12 لسنة 2023 (عمال القطاع الخاص وقطاع الأعمال) من 3500 إلى 6000 جنيه شهرياً، شاملة كافة عناصر الأجر، متضمنًا حصة صاحب العمل في الاشتراك التأميني.
واستثني قرار الحد الأدنى للأجور المنشآت متناهية الصغر، التي يقل العدد بها عن 10 عمال، وفتح باب التظلمات، لمدة 3 أشهر، لأصحاب العمل بعدم الالتزام بالقرار، شريطة تقديم المستندات الدالة على ما يثبت تعذر التزامهم بالقرار، على أن تحيلها لجنة التظلمات لمديرية القوى العاملة لتقييمها قبل اتخاذ قرار الاستثناء.
وسبق ونظم عمال شركة غزل المحلة «مملوكة للدولة» إضرابا في فبراير/ شباط الماضي للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم، ما ردت عليه الأجهزة الأمنية بالقبض على عدد من العمال واحتجازهم في مقر جهاز الأمن الوطني وقتها.
وشهدت مصر خلال السنوات الماضية موجات متتالية من ارتفاع أسعار السلع الغذائية بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية، ما أثر على قدرة الطبقات المتوسطة والفقيرة على توفير احتياجاتهم.