كيف توتّرت العلاقة بين السيسي والجيش
منذ التعديل الوزاري الأخير الذي أقرّه رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، بتاريخ 3 تموز/ يوليو الماضي، وتغيير قائد الجيش، الفريق محمد زكي، في اللحظات الأخيرة، ثم الإطاحة برئيس أركان الجيش، الفريق أسامة عسكر؛ يعتقد بعض المراقبين أن هناك ما يشير لوجود توتر بين مؤسّستي الرئاسة والجيش.
إلا أن تقريرا هو الأحدث للباحث في “مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط”، يزيد صايغ، بعنوان: “عبد الفتاح السيسي يخسر الجولة”، جاء ليؤكد الأمر، ويكشف عما وصفها بـ”هزيمة السيسي أمام قادة الجيش” في 3 ملفات هي: “بيع بعض شركات الإمبراطورية العسكرية”، و”دخول المستثمرين الأجانب للمنطقة الاقتصادية بقناة السويس”، و”تهجير الفلسطينيين لشمال سيناء”.
صايغ، أطلق في تقريره، مجموعة أوصاف ليؤكد تراجع سيطرة السيسي على جنرالات جيشه، مثل: “يخسر الجولة”، “أقر بفشل مسعاه”، “تراجع سلطته”، “الرجل الأقوى في مصر يظهر أنه ليس كامل القدرة”، “مساعي السيسي التي لم تنجح مؤشر على تراجع سلطته”، “تقبل الهزيمة”، و”أصبح بالفعل في موقف حرج”.
الملف الأول
أستاذ دراسات الشرق الأوسط بكلية لندن الملكية، سابقا، استند في دراسته على استقالة الرئيس التنفيذي لـ”صندوق مصر السيادي”، أيمن سليمان، في حزيران/ يونيو الماضي، والذي عيّنه السيسي في تاريخ تشرين الأول/ أكتوبر 2018؛ وأكد أن الاستقالة: “تشير إلى أن السيسي أقر بفشل مسعاه الرامي إلى خصخصة الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية”.
وأضاف: يُنظر إلى السيسي عن حق باعتباره الرجل الأقوى في مصر، لكن استقالة الشخص الذي عينه رئيسا لصندوق مصر السيادي تظهر أنه ليس كامل القدرة، متابعا: يبدو أن السبب المباشر للاستقالة هو إقدام القوات المسلحة بصورة مستمرة على عرقلة عملية بيع الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية.
واعتبر صايغ أن مساعي السيسي التي لم تنجح بطرح أي شركة تابعة للجيش يمكن أن تعد مؤشرا على تراجع سلطته. فيما أشار إلى أن طرح أسهم شركات الجيش سواء شركات الصلب والإسمنت المملوكة للمؤسسة العسكرية بالبورصة المصرية عام 2016، أو طرح شركتي “وطنية” للبترول، و”صافي” للمياه المعدنية لاحقا، “تطلب الكشف عن البيانات المالية للشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية والتي تحجبها بشدة عن الجميع.
وأوضح أن هذا أمر لم تكن القوات المسلحة مستعدة لفعله، ومبينا أن السيسي لم يؤكد أن هذا كان سبب التأخير في طرح شركات الجيش، مردفا: كبار المسؤولين أعلنوا مرارا عن الإطلاق الوشيك للمناقصات على هاتين الشركتين التابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، إلا أن المواعيد النهائية المتعاقبة لتقديم العروض واختيار الأنسب منها مرت وانقضت تباعا من دون نتيجة.
“ن الواضح أن المعارضة العسكرية كانت السبب في تلك الإخفاقات المتكررة، استرسل الباحث نفسه، مؤكدا أن استقالة سليمان بعد حوالي عامين من اجتماع السيسي وجنرالات بارزين لمراجعة الاستعدادات لطرح أسهم “وطنية” و”صافي”، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022؛ إنما تشير إلى أن السيسي تقبل الهزيمة.
الملفان الآخران
وأكد صايغ أن ما على المحك هو أكثر بكثير من بيع حصص في الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية، مشيرا إلى ما وصفهم بـ ملفين شائكين آخرين.
إلى ذلك، أوضح أن التغييرات التي أجراها السيسي مؤخرا في صفوف القيادة العسكرية، بتاريخ تموز/ يوليو الماضي، تأتي على خلفية خلافاته مع جنرالاته بشأن تأجير الأراضي والمنشآت في منطقة قناة السويس للمستثمرين الأجانب، ومؤخرا بشأن إعادة التوطين المحتملة لفلسطينيين من غزة في مصر، وهي التي يُعتقَد أن السيسي يوافق عليها، والمؤسسة العسكرية والأمنية تعارضها.
هما ملفّان كانا قد طالت الرئيس الراحل محمد مرسي (2012- 2013) شائعات حولهما ببيع قناة السويس، وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وكانا من أسباب انقلاب السيسي حينما كان قائدا للجيش وبدعم من جنرالاته، على مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013، وسجنه، والإطاحة بالتجربة الديمقراطية الأولى عقب ثورة يناير 2011″ وفق تعبيره.
وختم صايغ، بالقول: لقد كان مؤكدا أن ولاية السيسي الرئاسية الأخيرة ستكون صعبة، لكن التطورات في صندوق مصر السيادي توحي بأنه أصبح بالفعل في موقف حرج.
الباحث في الشؤون العسكرية، محمود جمال، وتعليقا على الأمر عبر موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، قال إن “المؤسسة العسكرية لن تتراجع قيد أنملة عن امتيازاتها الاقتصادية”، مضيفا: السيسي يعلم أن إرضاء الجيش هو عامل أساسي لبقائه، وهو حريص على توسع امتيازات الجيش، لكسب ولائه أكبر فترة ممكنة، والجيش من زاوية أخرى لن يتنازل أو يتراجع عن امتيازاته.
لعبة استعادة الصنم
وفي قراءته لحديث صايغ، قال السياسي والإعلامي المصري، حمزة زوبع: لست مع تضخيم حجم الخلاف بين مؤسستي الرئاسة والجيش، وأرى أن النّقاش الدائر بينهما نقاش مجموعة الحكم الواحدة، وبالتالي يصعب فهم أن يكون هذا حاكم جنرال يقل نفوذه والجيش يزيد نفوذه.
المتحدث السابق باسم حزب “الحرية والعدالة”، دلّل على رؤيته موضحا أن “السيسي، أزاح رئيس أركان الجيش الفريق أسامة عسكر الرجل القوي بالمؤسسة، ووزير الدفاع محمد زكي شريكه بالانقلاب، ومن قبل أزاح قائد الجيش صدقي صبحي، ومن بعده صهره محمود حجازي.
وأكد أن السيسي، يسيطر على كل شيء، معتقدا أن هذه الصورة قد تكون من باب المناورة التي يحاول أن يقدمها السيسي، والقول إن قادة الجيش يرفضون البيع، حتى لا يقلص النفوذ الاقتصادي للجيش، وهذه مباراة يجري لعبها، وفق تقديري، والهدف منها بدلا من بيع مؤسسات الجيش يتم الضغط على المواطن ويزيد الأسعار ويقلص الدعم.
وبالتالي فإن السياسي المصري، لم يبد متفائلا بفكرة وجود “خلاف داخل المجموعة الحاكمة”، مضيفا: “قلنا هذا الكلام أيام حسني مبارك، فترة طويلة، وتبين لنا أن من دافع عن مبارك كان الجيش، إذ دعاه لمغادرة القاهرة إلى شرم الشيخ، وقدمه بشكل جيد خلال المحاكمة، وهو من يحمي أولاده الآن”، متسائلا: ألم يكن يقدر على إرجاع أموال مبارك المنهوبة؟.
وفي تصوره فإن التصور الخاص بصايغ، يتكلم عن نموذج آخر غير النموذج المصري بهذه الجزئية، مؤكدا أن هذه عصابة، ولم تعد مؤسسة، فعندما تتكلم عن مؤسسة عسكرية فيجب أن يكون لديها انضباط وشفافية، وبالتالي لست متفقا مع صايغ.
ويعتقد زوبع، أن ما قام به الجنرال هو أنه عضد نفوذه داخل المؤسسة العسكرية برجال آخرين، مستشهدا بأن لديه 3 أبناء بمؤسسات كبيرة وصديقه في المخابرات؛ وهناك جيل جديد من القادة العسكريين، فمن كانوا برتبة رائد مثلا في 2011 أصبحوا عمداء ولواءات، وهؤلاء رجاله.
وأكد أنه وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية تحتاج لإعادة ضبط، ولأنه ليس جيشا محاربا فهو ليس جيشا عسكريا ولكنه جيش اقتصادي، له حصّة في البلد والوزارات والمحافظات والبيزنس والسياسة، وبكل مكان تجد لواءات حتى بالخارجية والسفارات.
وقال: لا أقلّل من الصورة التي عرضها صايغ، ولكن أرى أنها ليست بهذا الحجم من وجود خلاف كبير، فهناك رجل كبير هو من يدير ويقص جناح أي فرد، معبرا عن مخاوفه من أنه يتم التعويل على تلك الرؤية وبأن هناك خلافا بين السيسي والجيش.
وخلص للقول إن السيسي، يريد إعلان أن الجيش لا يريد بيع ممتلكات مصر فيصبح في نظر الشعب جيشا وطنيا، وعندها نكون قد عدنا مجددا لنفس الصنم.
لن يتنازل طواعية
من جانبه، قال السياسي المصري، عمرو عادل: من المهم تحديد بعض النقاط في طبيعة السلطة بمصر، وأولها أن السلطة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقوة، وهي مركزة بالقوة الخشنة، وقوة المال، والأجهزة الأمنية.
ثاني النقاط بحسب رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، المعارض: أن تلك القوتين عبر العقود الماضية استطاعت القضاء على القوى المحتملة الأخرى سواء كانت قوة من داخل مؤسسات الدولة أو خارجها، وتتمثّل في القضاء والتشريع والقوى الاجتماعية المنظمة مثل النقابات والأحزاب واتحادات الطلاب وغيرها.
وأشار ثالثا إلى أنه كي تأمن الأطراف المسيطرة استعادة الأطراف الأخرى السيطرة قامت باحتلالها بإنشاء كيانات بديلة، وتشكيل شبكات مصالح داخل هذه الهيئات لتمنع تماما احتمال دخولها بمجال السلطة مرة أخرى.
ويرى أنه من الطبيعي دائما حدوث صراع بين الأطراف المسيطرة الثلاثة، ورغبة من كل طرف للسيطرة على العناصر الأخرى، ولذلك قامت المؤسّسة صاحبة القوة الخشنة بمحاولة السيطرة على رأس المال، وخاصة منذ تسعينيات القرن الماضي، وأيضا السيطرة على الأجهزة الأمنية والمعلوماتية بتمديد جهاز المخابرات الحربية ومحاولة جعله المهيمن على باقي الأجهزة الأمنية.
كذلك، أكد عادل أن كلتا المحاولتين لم تنجحا إلى الآن، لتضارب المصالح الكبير بين الأطراف الثلاثة، ولكن من المستبعد حاليا حدوث صدام ما بينهم؛ ولكنه محتمل مع ازدياد توغل المؤسسة العسكرية خاصة بمجال الأمن والمعلومات.
ويعتقد أنه لا يوجد بمصر الرجل الأقوى، بل يوجد مؤسسة السلطة الأقوى، التي لا تزال ترى أن الموجود حاليا على رأس السلطة أصلح الخيارات لتحقيق مصالحها ولفتح المجال لتغوّلها داخل كل شيء بشكل أكثر.
وختم رؤيته بالقول: الجيش لن يتنازل طواعية عن جنيه واحد مما يمتلك، وأؤكد أن هناك إحساسا دفينا بالمؤسسة أن هذه البلاد ملك لهم لا ينازعهم في حكمها أحد.
خلاف توزيع الغنائم
وفي قراءته لمقال صايغ، قال الباحث والأكاديمي المصري، محمد الزواوي: أرى أنه لا توجد اختلافات داخل مؤسسة السلطة الحاكمة لمصر، وأن العملية لن تعدو عن خلاف حول توزيع الأدوار.
المحاضر في معهد الشرق بجامعة سكاريا التركية، أضاف: ربما تكون هناك خلافات بين الصندوق السيادي والجيش، في وقت فيه الحكومة مجبرة على بيع شركات مملوكة للجيش بفعل إملاءات صندوق النقد الدولي، في إطار حصول القاهرة على قرض المليارات الثمانية ومطالبتها بإصلاحات منها تخلي الجيش عن بعض ممتلكاته.
ويرى أن استقالة أيمن سليمان ربما تكون بسبب خلاف بين الصندوق السيادي والجيش، وأن هذا هو مكمن الخلاف، باعتبار أن السلطة تريد بيع بعض شركات الجيش، والجيش لا يريد أن يفرط فيها، باعتبار أن هذا (عرق الجيش).
ويشير الزواوي، إلى الوصف الذي أطلقه عضو المجلس العسكري، اللواء محمود نصر في آذار/ مارس 2012، حينما قال: مشروعاتنا (عرق) وزارة الدفاع، ولن نسمح للدولة بالتدخل فيه.
وخلص الأكاديمي المصري للقول: إذا هناك ربما مشكلة في توزيع الغنائم والأدوار ليس أكثر، ولا أعتقد أن هناك مشكلة كبيرة داخل السلطة، باعتبار أن السيسي هو من يقوم بإدارة توزيع الغنائم والمكافآت للمؤسسات الكبرى بالدولة، كما قال في خطاب له بالعامية المصرية: (كله بياخد فيها بما يرضي الله).
وأعرب عن أسفه الشديد من أن تلك المؤسسات تحوّلت إلى جماعات مصالح وليست مؤسسات تابعة للدولة، حيث يقوم السيسي، بإرضائها لضمان ولائها”، ملمّحا إلى “مؤسسات مثل القضاء والشرطة والجيش.
وأعاد التأكيد على أنه لا يمكن اعتبار ما حدث خلافات أو تخففا من قيادة السيسي، بقدر ما هي اختلافات حول عملية توزيع المكافآت داخل السلطة، المجبرة على بيع شركات تابعة للجيش، لأنها تريد عملة أجنبية، والجيش لا يريد التفريط.
وختم بقوله: من ناحية أخرى فإن الصندوق السيادي خارج المحاسبة، والسيسي يعتبر المسيطر الوحيد عليه، وربما أطاح بأيمن سليمان وضحى به كونه الحلقة الأضعف، تمهيدا لإعادة الاتفاق على عملية توزيع الغنائم.
لا ترقى للصدام
وفي رؤيته، قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، ممدوح المنير: بكل تأكيد هناك خلافات داخل الجيش المصري والسيسي، وهذا طبيعي بأي نظام شمولي عسكري وحدث ذلك بكل فترات الحكم السابقة أيام عبد الناصر والسادات ومبارك.
وأضاف المنير: بطبيعة الحال هذه الخلافات تدور حول الحظوظ والنفوذ بين أجنحة السلطة المختلفة، لذلك ما ذكره صايغ، صحيح في قراءته للمشهد”، موضّحا أن “الجيش لن يقبل بأي نقص في امتيازاته المالية أو الاقتصادية، وخصوصا أنه يعتبر نفسه الضامن الوحيد لبقاء السيسي، فهو جاء على ظهر دبابة وهي ما تضمن بقاءه ولذلك ستظل بينهما علاقة المصالح المتبادلة.
الباحث المصري، استدرك بقوله: لكن يجب أن نفهم أنه مهما كانت الخلافات بينهما فهي لا ترقى لحدوث صدام؛ الطرفان في مركب واحد والشعب يكره الاثنين حاليا، وبالتالي سيظل الصراع يدور داخل دائرة محددة من حسابات المصالح والامتيازات.
وتابع: لسبب آخر هام، الجميع يعلم أن بقاء النظام يرتبط كذلك برضا واشنطن وتل أبيب عليه، وهو ما يحاول به السيسي خلق توازن أمام الجيش، مردفا: بمعنى آخر؛ الجيش على افتراض أن به أصواتا لا يزال لديها حس وطني وغير راغبة في السيسي؛ فتعلم أن تغييره أو خلعه يتطلب موافقة أمريكية أولا، وإلا ستكون هناك عقوبات ومشاكل بمواجهة الدولة.
السلطة، الجيش بالداخل، وواشنطن بالخارج يسترسل المنير، مبرزا: يمكننا من خلال هذا السياق فهم لماذا قبل الهزيمة ولو مرحليا في معركة خصخصة شركات الجيش، والتي ظهرت في استقالة رئيس صندوق مصر السيادي، ولم يقبلها في فكرة مقاومة تهجير أهل غزة لسيناء التي يوافق عليها ويرفضها الجيش؟.
ولفت إلى أنه ظهر ذلك في إزاحة وزير الدفاع واستبداله بآخر قبل دقائق من حلف الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، وأتى به من مقعد التقاعد وترقيته رتبتين في مشهد سينمائي، بالمشهد الأول يحاول إرضاء المؤسسة العسكرية، والثاني إرضاء تل أبيب والبيت الأبيض.
وختم بالقول: وهكذا يستمر السيسي في لعبة التوازنات هذه حفاظا على كرسي الحكم، وفي مشهد يغيب عنه مصلحة الوطن والمواطن، وأنه قدر الشعوب التي تكتفي بمقاعد الفرجة بينما يسرق منها حاضرها ومستقبلها.