حملة قطع الأشجار في مصر.. هل يعوض السيسي الكيان الاسرائيلي عن تعليق كولومبيا توريد الفحم؟
بالتزامن مع ما تشهده مصر من موجة احترار شديدة وصلت نحو 48 درجة مئوية، تقوم حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بحملة جديدة لقطع الأشجار في الشوارع والميادين والحدائق، ما اعتبره سياسيون ومعارضون وخبراء جريمة جديدة بحق الشعب المصري.
ونشر متباعون مقاطعا وصورا تكشف اتساع حملة قطع الأشجار وخروجها من القاهرة والجيزة ومحيطهما إلى الإسكندرية والوجه البحري وحتى محافظات الصعيد، فيما أعاد البعض نشر صور لأحياء كاملة قبل قطع الأشجار وبعد إزالتها.
ورغم نفي وزارة الزراعة المصرية إزالة أشجار من حديقة الحيوان والميريلاند والتأكيد على أن ما يجري هو تهذيب لبعض الأشجار، إلا أن متابعين ردوا بنشر العديد من الصور لقطع الأشجار على الطرق في الكثير من المحافظات وفي العاصمة القاهرة.
وقال البعض إن هدف حكومة السيسي من قطع الأشجار جلب العملة الصعبة التي تعاني البلاد شحا كبيرا منها، وذلك عبر بيع الأخشاب لمكامير الفحم ومصانعه ثم تصدير الفحم للخارج، ملمحين إلى أن مصر بزمن السيسي أصبحت واحدة من أكبر 10 دول مُصدرة للفحم.
وأشاروا ثانيا إلى أن قطع الأشجار يمثل “سبوبة” جيدة للمسؤولين في المدن والأحياء والمحافظات، خاصة في ظل عدم وجود رقابة وانتشار الفساد الإداري والحكومي.
كما ألمحوا إلى أن قطع الأشجار يساهم في إحكام المراقبة الأمنية على الشوارع والطرقات، تحسبا لأي تظاهرة ضد النظام، وذلك إلى جانب دفع المصريين على مغادرة القاهرة الكبرى التي يتعدى عدد سكانها 25 مليون نسمة.
فحم كولومبيا
لكن المثير، أن تلك الحملة تتزامن بشكل مثير للجدل، مع قرار دولة كولومبيا -شمال غرب قارة أمريكا الجنوبية وتطل على البحر الكاريبي- تعليق تصدير فحم الأخشاب إلى إسرائيل، وسط أحاديث تشير إلى زيادة نسبة تصدير الفحم النباتي المصري لتل أبيب، وتوقعات بأن يكون قطع الأشجار الجاري الآن في مصر لتعويض الاحتلال نقص وارداته من بوغوتا.
وفي 8 حزيران/ يونيو الجاري، أعلن رئيس كولومبيا جوستافو بيترو، تعليق صادرات الفحم لإسرائيل، و”حتى تتوقف الإبادة الجماعية” على قطاع غزة وحتى لا تستخدم الفحم كمصدر للطاقة لصنع الأسلحة، في إجراء هو الثاني بعد قطع علاقة بلاده الدبلوماسية مع تل أبيب الشهر الماضي.
وبلغت واردات الاحتلال الإسرائيلي من مصر من الفحم الخشبي، 4.16 مليون دولار أمريكي خلال عام 2022، وفقا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، التي أشارت إلى أنه تم تحديث واردات الاحتلال من مصر من الفحم الخشبي، في حزيران/ يونيو الجاري.
وفي السياق، أكد الخبير الاقتصادي رئيس مجموعة تكنوقراط مصر” محمود وهبة، أن إسرائيل تستورد فحم الخشب من مصر منذ سنوات، ولأن كولومبيا منعت تصدير الفحم لإسرائيل يتم تقطيع الشجر لتصديره لتل أبيب.
وأكدت الإعلامية المصرية المعارضة دعاء حسن، عبر فضائية “الشرق” هي ومجموعة من النشطاء أن خلف مجزرة قطع الأشجار الجديدة، لواء الجيش المتقاعد عماد درويش، موضحين أن الذي يقوم بتصدير فحم “الفريدة”، إلى إسرائيل هو رجل الأعمال إبراهيم خلاف.
ودرويش، صاحب مصنع “الفريدة” لإنتاج وتصدير الفحم النباتي والفحم المضغوط، بمحافظة القليوبية شمال شرق القاهرة الشهيرة بمكامير الفحم.
أما خلاف، فهو صاحب العلامة التجارية “فحم الخلاف”، وصاحب العلاقات الوثيقة مع مسؤولين إسرائيليين بينهم عمدة تل أبيب والقائد السابق في سلاح الطيران الإسرائيلي، رون حولداي.
وتشتهر مناطق عديدة في مصر بعمل مكامير الفحم المختصة بحرق الأشجار بطريقة معينة وتحويلها إلى فحم أسود “كربون” له استخدامات عديدة وبينها توليد الكهرباء، وصناعة الصلب، والأسمنت، والورق، والأدوية، والبلاستيك، بجانب التدفئة والتسخين والشواء بالمنازل، وشرب النرجيلة بالمقاهي.
معدل إنتاج مصر من الإنتاج العالمي للفحم يبلغ نحو 3بالمئة، فيما تحتل القاهرة المركز الـ11 عالميا في تصدير الفحم.
ووفق مسح “IQAir” السويسري احتلت مصر المرتبة التاسعة عالميا في مؤشر تلوث الهواء، فيما تحل القاهرة بالمركز العاشر بين أكثر عواصم العالم تلوثا، فيما تعد ثالث أكثر المدن تلوثا للهواء بإفريقيا.
تناقض مصري
وتأتي حملات قطع الأشجار المتواصلة في مصر في الوقت الذي تبدو فيه حكومة السيسي، أمام دول أوروبا والمنظمات الدولية المهتمة بملف البيئة بأنها تسعى لمكافحة التغيير المناخي، وذلك في إطار الحصول على تمويل لإقامة مشروعات بيئية.
وفي 18 أيار/ مايو الماضي، بدأت مصر مناقشاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على 1.2 مليار دولار للبيئة ضمن حزم الدعم الخاصة بالمؤسسة الدولية، فيما أعلنت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، في تموز/ يوليو الماضي عن حصول مصر على منح وقروض بـ834 مليون دولار لدعم مشروعات بيئية متنوعة.
وكانت مصر قد استضافت مؤتمر المناخ COP 27 عام 2022، وأنشأت المجلس الوطني للتغيرات المناخية، كما أصدرت بالنصـف الثانـي مـن 2020، أول طـرح للسندات الخضـراء لجذب المسـتثمرين للمشاريع البيئية بقيمة 750 مليون دولار.
وأطلقت في أيار/ مايو 2022، “الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050″، ومن بين أهدافها الحفاظ على المساحات الخضراء والتوسع بها، (لامتصاص غـاز ثاني أكسـيد الكربون مـن الهواء، وتقليل شدة درجة الحرارة، وخفض نسبة الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري).
وهنا أكد رئيس حزب الخضر المصري محمد عوض، إنه “وفقا لإلتزامات حكومة مصر في مكافحة التغيير المناخي، فإن قطع الأشجار، سيقطع الدعم المالي”.
جريمة بيئية ومذابح ممنهجة
ووصف الخبير الزراعي الدكتور عبدالتواب بركات، حملة قطع الأشجار في مصر، وتأثيرها على مصر والمصريين في ظل توجه عالمي لحماية البيئة وتقليل درجات الحرارة، بـ”الجريمة”.
وقال إن تلك “الهجمة التي تنفذها الحكومة ضد الثروة الخضراء في شوارع مصر وعلى جانبي الطرق وفي الحدائق العامة هي جريمة بيئية مكتملة الأركان”.
الأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة، عبر عن شديد أسفه من أن “وزارة البيئة المنوطة بحماية المسطحات الخضراء تتواطئ مع الحكومة لتبرير المذابح الممنهجة بحق الثروة الشجرية في مصر”.
ولفت إلى أن “تبرير الوزارات والمحافظات هذه المذبحة بحق الأشجار، بدعوى التطوير تارة، وبحجة تبطين الترع لتقليل فقد المياه تارة، وبحجة أن الحكومة تغرس شتلات أشجار جديدة محل الأشجار المقطوعة تارة أخرى، هو عذر أقبح من ذنب”.
الأكاديمي المصري، أكد أن “التطوير لا يمكن أن يكون سببا لتقطيع الأشجار المزروعة على جانبي الطرق والترع ونهر النيل والحدائق العامة والخاصة”.
وأضاف: ولا يمكن أن تتناسب مكاسب التطوير المزعومة مع خطر تقطيع الأشجار وتأثيراته السلبية على تلوث الهواء الذي يكلف صحة المصريين أكثر من 50 مليار جنيه سنويا، وفق تصريح لوزيرة البيئة.
وكذلك تسببه في ارتفاع درجات الحرارة والتي سجلت في مصر أعلى المعدلات العالمية منذ اتباع الحكومة سياسة تقطيع الأشجار في سنة 2015.
بركات، قال إن “الحكومة مطالبة بالرد على المواطن الذي يتساءل عن سبب تزامن الهجمة الشرسة على الأشجار الخشبية مع إعلان كولومبيا وقف تصدير الفحم لدولة الكيان الصهيوني، والذي يوفر 30 بالمئة من إنتاج الكهرباء هناك”.
وألمح في نهاية حديثه، إلى أن “جريمة مقتل رجل الأعمال الإسرائيلي زيف كيبر، في مدينة الاسكندرية الشهر الماضي، كشفت عن تورط مصر في تسيير أسطول بحري لنقل الخضروات والفواكه المجمدة من مصر إلى دولة الكيان الصهيوني في ظل تراجع الإنتاج المحلي بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة”.
المعيار التنموي والمعيار البيئي
وأكد المستشار الأسبق لوزير البيئة المهندس حسام محرم، لـ”عربي21″، على أهمية وجود الأشجار والمسطحات الخضراء لتحسين البيئة وتنقية الهواء.
وأشار إلى أن للأشجار والمسطحات الخضراء دور هام في تنقية الهواء وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو، والتخفيف من درجات الحرارة، والتقليل من حدة تأثير التغيرات المناخية. داعيا الحكومة لزيادتها بمناطق التجمعات السكنية، للحفاظ على نقاء الهواء والمظهر الجمالي.
وطالب محرم، بـ”منع قطع الأشجار وإزالة المساحات الخضراء”، ملمحا إلى أنه “في حال الاضطرار يجب مشاركة مختصين في ملفات البيئة والزراعة، لإيجاد البدائل والحلول دون خسارة الأشجار أو الإضرار بالبيئة”.
وأكد أن مجازر الأشجار على الطرق والحدائق والمتنزهات له انعكاسه على المناخ والبيئة، ملمحا إلى أن كل الدول تحرص على المساحات الخضراء والغطاء النباتي لتقليل تلوث الهواء وامتصاص ثاني أكسيد الكربون والحفاظ على النواحي الجمالية.
ويرى أنه حال إقدام الدولة على إجراء قطع الأشجار كضرورة ملحة واضطرار لا بديل عنه لابد من أن يقابل ذلك مبررات تنموية، داعيا في تلك الحالة إلىعدم اجتثاث الأشجار بالكامل وتقليمها فقط، أو نقلها وزراعتها في مكان آخر.
وأوضح أن عملية ازالة الأشجار من المفترض أن تخضع أيضا لتحديد التكلفة البيئية لعمليات الإزالة والعائد من تطوير الطريق أو المكان المنزوع منه الأشجار، ملمحا إلى أن الاختناقات المروية تزيد الانبعاثات والتلوث ولذ قد يكون العائد مقبول في بعض الأحيان.
وأشار إلى ضرورة أن تدرك الدولة “أهمية المعيار البيئي لتقييم المشروعات”، مؤكدا أنه “أمر لازم”، موضحا أنه “على الدولة ألا تتعامل وفقا للاعتبارات التنموية فقط، وأن تزيل حدائق ومناطق خضراء وتوضع مكانها تجمعات سكنية”.
وبشأن ما يثيره البعض من أن حملة قطع الأشجار في مصر هي لتعويض الصادرات الكولومبية من الفحم لاسرائيل، قال المسؤول المصري السابق: “في الحقيقة لا أعرف، وإن كنت قد سمعت من برامج في فضائيات معارضة عن شركة خاصة فيها شركاء لهم علاقة بالكيان المحتل، ولا أعرف مدى صحة هذه المعلومة”.
وفي نهاية حديثه، يعتقد أنه “لو صحت هذه المعلومة فإن الموضوع له علاقة بأصحاب مصالح يستغلون انشغال الحكومة حاليا في التعديل الوزراي، وحرب غزة، وسفر رئيس الجمهورية، ومشاغل أخرى، لتمرير عملية قطع الأشجار”.