هذه هي الأسباب التي دفعت بوتين لإقالة وزير الدفاع
في مقال تحليلي لها، تحت عنوان: “الأسباب التي دفعت فلاديمير بوتين إلى إقالة وزير دفاعه سيرغي شويغو”، قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إنّه من موسكو إلى العواصم الغربية، هناك العديد من المراقبين الروس وغيرهم من “المتخصصين في شؤون الكرملين” الذين يحاولون التّكهن بقرارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقد أثبت هذا الأخير مرة أخرى أن الأمر شبه مستحيل، وفاجأ الجميع هذه المرة بـ “إقالة” سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي.
“لوفيغارو” اعتبرت أن ما يثير الدهشة هو الطابع الزمني لقرار الرئيس الروسي، لأن إقالة سيرغي شويغو، وزير الدفاع لمدة 12عاماً، ليست مفاجأة في حد ذاتها، لأن هذا الأخير كان محل اعتراض وانتقاد شديد من قبل فيالق الجيش الروسي منذ بداية “الغزو”. ففشل “البليتزكريغ” (الحرب الخاطفة) التي تصورتها موسكو، وعدم القدرة على تحقيق نصر خاطف، وَقَعا ميكانيكياً على شويغو، حتى لو لم يكن مسؤولاً بشكل مباشر عن العمليات. كما أن الرجل لا يحظى بشعبية كبيرة في صفوف الدوائر القومية المتشددة، وقد تعرّضَ دائمًا للانتقاد بسبب بروفايله المدني، توضح لوفيغارو.
رغم كل الصعاب، تمكّنَ الرجل، الذي كان في حياة أخرى شريكاً لفلاديمير بوتين في صيد الأسماك وقضاء إجازته في التايغا، من الاحتفاظ بمنصبه لأكثر من عامين. فحتى في ذروة العاصفة، وفي خضم تمرد مجموعة فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين في شهر يونيو عام 2023، وبينما كان الجيش الروسي يتخبّط على الجبهة كما لم يحدث من قبل، صَمَدَ شويغو، توضّح لوفيغارو.
وانتهى سيّد الكرملين بـ “إقالة” سيرغي شويغو، البالغ من العمر 68 عامًا، رسميًا، مساء الأحد. وقد انتظر بوتين، الذي يحب أن يرتدي بدلة رسمية، حتى التنصيب الرسمي لولايته الخامسة– كان ذلك يوم الثلاثاء الماضي- “لاستبعاد” شويغو لصالح تعديل وزاري يحمل أيضًا ختم الاستقرار العزيز على الزعيم الروسي، تقول لوفيغارو.
وتابعت قائلةً إنه على الرغم من أن إقالته كانت مستحقة منذ فترة طويلة، إلا أن شويغو لم يفلت من المياه هذه المرة. وعلى عكس ما قد يعتقده المرء، “لم يتم نسيان أيّ شيء”، كما يقول ألكسندر بونوف، خبير مركز كارنيغي، مؤكداً أن “محاولة انقلاب بريغوجين على وجه الخصوص لم تُمحَ من الذاكرة”. لا يهم أن مواقف الجيش الروسي قد تعزّزت بشكل موضوعي في الأشهر الأخيرة: فقد كان محكوماً على شويغو بالفشل عاجلاً أم آجلاً. لأنه خلال فترة ولايته ترسخ التمرد الذي قاده زعيم فاغنر الراحل. كما سمح لجنرالات من الدرجة الأولى مثل سيرجي سوروفيكين بالاقتراب من بريغوجين تحت عينيه. ربما لن يغفر له هذا.
فساد حاشية شويغو
كما وصفت “لوفيغارو” اعتقال تيمور إيفانوف، نائب وزير الدفاع الروسي، وأقرب معاوني شويغو، في نهاية أبريل/نيسان، بالحادثة الأخرى الحديثة وبالغة الأهمية. فقد أثار اعتقال إيفانوف- الذي كان منذ عام2016 بمثابة المشرف على الجيش الروسي والمسؤول عن البنية التحتية، وسكن الجنود، وحتى التعويضات المدفوعة للعائلات- بتهمة تلقي رشوة “كبيرة جداً” تصل إلى أكثر من مليار روبل، بحسب لجنة التحقيق الروسية، أثار ضجة، وأعلن سقوط حاشية شويغو، تقول لوفيغارو.
علاوة على الخسائر البشرية الفادحة، فإن أشد الانتقادات الموجهة من بريغوجين و“المدونين Z” ضد شويغو ووزارته تبلورت حول عمليات الفساد والسرقة، وفقًا لهم، والتي كانت منتشرة منذ فترة طويلة في الجيش الروسي. وفي الوقت نفسه، اشتكت العديد من العائلات الثكلى من بطء أو غياب التعويضات. فمن خلال السماح بالقبض على إيفانوف، المعروف بأسلوب حياته المترف إلى حدّ صارخ، ومن خلال إسقاط شويغو، يبدو أن الكرملين يريد تطهير هذا النظام الفاسد واستعادة النظام في قطاع الدفاع، تتابع لوفيغارو.
شخصية متعارضة أو معاكسة
بدلاً من رجل الشبكات والعشائر سيرغي شويغو، عيّن فلاديمير بوتين، مرة أخرى، لمفاجأة الجميع، بروفايلاً معاكساً أو متناقضاً تماماً، على الرغم من أنه يأتي أيضاً من العالم المدني. يتعلق الأمر بالخبير الاقتصادي أندريه بيلوسوف، المستشار الاقتصادي للرئيس منذ عام 2013 ، والوزير السابق للتنمية الاقتصادية، من بين مناصب عليا أخرى.
فهذا التكنوقراط البالغ من العمر 65 عامًا، على الرغم من أنه ليس ليبراليًا، معروف بكونه اقتصاديًا “كينزيًا”، ومؤيدًا لتدخل الدولة وتخطيط معين في الاقتصاد. وهو أيضًا معروف بالنزاهة والعمل الدؤوب، توضّح “لوفيغارو”، مشيرة إلى أن بيلوسوف كان رئيسًا للإدارة الاقتصادية في مكتب رئيس الوزراء في الوقت الذي كان يشغل فيه فلاديمير بوتين هذا المنصب 2008-2012.
المنطق وراء تعيين بيلوسوف؟
بالنسبة لبوتين، الذي يخطط للحرب على مدى فترة طويلة جدًا من الزمن، ويعمل تدريجيًا على إعداد العقول الروسية منذ عام 2023 لهوية دولة جديدة تقوم على المواجهة الدائمة مع الغرب، فإن النصر في الحرب سيتم في المقام الأول من خلال الإنتاج العسكري والتحكم الاقتصادي.
وعليه، فإن بيلوسوف، الذي كان جزءاً من لجنة مجلس الأمن الروسي التي تهدف إلى تكييف الصناعة والاقتصاد الروسي مع المجهود الحربي، سيتولى مهمة الإشراف على انتقال روسيا إلى اقتصاد الحرب الكاملة. وهي في واقع الأمر تسير على قدم وساق بالفعل، وقد جعلت من الممكن، من خلال حدوث انفجار في الإنتاج العسكري، تخفيف العقوبات الغربية والحفاظ على النمو الروسي.
في كل مكان في البلاد الآن، تعطى الأولوية لتزويد الجيش الروسي بما يحتاج إليه، من مصانع الأدوات الآلية، أو الطائرات بدون طيار، إلى مصانع النسيج، والشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، ومراكز الابتكار ذات التقنية العالية من موسكو أو كازان أو نوفوسيبيرسك، تُشير لوفيغارو.
كما أن بيلوسوف هو مؤلف خارطة طريق حول “السيادة التكنولوجية لروسيا” بحلول عام 2030، وفق الصحفية الاقتصادية والمتخصصة في الطاقة الروسية، فريدة روستاموفا. باختصار: وزارة الدفاع الروسية، التي شهدت تضخم ميزانيتها إلى %6,7 من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ترى نفسها موضوعة مجدداً تحت علامة الجدية والإدارة الاقتصادية الفعالة، تقول لوفيغارو.
وذكَّرتْ “لوفيغارو” بأن سيرغي شويغو تم تعيينه، مع ذلك، ورغم كل شيء، في منصب فخري، ولكنه ليس بالهين أو عديم الجدوى، وهو منصب رئيس مجلس الأمن الروسي. وسيحلّ محلّ “الكاردينال الرمادي” لبوتين نيكولاي باتروشيف. فبعد أن أقام بشكل منطقي العديد من الروابط في هذا القطاع، سيأخذ شويغو مكانه في مديريات الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري الفني ولجنة المجمع الصناعي العسكري الروسي.