في رسائل سرية تحذر إسرائيل من انهيار السلطة الفلسطينية
الأحد الماضي، ألقت حماس صاروخاً ثقيل الوزن هز المملكة الأردنية: قائد حماس، موسى أبو مرزوق، الذي أطلق مؤخراً تصريحات محل خلاف عندما قال في مقابلة مع شبكة “العالم” الإيرانية بأنه إذا اضطرت قيادة حماس إلى مغادرة قطر فستتوجه إلى المملكة الأردنية. “معظم قادة حماس هم من أبناء الشعب الأردني”، بهذا يكون أبو مرزوق أطلق العبوة الناسفة الصادمة. وأضاف: مواطنون أردنيون ويحملون جواز السفر الأردني. الشعب الأردني شعب مضياف وكريم ويؤيد المقاومة الفلسطينية. علاقاتنا مع النظام جيدة ولا مشكلة في المكوث في الأردن.
منذ أسابيع والنظام الأردني يدير معركة معقدة ضد المظاهرات اليومية التي تجري قرب السفارة الإسرائيلية في عمان. تم اعتقال عشرات المتظاهرين، معظمهم أطلق سراحهم، ويحاول الملك السير بحذر بين ضرورة منع المواجهات في الشارع التي قد تمتد إلى أرجاء المملكة، وبين الرغبة في السماح للجمهور بالتنفيس عن توتره والتعبير عن الصدمة مما يحدث في غزة وإظهار تضامنه مع الفلسطينيين الذين يشكلون معظم السكان في الأردن.
هذه رقصة حساسة وخطيرة، من جهة الملك يحصل فيها من إسرائيل على إذن بإلقاء المساعدات الإنسانية للقطاع بالمظلات، وفي المقابل أعاد السفير من تل أبيب. وزير الخارجية أيمن الصفدي، من المنتقدين العرب الأكثر شدة لإسرائيل، ويتهمها بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب. الأردن شارك بشكل نشط وناجع جداً في اعتراض المسيرات التي أطلقتها إيران نحو إسرائيل، وفي الوقت نفسه، حذر أنه سيعمل أيضاً ضد الطائرات الإسرائيلية إذا اخترقت سيادتها وعملت ضد إيران في سمائها.
عندما يتحدث أبو مرزوق عن الأردن كعنوان قادم ستستقر فيه قيادة حماس، فإنه يعرف أن احتمالية ذلك ضعيفة. ولكنه استفزاز فعل فعله وأحرج البلاط الملكي. الأردن أنهى علاقاته مع حماس بالضربة القاضية في العام 1999، وليس لديه نية للسماح لحماس ببناء مركز نشاطات جديد على أراضيه. محللون أردنيون احتجوا ليس فقط على المضمون، بل على أسلوب أبو مرزوق، وكأنه “صاحب البيت الذي يملي على المملكة إذا كانت ستوافق أم لا على رجال حماس”. وكما اقتبس مصدر أردني في صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن أبو مرزوق، الذي نفى في الواقع بأن أحداً ما طلب من حماس مغادرة قطر، يعرض بشكل واضح وقاطع بأن لحماس مشكلة، لا تقتصر على مكان استقرار قيادتها، بل ما هو موقفها ودورها بعد الحرب.
في 21 تشرين الثاني 1999، بعد تسعة أشهر على تتويج الملك عبد الله، أمر رئيس الحكومة في حينه عبد الرؤوف الروابدة، أربعة قادة في حماس هم خالد مشعل وإبراهيم غوشة وعزت الرشق وسامي خاطر، بمغادرة الأردن والانتقال إلى قطر. “لم نطردهم ولم نسحب الجنسية منهم”، أوضح رئيس الحكومة في حينه في مؤتمر صحافي عقده في اليوم التالي. ولكن عندما سئل هل يمكنهم العودة إلى الأردن قال: سيكون هذا موضوعاً خاضعاً للنقاش.
لم يكن هناك أي نقاش مباشر، لكن قيادة حركة الإخوان المسلمين في الأردن حاولت بضع مرات التوسط بين الملك وقادة حماس من أجل السماح بعودتهم إلى الأردن. وبعد عشر سنوات، سمح الملك لخالد مشعل بالعودة إلى الأردن في زيارة قصيرة للمشاركة في جنازة والده، وقد مرت 12 سنة تقريباً قبل التقاء الملك عبد الله مع خالد مشعل بشكل شخصي. قبل ذلك بسنة، سمح لإسماعيل هنية وعزت الرشق بالمشاركة في جنازة غوشة الذي توفي عن 85 عاما، وتمت المصادقة على دفنه في الأردن. لذلك، من المهم معرفة إلام يستند أبو مرزوق عندما يتحدث عن العلاقات الجيدة بين النظام في الأردن وحماس.
لكن السور الحصين الذي أقامه الملك عبد الله حول حماس لا يحرره من الضغط والتهديدات التي تستخدمها حماس على الدولة بشكل غير مباشر. ففي العام 2006 تم اتهام نشطاء حماس بمحاولة تهريب السلاح من الأردن إلى “المناطق” [الضفة الغربية]. وفي العام 2015 تم اعتقال ومحاكمة 12 مواطناً أردنياً بتهمة العضوية في حماس. وفي الشهر الماضي، هبت المملكة عندما أعلن القائد العسكري لمليشيا “حزب الله العراق” أبو علي العسكري، بأن منظمته مستعدة لتدريب وتسليح 12 ألف مواطن أردني من أجل الانضمام لمحور المقاومة والعمل ضد إسرائيل من الأراضي الأردنية.
في آذار الماضي، في فيديو لمؤتمر نسوي في الأردن، دعا خالد مشعل الجمهور الأردني للخروج إلى مظاهرات حاشدة وثابتة، وشجع “الشعب الأردني على المشاركة في طوفان الأقصى من أجل امتزاج دماء أبناء هذا الشعب مع دماء الفلسطينيين كي يحظوا بالكرامة”. أدان الأردن هذه الأقوال، ووصفتها وسائل إعلام رسمية في الأردن بـ “التحريض المباشر ضد المملكة”. ولكن خوف الأردن الكبير -ليس وحده- هو من غياب خطة سياسية “لليوم التالي” ومن عجز الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن احتمالية أن الفراغ السياسي في المجال الفلسطيني سيخدم حماس ويعطيها مكانة الشريك في عملية اتخاذ القرارات وتحديد مبنى القيادة الفلسطينية، التي سيضطر زعماء الدول العربية، وعلى رأسهم الأردن، إلى التعامل معها.
شخصية رفيعة سابقة في النظام الأردني، التي رغم الحرب تواصل الاتصال والمحادثات مع جهات إسرائيلية رفيعة، عرضت منذ فترة غير بعيدة خارطة الاحتمالات السياسية التي يتوقعها الأردن، إذا لم تسمح إسرائيل للسلطة الفلسطينية بالبدء في إدارة الحياة المدنية في غزة. وحسب مصادر إسرائيلية تحدثت مع هذه الشخصية الأردنية الرفيعة، التي تعكس أقوالها المزاج السائد في البلاط الملكي، فإن الأردن أرسل عدة رسائل للقيادة في إسرائيل، “من غير الواضح إذا ما أرسلت مباشرة لرئيس الحكومة نتنياهو”، حذر فيها من وضع تتحطم فيه السلطة فضلاً عن أنها لن تكون عاملاً مهماً في إدارة غزة.
حسب أقوال هذه الشخصية الرفيعة، فإن “محمود عباس (88 سنة) يعمل بالأساس على تشكيل إرثه التاريخي. يخصص معظم وقته ونشاطاته للساحة الدولية والدفع قدماً بفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. هذه رسالة ضرورية وجديرة، لكن لا يمكنها أن تستبدل ضرورة الانشغال بالشؤون المحلية الملحة مثل إقامة جسم سلطوي فلسطيني تستطيع الولايات المتحدة أن تقدمه لإسرائيل كبديل واقعي”، وأضاف بأن محمود عباس في الواقع عيّن محمد مصطفى رئيساً للحكومة، الذي شكّل ما يظهر كأنها “حكومة خبراء”، ولكن منذ ذلك الحين، مر شهرين دون أن يظهر على الأرض أنها حكومة تنوي تحمل المسؤولية عن إدارة القطاع.
استضافت السعودية محمود عباس بداية الأسبوع في إطار المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي عقد بالرياض، والتقى مع ولي العهد محمد بن سلمان، لكن لم تخرج أي بشرى كبيرة من هذا اللقاء. التقارير عن احتمالية أن أمريكا والسعودية تفحصان المضي باتفاق حلف دفاع بينهما، حتى بدون التطبيع بين السعودية وإسرائيل، تدل على أن الرياض، مثلما في واشنطن، تجد صعوبة في تشخيص أي احتمالية بأن السلطة الفلسطينية وإسرائيل يمكنهما الاتفاق حول قضية اليوم التالي، فضلاً عن خطة للحل الدائم، الحل الذي سيمكن السعودية من عرضه كخطوة لا يمكن التراجع عنها من أجل إقامة الدولة الفلسطينية. “المشكلة أننا نشخص كيف أن سلوك محمود عباس يخدم نتنياهو بشكل جيد”، قالت الشخصية الأردنية. لكن في الوقت نفسه، بدون قصد، يخدم حماس أيضاً.
صحافي أردني يعمل في صحيفة رسمية، قال هذا الأسبوع لـ “هآرتس” بأنه في الوقت الذي يلعب فيه محمود عباس “بغضب” مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي رفض الالتقاء معه في هذا الأسبوع في رام الله عندما زار إسرائيل، رداً على الفيتو الذي وضعته واشنطن على القرار المقترح في مجلس الأمن- الاعتراف بالدولة الفلسطينية (رغم أنهما التقيا في الرياض)، استمر مسؤولون في حركة فتح في الالتقاء مع قادة في حماس، مرة في موسكو، وهذا الأسبوع في الصين.
“هذه اللقاءات تستهدف الإعداد لليوم التالي”، قال هذا الصحافي الذي يتابع التطورات في الساحة السياسية الفلسطينية منذ سنوات. “التي يطمح فيها أعداء محمود عباس إلى خلق قيادة فلسطينية بمشاركة حماس. عباس يعارض هذه الشراكة رغم تصريحاته لدعم المصالحة الفلسطينية، ولكنه لا يطرح أي بديل عملي يضمن استمرار حكم فتح الحصري. الوضع في هذه الأثناء هو أن الجميع ينتظرون ذهاب عباس ولا يفعلون ما يكفي لاستغلال الفترة التي لم يعد فيها قادراً على اتخاذ قرارات جوهرية لترسيخ مكانة السلطة في قطاع غزة.
وهنا يكمن خوف كبير للأردن، ويتوقع أنه بدون أي تقدم سريع في نقل السيطرة المدنية في غزة إلى يد السلطة الفلسطينية، وتليين مواقف قيادة حماس الخارج أمام مواقف فتح من أجل إقامة “م.ت.ف جديدة”، تكون شريكة رئيسية فيها. منظمة كهذه، التي ستحصل على الشرعية كممثلة حصرية للشعب الفلسطيني، ستلزم الدول العربية بالتعاون معها. “لن يكون للأردن في حينه أي خيار سوى الاعتراف بحماس والتعامل مع النتائج السياسية التي ستكون لمثل هذه الخطوة في داخل المملكة، وعلى سلوكها أمام إسرائيل”، لخص الصحافي الأردني أقواله.