إيقاف قنوات سعودية وإماراتية بالسودان
في توقيت حساس وفي خضم المعارك في عدة مدن بالسودان، أعلنت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، تعليق عمل قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز عربية
وعزت الوكالة القرار لعدم التزامها بالمهنية المطلوبة والشفافية وعدم تجديد تراخيصها.
وذكرت الوكالة أن القرار جاء استنادا على موجهات ومطلوبات المهنية والشفافية في العمل الإعلامي، ومصلحة المواطن السوداني وقيمه.
توقيت القرار كان ذروة لتوترات بين الإمارات والحكومة السودانية التي تتهم أبو ظبي بمساعدة قوات الدعم السريع.
ونددت نقابة الصحفيين السودانيين بالقرار الصادر عن وزارة الإعلام، قائلة؛ إنه يمثل خرقا واضحا لحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام وحرمة المؤسسات الصحفية والإعلامية.
وأضافت النقابة في بيان الثلاثاء أن إغلاق القنوات الفضائية والتضييق على المشتغلين بالمهنة، من شأنه إسكات صوت الإعلام المهني، كما يفتح الباب أمام تفشي الشائعات وخطاب الكراهية.
وأكدت “أن القرار يأتي استمرارا لحملات التضييق والحصار والإرهاب والتخويف المفروضة على الصحفيين والصحفيات، الذين ظلوا يعملون تحت ظروف شديدة التعقيد منذ اندلاع الحرب بالسودان في 15 نيسان/أبريل من العام الماضي”.
تقارير “ملفقة”
ويعود أصل الأزمة إلى تقارير بثتها قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، تتحدث عن وجود عناصر من تنظيم الدولة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.
ونشرت “سكاي نيوز عربية” تقريرا بعنوان تورط تنظيم داعش في الحرب الأهلية السودانية.
في المقابل، ردت وزارة الخارجية السودانية في بيان قالت فيه: “أعادت قناة سكاي نيوز عربية الإماراتية ليلة 29 آذار/مارس 2024 بث فيديو لقناة يورو نيوز عام 2016 حول هجوم تنظيم الشباب بالصومال على مطار مقديشو، وزعمت أنه لعناصر من داعش يقاتلون إلى جانب القوات المسلحة السودانية ضد المليشيا الإرهابية”.
وأضافت الوزارة: “لا يحتاج نهج القناة المذكورة في تغطية أخبار السودان، الذي يفتقد لأدنى أسس المهنية والموضوعية إلى بيان. غير أن الانحدار لدرك التزوير المكشوف أمر لا سابقة له، ولا بد من التوقف عنده”.
وبررت القناة يوم الاثنين، عرض التقرير مؤكدة أنها أجرت مراجعة له، غير أنها ذكرت في بيان لاحق، أن هناك خطأ مونتاج تمثل في استخدام لقطات فيديو أرشيفية، لا تتجاوز ثواني معدودة من تقرير بطول أربع دقائق عن تنظيم داعش جاءت في غير محلها.
وأكدت أن الخطأ غير المقصود لا يؤثر على الأساس الواقعي والصلب لتقريرنا.
بدورها قالت قناة الحدث السعودية؛ إنها لم تخطر أحدا بقرار وقفها عن العمل هي وقناة العربية في السودان.
وذكرت القناة: تفاجأنا برؤية قرار وقف قناتي الحدث والعربية على التلفزيون الرسمي.
مواقف منحازة
وتعرف قنوات “سكاي نيوز” و”العربية” و”الحدث” بتبني رؤية السعودية والإمارات بشكل مطلق من الأحداث في المنطقة، وبدا ذلك واضحا في السودان في التغطية التي تعاملت مع قوات الدعم السريع، على غير ما تروجه تلك القنوات من مواقف مضادة للمليشيات في جميع البلدان.
ويقول رئيس منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام إبراهيم ناصر؛ “إن هذه القنوات منذ بدء الأزمة السودانية أدّتت دورا أساسيا في ترسيخ صورة لدى الرأي العام السوداني والدولي والإقليمي، بأن الصراع بين قوتين متكافئتين، وكأن الدعم السريع لم تكن يوما تأتمر بأمر الجيش السوداني”.
وأضاف ناصر في حديث: حاولت هذه القنوات ترسيخ النظرة للدعم السريع على أنها جهة غير متمردة، وهذا أزعج قيادة الجيش السوداني والحكومة التي كانت تتريث بالتعامل مع هذه القنوات، خصوصا أنها تروج لمقاربات الدعم السريع ووجهة نظرها بصورة ملاحظة.
وأوضح: أن الحكومة قررت تعليق عمل هذه القنوات، باعتبار العلاقة مع الإمارات وصلت لحد القطيعة، ووصلت لمرحلة متقدمة من الخلاف.
وتابع: قناة الحدث استضافت والي غرب دارفور خميس أبو بكر، وبعد المداخلة، حددت قوات الدعم السريع موقعه واعتقلته واغتالته، مبينا أن تغطية هذه القنوات كانت متحيزة بشكل كبير للدعم السريع، ولا تتناول أبدا الجرائم التي ترتكبها هذه المليشيا.
الدور الإماراتي
وجهت الاتهامات للإمارات عدة مرات بتبني قوات الدعم السريع وإمدادها بالأسلحة، وكشفت تقارير غربية عديدة عن خط جوي إماراتي يصل إلى ليبيا ثم تشاد والنيجر، لمد تلك القوات بالأسلحة بوساطة قوات حفتر ومليشيا فاغنر الروسية المنتشرة في أفريقيا.
ويرى الباحث السياسي السوداني إبراهيم ناصر، “أن الإمارات تعتمد الإضرار بالأمن القومي السوداني من خلال أدواتها ومنصاتها الإعلامية، وأظهرت الجيش كتابع لجهة سياسية -الإسلاميين-“.
ويضيف: كان دور الإمارات سلبيا وتخريبيا في السودان، وهذه قناعة ترسخت بشكل لا يدع مجالا للشك داخل البلاد، وأن هذه المليشيا تأتمر بأمر الإمارات، وأن القوى السياسية التي ترضخ لإرادة أبو ظبي، هي من أوصلت البلاد لهذه المرحلة.
وأردف: هناك العديد من التقارير الأمنية والدولية عن دعم الإمارات لهذه المليشيا حتى هاجمت معسكرات الجيش بأسلحة إماراتية.
وأكد أن الإمارات قدمت الخدمات اللوجستية بسخاء للمليشيا، فضلا عن تجسير علاقات الدعم السريع مع الدول المحيطة، مثل تشاد وجنوب السودان وأوغندا، كل ذلك بهندسة إماراتية.
الدور السعودي
يرى ناصر أن السعودية تتخفى خلف الموقف الأمريكي بأنها تدعم خيار السلام والمفاوضات، لكن في واقع الأمر لم يرتق الموقف السعودي لطموح السودانيين، ولهذا كانت النظرة سلبية.
وأشار إلى أن الدور السعودي يمر بمأزق خطير، فالجيش السوداني الذي يوجد على الحد الجنوبي السعودي بمواجهة الحوثيين تتعامل الرياض معه بصورة خجولة، ولا تدعمه بشكل واضح، عكس ما كان متوقعا منها.
ازدواجية المواقف
كانت الإمارات والسعودية من أشد الدول حماسا لدعم الانقلاب في مصر، حيث روجت له إعلاميا، بالإضافة للدعم المادي الذي منع انهيار نظام السيسي بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها مصر نتيجة لسياساته.
وعلى النقيض، كان الدور السعودي والإماراتي من الجيش السوداني، في ازدواجية مواقف تدحض سرديات الاستقرار والرخاء التي يتذرع بها الإعلام السعودي والإماراتي للتدخل في بلدان الربيع العربي.
وعن ذلك يقول ناصر إن الازدواجية التي تتمتع بها المواقف الخليجية وخصوصا الإماراتية، تبدو واضحة في دعمها مثلا للجيش في مصر، ووقوفها ضد الجيش في السودان.
ووفقا لرأي ناصر فإن الإمارات موكل لها دور لضرب كل ركائز الدولة واللعب على التناقضات في الدول، ففي مصر رأت أن التعامل مع الجيش يخدم أجندتها، فخلقت شرخا بين قوى سياسية كبيرة والمؤسسة العسكرية، وهذا ما سيؤثر مستقلا على العلاقة بين الشعب والجيش في مصر.
وأضاف: أن الإمارات ترى أن الجيش يأتمر بأمر الإسلاميين، وهي ذات عداء كبير مع هذه التيارات، فترى الجيش السوداني من الإخوان والجيش المصري عكس ذلك.
وأشار إلى أن الأمر الأهم هو سعي الإمارات للسيطرة على مقدرات البلاد عن طريق الدعم السريع، وهذا ما لن تستطع الحصول عليه من الجيش.
وأكد أن الجيش السوداني لم يتماش مع خطط الإمارات لضرب الثورة السودانية، بينما قامت مليشيا الدعم السريع بهذا الدور، وهذا ما جعلها في موقف معاد للجيش بصورة صريحة.
قطيعة واضحة
والأسبوع الماضي قدمت بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد الإمارات؛ على خلفية دعمها لقوات الدعم السريع، وفق صحيفة “سودان تربيون”.
وبحسب الشكوى، فإن الإمارات ما زالت تواصل تقدم الدعم لقوات الدعم السريع، وأن ذلك يشمل عدوانا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، وتهديدا جديا للأمن والسلم الإقليمي والدولي.
وجاء في الشكوى: ظل السودان وشعبه وقواته المسلحة تتعرض منذ 15 نيسان/ أبريل 2023 وحتى اليوم، لحرب عدوان واسعة النطاق تم التخطيط الآثم والإعداد الخبيث لها من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، عبر مليشيا قوات الدعم السريع وغيرها من المليشيات المارقة المتحالفة معها، وفرق المرتزقة من تسع دول مختلفة، التي عملت تلك الدولة على حشدهم زرافات ووحدانا.
وأشارت الشكوى إلى أن تشاد، التي تجاور إقليم دارفور السوداني، طرف أيضا في العدوان على السودان بجانب الإمارات، حيث سمحت انجمينا بمرور السلاح والعتاد والمرتزقة عبر أراضيها، بجانب إخلاء جرحى الدعم السريع إلى مستشفى الشيخ زايد في أبوظبي.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت السلطات السودانية أن 15 من موظفي سفارة الإمارات أشخاص غير مرغوب فيهم، وأمرتهم بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة.
وكان مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، قد اتهم الإمارات بتوفير السلاح والدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع عبر تشاد وأفريقيا الوسطى المجاورتين لدارفور، كما اتهم دولا أفريقية بتجنيد مرتزقة والدفع بهم إلى السودان.
وأوضحت الشكوى السودانية أنه “في 15 نيسان/ أبريل 2023، نفّذت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائب رئيس مجلس السيادة حينها، هجوما واسع النطاق على أهداف سيادية واستراتيجية في الخرطوم، مستهدفة القضاء على رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وبقية أعضاء المجلس، ومن ثم استلام السلطة؛ تنفيذا لأجندة تدخل خارجية”.
وتابعت: عندما فشل الهجوم، تحوّلت المليشيا المتمردة إلى ارتكاب انتهاكات وفظائع بدعم غير محدود من الإمارات العربية المتحدة.
وطلبت بعثة السودان من مجلس الأمن الدولي اتخاذ ما يلزم لإجبار دولة الإمارات على التوقف الفوري عن تقديم الدعم والرعاية والإسناد للدعم السريع، موضحة أن السودان يحتفظ بحقه في الدفاع عن نفسه، وابتدار إجراءات التقاضي الدولي ضد الإمارات للتعويض وجبر الضرر عن الخسائر الناجمة من الحرب، التي تسببت فيها ما أسمتها، وتقديم المسؤولين عن ذلك للعدالة الدولية.
كما طلبت بعثة السودان بالأمم المتحدة من تشاد، التوقف عن السماح بتدفق الإمداد العسكري ومرور المقاتلين من المرتزقة عبر الأراضي التشادية.
وبحسب الصحيفة السودانية، فقد استعانت الخرطوم بصور أقمار صناعية توضح الإمداد اللوجستي عبر تشاد، فضلا عن تقارير صحفية نشرتها وسائل إعلام غربية.