في 1967 انتظر عبد الناصر رابين وفي 2024 ينتظر نتنياهو السنوار بعد 120 يوماً من حرب
إسرائيل في انتظار حماس” و” نتنياهو في انتظار السنوار”، قالت بعض عناوين الإعلام العبري، اليوم، بلهجة لا تخلو من السخرية، فبعد 120 يوماً من الحرب على غزة لم تتمكّن إسرائيل الدولة من حسم المعركة مع فصيل فلسطيني محاصر براً وبحراً وجواً، بعدما هزمت يوماً جيوشاً عربية في ست ساعات.
كان ذلك في 1967، عندما قال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، عشية الحرب، وخلال فترة الانتظار بعد إغلاق مضائق تيران، إنه ينتظر رابين، قائد الجيش الإسرائيلي وقتذاك.
في محاولة لرفع معنويات الإسرائيليين قبيل حرب 1967، كتبَ حاييم حيفر، فنان يهودي، أغنية قَلَبَ فيها العبارة: “رابين ينتظر عبد الناصر”، وهي أغنية تحمل مقولة إن الجانب الإسرائيلي لا يخاف الحرب، ولا يخشى الرئيس المصري. من وقتها جرت في النيل وفي وادي غزة مياهٌ كثيرة، وتجد إسرائيل نفسها اليوم تنتظر جواب قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار على الصفقة المقترحة من قبل الوسطاء.
تثير هذه الحالة مرارة وانتقادات لدى أوساط إسرائيلية مختلفة عبّرَ عنها الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، الذي قال للقناة 12 العبرية: حقيقة أننا ننتظر السنوار، لا العكس، تعني أن الضغط العسكري عليه لم يكن كافياً، أو أن تقارير الجيش عن نجاحاته مبالغ بها.
كما عبّرَ عنها معلق الشؤون العربية في القناة، المستشرق إيهود يعاري، الذي اختار التعليق على مسألة انتظار السنوار بالقول، نقلاً عن لسان مصدر حمساوي: لن نقبل صفقة لا توقف الحرب. إن شئتم فواصلوا تدمير ما تبقى من القطاع، وقتل المزيد من المدنيين، لكن هذا لن يمنحكم النصرَ علينا.
صفقة تدريجية
وحسب تسريبات إسرائيلية فإن الصفقة المقترحة هي من مخرجات قمة باريس، تدريجية وتشمل عدة مراحل، تبدأ بالإفراج عن 35 محتجزاً (مسنون ونساء ومرضى)، مقابل ستة أسابيع من الهدنة يتخلّلها انسحابٌ تدريجي من المدن المركزية داخل القطاع، ولاحقاً يتم الإفراج عن بقية المحتجزين، الجنود، وأخيراً الجثامين، مقابل إفراج عن عددٍ لم يحدد بعد من الأسرى.
وحسب تسريبات إسرائيلية، تخمّن السلطات الإسرائيلية أن جواب “حماس” سيأتي عبر قطر، لا مصر، وأن تأخّره هو نتيجة خلافات بين قيادات “حماس” في الداخل والخارج. وتزعم جهات إسرائيلية أن “حماس الخارج” تُبدي مواقف متصلبة أكثر، وتطالب بضمانات دولية بوقف القتال، وعدم استهداف قيادة “حماس”، فيما تقول جهات محلية أخرى إن هذا جزءٌ من تقاسُم الأدوار والحرب النفسية.
لكن إسرائيل الرسمية، حسب تسريبات الإذاعة العبرية، ترجّح أن يصل رد “حماس” خلال أيام مركّباً، على شكل نعم ولكن.
فيما تنتظر إسرائيل رد “حماس”، فإن معظم أعضاء حكومتها يعارض الصفقة المقترحة كاتفاق إطار، وهذا قبل الدخول في التفاصيل، وهذه أحياناً تعقّد الأمور أكثر، فأحياناً يكون فيها الشيطان لا الله.
معارضة وزراء كثر
وكشفت القناة 13 العبرية عن معارضة عدد كبير من الوزراء لاتفاق الإطار المقترح، ونشرت مقاطعَ مسربة من مداولات الحكومة في الأمس، فمنهم من يعارض الكمّ (عدد الأسرى الفلسطينيين)، ومنهم من يتحفظ من هوية الأسرى، أو يعارض الكيف (أسرى من الوزن الثقيل).
من جهته، قال الوزير نير بركات إنه يعارض فكرة الصفقة بالتدريج، ويدعو لاستعادة كل المخطوفين دفعة واحدة، معلّلا ذلك بالقول: “لا يوجد نصف حمل”، ويبدو أنه كجهات إسرائيلية رسمية وغير رسمية تخشى مفاعيل تدفق صور الأسرى الفلسطينيين، وهم يغادرون سجونهم يرفعون شارة انتصار، فمثل هذه الصورة المتكررة تضرب معنويات الإسرائيليين، ولها تبعات نفسية عميقة صعبة ترتبط بالثقة بالنفس وبالدولة اليهودية وبالغد.
كما يتحفظ بركات من طلب “حماس” بأن يكون يوم هدنة واحد (135 محتجزاً) مقابل كل مخطوف واحد، ويعتبرها معادلة غريبة الأطوار. وأيّده وزيرُ القضاء ياريف لافين، الذي قال إنه يوافق على قول بركات، وإنه ينبغي رفض هذا الطلب.
أما وزير التربية والتعليم يوآف كيش، وهو أيضاً من “الليكود” مثل بركات ولافين، فقد سجّل معارضته للصفقة، معلّلا ذلك بالقول متسائلاً: كيف سنحدّق بعيون عائلات الثكالى التي وعدناها بمواصلة القتال وعدم وقف الحرب.. وهذا يعني أيضاً إهمال بقية المخطوفين. علينا بصفقة دفعة واحدة”، وتبعته الوزيرة غيلا غاملئيل التي عبّرت عن رفضها للصفقة بالقول، حسب تسريبات القنوات الإسرائيلية: لا يوجد منطق بالموافقة على شروطهم. هذا لن ينتهي أبداً.
يضاف هؤلاء الوزراء المعارضون من “الليكود” لوزراء من أحزاب أخرى أكثر تشدّداً، أمثال سموتريتش وبن غفير، الذي هاجم الرئيس بايدن، أمس، واختار رئيس الحكومة نتنياهو الرد عليه بالتلميح، وبلطف فقط، بقول: “اتركوا لي العمل الدبلوماسي فلديّ خبرة بعض السنوات في المجال”. ليس هذا فحسب، بل قال نتنياهو، أمس، حسب التسريبات، إن إسرائيل تبذل جهوداً كبيرة لاستعادة المخطوفين، ولكن ليس بكل ثمن”، منبهاً إلى أن المجلس الوزاري المصغّر، لا مجلس الحرب، هو الذي سيقرر مصير وملامح الصفقة”، وهذه مقولة تعكس نواياه، فالمجلس الوزاري المصغر يرفض الصفقة، حسب التسريبات أعلاه، والتي قالها بعض الوزراء علانية في الأيام الأخيرة، وهذا يتكاتب مع ما قاله بعض المراقبين الإسرائيليين، يوم الجمعة الفائت، إن نتنياهو يتمنّى في سرّه أن يأتي رد “حماس” رافضاً للصفقة، كي يلقي بالكرة في ملعبها ويرتاح من الضغوط الخارجية والداخلية الدافعة نحو صفقة لا يريدها، لكونه معنياً بمواصلة الحرب لاعتبارات تتعلق ببقائه في الحكم.
ومن غير المستبعد أن تكون انتقادات بن غفير غير المسبوقة لرئيس أمريكي بالتنسيق مع نتنياهو، كي يبعث برسالة مضللة مفادها أنه راغب بصفقة، لكنه عاجز عنها لمعارضة واسعة داخل ائتلافه الحاكم.
وعلى خلفية صمت نتنياهو على بن غفير وتصريحاته المنددة ببايدن، والداعية للترانفسير، ترى صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها اليوم، أن الكاهانية ظاهرة خطيرة، وأنها الوجه البشع لإسرائيل مشدّدة على أن بن غفير ونتنياهو يشكلان خطراً على مستقبل إسرائيل، ينبغي التخلص منهما إذا كنّا مجتمعاً عنده شغف بالحياة، محذرة من أن استمرارهما في الحكم يعني استمرار تدهور إسرائيل وأن مكانتها الدولية ستتحطم.
واعتَبرَ محلل الشؤون الحزبية في الصحيفة يوسي فرطر أن تصريحات بن غفير تعكس ضعف نتنياهو الخائف، والذي اكتفى بالتلميح فقط وهو يرد على تهجّمه على بايدن الأكثر دعماً لإسرائيل في تاريخها.
حرب استنزاف
على خلفية كل ذلك، تؤكد صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، في عنوانها الرئيس، اليوم الإثنين: “طريق مسدود”، أن الفجوات كبيرة بين الطرفين، منوهة لتصميم “حماس” على وقف الحرب، ولرفض وزراء كثر للصفقة المقترحة.
وفي الأثناء، يواصل جيش الاحتلال إرسال رسائل بأشكال مختلفة غير مباشرة، مفادها أنه يخشى التورط في حرب استنزاف، ومن تبدد مكاسبه نتيجة عدم ترسيم ملامح اليوم التالي، وتحديد أهداف واقعية لبقية القتال، كما يرد على لسان معلقين عسكريين مقربين وجنرالات في الاحتياط.
ومما يثقل على الجيش عجزه عن اقتحام منطقة رفح لتكدّس مئات آلاف اللاجئين، ما يعني وجود جيب آمن وملاجئ إضافية للمقاومة، علاوة على محور فيلادلفيا، الذي يبدو أن مصر تعارض حتى الآن الاقتراب منه. وعلى خلفية ذلك، يقترح بعض المعلقين، أمثال المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع، افتعال أزمة كبيرة للخروج من المأزق، بقوله إن هذا الوقت لوقف الانجرار، داعياً لمباغتة حاسمة: تقليص المساعدات الإنسانية، وحشر الغزيين بالزاوية، وعندها جرّ العالم لدفع الصفقة العالقة للأمام. ويضيف: لحماس يوجد وقت.. وللمخطوفين لا يوجد، والسنوار يمارس حرباً نفسية.
رمضان كريم
كما تخشى المؤسسة الأمنية استمرار الحرب حتى الشهر القادم، تزامناً مع شهر رمضان، الذي ستستغلّه “حماس” لإشعال الضفة الغربية وغيرها، موصيةً بمحاولة امتصاص مسبق للغضب، من خلال السماح الآن بدخول 100 ألف عامل فلسطيني للعمل داخل أراضي 48، وهذا ما ترفضه أغلبية الوزراء حتى اليوم.
في التزامن أيضاً، تتزايد المطالبات الشعبية والصحفية بالعمل على إتمام صفقة تعيد المخطوفين، وينعكس ذلك في مقال لكيرن مندر، في “يديعوت أحرونوت” نشرته باسم والدها المخطوف، إذ تؤكد فيه واجب إسرائيل باستعادة المخطوفين الذين أهملتهم، وفشلت في حمايتهم وهم داخل غرف نومهم.