المانحون الغربيون يعاقبون منظمات حقوقية بسبب دعمها لغزة
قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن منظمات المجتمع المدني في العديد من دول الشرق الأوسط غاضبة بشدة بسبب فقدانها التمويل الأوروبي، بعد إدانتها للهجوم الإسرائيلي على غزة.
واستعرضت الصحيفة –في تقرير لمراسليها لور ستيفان في بيروت وكلوتيلد مرافكو بالقدس- قصة المحامية المصرية عزة سليمان، التي كانت تعتمد منذ حوالي 10 سنوات على الدعم الألماني، وعلمت أن ألمانيا ستسحب الأموال المخصصة لمشروع دعم النساء ضحايا الاتجار بالبشر منها.
وجاء ذلك بعد أن وقعت -مع أكثر من 200 منظمة عربية- على نص يدين “الإبادة الجماعية ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة” ويدعو إلى فرض عقوبات على إسرائيل، “دولة الاحتلال والفصل العنصري”.
وأثارت العقوبة غضبا شديدا داخل المجتمع المدني المصري الذي استنكر هذه الرقابة، وقالت المحامية “هل تريد السلطات الألمانية تأديبنا؟ علمونا ماذا يحق لنا أن نقول؟ إنها فضيحة”، إلا أن وزارة الخارجية الألمانية قالت إنها تصرفت بسبب “التصريحات العامة لمنظمة سيولا ومؤسستها عزة سليمان، التي تتعارض “مع خط برلين، بما في ذلك الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل”.
ويأتي هذا القرار ضمن إطار أوسع -حسب الصحيفة- منذ هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث قامت ألمانيا بمراجعة المشاريع الممولة “في المنطقة” بما “يتضمن إعادة تقييم للمواقف السياسية وإعلانات شركائنا، فيما يتعلق بهذه الهجمات، حسب ما جاء في رد الوزارة المكتوب”.
ورأت الصحيفة أن المدافعين العرب عن حقوق الإنسان يخاطرون بخسارة تمويلهم إذا لم يلتزموا بالخط السياسي لهذه الجهة المانحة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، في وقت يثير فيه الدعم غير المشروط الذي تقدمه واشنطن وأغلبية الزعماء الأوروبيين لإسرائيل السخط بالعالم العربي، في ضوء المذبحة التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين في غزة.
أوروبا تعيد النظر في شراكاتها
وترغب حكومات أوروبية أخرى بإعادة النظر في شراكاتها مع منظمات المجتمع المدني بالشرق الأوسط، خاصة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، بعد أن عمم الاتحاد الأوروبي بند “مكافحة التحريض” على الكراهية والعنف على جميع العقود الجديدة الموقعة مع الجهات الفاعلة الفلسطينية، بتضمين صيغة غامضة، من المرجح أن تستخدم لإجبار المستفيدين على إسكات عملهم المندد بالاحتلال الإسرائيلي.
ومن جانبها، تعتزم السويد مطالبة شركائها الفلسطينيين بإدانة حماس، كما أعلنت سويسرا إنهاء تعاونها مع 3 منظمات غير حكومية فلسطينية، معتبرة أن تصريحاتها بعد هجوم حماس لا تتفق مع قواعد السلوك الخاصة بها، ويقول مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المحامي راجي الصوراني “إنها مسألة تعود لدوافع سياسية”.
وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، نددت منظمة العفو الدولية ونحو 100 منظمة بهذا الضغط، الذي ينظر إليه في الشرق الأوسط كانعكاس للسياسات اليمينية في أوروبا، واعتبرت أنه عقبة أمام حرية التعبير والرأي.
ورأت لوموند أن الشروط المفروضة على المنظمات غير الحكومية تهدد بإضعاف المجتمعات المدنية التي تعتمد بشكل كبير على الأموال الغربية، في وقت يعني فيه التزامهم الصمت في مواجهة المذبحة الجارية في غزة فقدان مصداقيتهم في المنطقة.
ويقول وديع الأسمر، رئيس الشبكة الأورومتوسطية للحقوق إن النشطاء وقعوا في ورطة، ففي العالم العربي يتعرضون للانتقاد وكأنهم يعملون لصالح الغرب، وفي أوروبا تخضع مواقفهم للتدقيق، ويعد الصمت أو التنديد بقصف غزة دعما لحماس أو معاداة السامية.
ومن ناحيته، قال مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات محمد لطفي، إن سكان المنطقة يرون في حرب غزة دليلا على أن هناك استثناء فيما يتعلق باحترام القانون الدولي، “مما يسهل على حكوماتنا تشويه سمعتنا عندما نتحدث عن حقوق الإنسان”.
وتقول عزة سليمان إن كثيرين يتساءلون -وهم مصدومون- “هل كنا حقا في شراكة مع الجهات المانحة، أم في علاقة عمالة معهم؟!”.