الجيش الإسرائيلي يروي كيف قتل أسراه
كشف تحقيق لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قضية قتل 3 أسرى إسرائيليين في غزة من قبل جنوده بالخطأ أن القتلى كانوا يلوّحون بالرايات البيضاء وأن أحدهم كان يستنجد باللغة العبرية قائلا “أنقذونا”.
ورغم ذلك، أطلقت القوة النار عليهم خلافا للتعليمات بإطلاق النار خوفا.
ووفقا للإعلام العبري فقد تم إطلاع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي على تلك النتائج الأولية خلال زيارته لقيادة المنطقة الجنوبية أمس الجمعة، ويعتقد بإمكانية الانتهاء من التحقيق اليوم السبت.
وكان المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري قد ذكر أمس الجمعة أنه “خلال القتال في (حي) الشجاعية، حدد الجيش عن طريق الخطأ 3 أسرى إسرائيليين على أنهم يشكلون تهديدا، نتيجة لذلك، قامت القوات بإطلاق النار عليهم وقتلوا”، معربا عن “الندم العميق على الحادث المأساوي”.
الشجاعية.. دقائق الرعب
وقعت الحادثة في حي الشجاعية الذي شهد قبل أيام مقتل قائد الكتيبة الـ13 في لواء غولاني وعدد من الجنود وإصابة قائد الكتيبة الـ12، ويعتبر الاحتلال الشجاعية من مناطق القتال الصعبة والمعقدة.
ووفقا لجيش الاحتلال فقد تم قتل يوتام حاييم وألون شمريز وسامر الطلالقة، وجميعهم في العشرينيات من العمر.
قبل يومين من الحادثة، عثرت قوات الاحتلال على مبنى تم كتابة “أنقذوا 3 رهائن SOS” باللغة العبرية على بعد مئات الأمتار من مكان الحادث. وفقا لما أوردته الصحافة الإسرائيلية.
وكانت المنطقة قد شهدت قتالا عنيفا بين المقاومة وقوات الاحتلال الأسبوع الماضي، وكان عدد من المقاومين يرتدون لباسا مدنيا.
غادر المختطفون الثلاثة مبنى يبعد عشرات الأمتار عن المبنى الذي توجد فيه قوة من جيش الاحتلال. عندها شاهدهم جندي وهم يخرجون من المبنى دون قمصان ويحملون عصا بقطعة قماش بيضاء (علم أبيض، وفقا لتعليمات إطلاق النار يمنع إطلاق النار على الشخص الذي يحمله).
اعتبر الجندي أن المختطفين الثلاثة يشكلون تهديدا، وصاح برفاقه “إرهابيون” وبدء بإطلاق النار تجاههم. وفقا للإعلام العبري، قتل اثنان على الفور وفر الثالث مصابا إلى داخل المبنى الذي خرج منه ورفاقه مرة أخرى.
توقف إطلاق النار وبدأ الرهينة المصاب بالصراخ من داخل مخبئه “أنقذوني.. أنقذوني” باللغة العبرية.
ما إن سمع صراخ الثالث حتى أعطى القائد العسكري وهو برتبة رائد الأوامر بوقف إطلاق النار، خرج الأسير الجريح مطمئنا من المبنى فعاجله جندي بإطلاق النار عليه وأرداه قتيلا مخالفا بذلك أوامر القائد الميداني.
بعد قتل “الرهائن” كانت الشكوك تراود جنود الاحتلال بشأن هوية القتلى فتم نقلهم لإسرائيل وبعد فحص الجثث تبين أنهم أسرى لدى المقاومة في غزة.
محاولة للتدارك
في تداعيات ذلك الحادث الذي شغل الإعلام الإسرائيلي منذ الكشف عنه قالت مراسلة الجزيرة نجوان سمري إن هناك تعليمات أرسلت لقوات الاحتلال الموجودة داخل قطاع غزة لتوخي الحذر وعدم تكرار هذا السيناريو مجددا، كما تم إرسال رسائل للجنود بأن الجيش يعمل على استخلاص العبر مما وقع.
وأشارت إلى أن جيش الاحتلال يسعى لتلافي تأثير تلك العملية على حالة الجنود النفسية وسير العمليات العسكرية في غزة.
وكشفت المراسلة أن هناك محاولة لتبرئة الجنود الذين قتلوا الأسرى من قبل الجيش.
ووفقا للإعلام الإسرائيلي فقد تم توزيع ورقة على جنود الاحتلال تتضمن تعليمات جديدة يجب وضعها في الاعتبار عند وقوع حوادث مشابهة، منها أن هناك إمكانية أن يكون الأسرى قد تم التخلي عنهم أو هربوا، كما يجب أن يكون الجنود على الانتباه إلى بعض المؤشرات في حالة وقوع حادث مشابه مثل التحدث باللغة العبرية، ورفع الأيدي والملابس.
وشددت التعليمات الجديدة على وجوب إعلام ضابط كبير بالوضع بالميدان لاتخاذ القرار المناسب.
تشكيك بالرواية
في إطار عدم الكشف بشكل دقيق عما جرى في الشجاعية شكك العقيد الركن والخبير العسكري حاتم كريم الفلاحي في تصريحات للجزيرة بالرواية الإسرائيلية، مشيرا إلى أن فيها العديد من الثغرات وعلامات الاستفهام.
وأشار الفلاحي لكيفية وجود أسرى غير “مقيدي الأيدي على الأقل”، كما تساءل “من أين حصلوا على الأعلام”، “وكيف لأسرى أن يتجولوا بحرية”.
وقال إن القتلى “قد يكونون من قطاعات أخرى توغلت بالمناطق ولم يكونوا أسرى” حسب قوله.
وتوقع الخبير العسكري أن هناك رواية مختلفة لدى كتائب عز الدين القسام وأنها قد توضح الأمر وكيفية وقوع الحادث.
وأوضح الفلاحي أن هذا الحادث له ما بعده وقد يكون مخرجا للحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب وبدء عملية التفاوض لإطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة.
ردود فعل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصف قتل الأسرى الثلاثة بالـ”مأساة فوق الاحتمال”، وتعهد بمواصلة الجهد لإعادة جميع المحتجزين إلى بيوتهم سالمين.
وقال في منصة إكس “في هذا الوقت العصيب، قلبي وعقلي مع عائلات القتلى الثلاثة وهذه ساعات صعبة، والخطأ مؤلم لكل إسرائيلي، بغض النظر عمن يكون، يجب علينا التحلي بالصبر، ومواصلة العمل من أجل مختطفينا وجنودنا ومواطنينا”.
في حين أكد المتحدث باسم الجيش جوناثان كونريكوس أن استعادة الأسرى عسكريا تحدٍّ هائل ومهمة صعبة للغاية، مضيفا أنهم ملتزمون باستعادتهم من خلال عمليات تكتيكية تعرّض جنوده للخطر، وقال إنه من الجيد أن يُستعادوا عبر الوسائل الدبلوماسية.
كما تظاهرت عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة قبالة مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، ورفع المحتجون شعارات تطالب بمنح الأولوية لإعادة المحتجزين (يعتقد أن عددهم 129 محتجزا) أحياء على الفور في صفقة تبادل وبأي ثمن.
وقالت ميراف سفيرسكي شقيقة إيتاي سفيرسكي الذي تحتجزه حماس “أنا أموت من الخوف”، مضيفة “نطالب بالتوصل إلى اتفاق الآن”.
وفي هذا السياق، قال المختص بالشؤون الإسرائيلية نهاد أبو غوش للجزيرة إن هذه الحادثة قد تكون بداية تفكك الاجماع الإسرائيلي على العدوان على قطاع غزة، خاصة في ظل إهمال قضية الأسرى لدى المقاومة.
كما أوضح أن في ضوء هذه الحادثة والخسائر في صفوف جيش الاحتلال بدأت تظهر أصوات تقول “من أجل ماذا يقتل هؤلاء الأبناء؟!”، في إشارة إلى قتلى الاحتلال في غزة. خاصة أن قوة حماس لم تتأثر بعد 70 يوما من العدوان على قطاع غزة.
وكانت كتائب القسام وسرايا القدس أعلنتا، في وقت سابق، مقتل عدد من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديهما جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.