خليفة حفتر الابن الروحي للقذافي متّهم بكارثة درنة
نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريراً أعده ماثيو كامبل قال فيه إن أمير الحرب الليبي خليفة حفتر يحمل مسؤولية كارثة الفيضان الذي تسبَّبَ به إعصار دانيال، قبل أسبوع.
وفي تقرير حمل عنوان “الابن الروحي للقذافي: تحميل الجنرال مسؤولية كارثة الفيضان”، جاء أن حفتر صعد من مرشح عسكري إلى مقرّب، ثم حاول الانقلاب على سيّده، قبل أن تقوم “سي آي إيه” بإجلائه جوا، ليعود قبل مقتل الزعيم الليبي، ويقدم نفسه كمنقذ للأمة، واليوم توجه أصابع الاتهام له بعد الكارثة.
وجاء في التقرير: عندما انحسرت المياه، كانت البطانيات والأغطية مصفوفة جنباً إلى جنب، وفيها أطفال ونساء ورجال. درنة تدفن موتاها، حيث يتحول الظلم إلى غضب بين الأحياء. والسؤال: لماذا تركت البلدة عرضة للكارثة التي توقّعها البعض؟.
الغضب متركز على المارشال، الذي منح نفسه الرتبة، خليفة حفتر وأبنائه، والذين يسيطرون على شرق ليبيا، حيث انهار سدّان متداعيان، وتسبّبا بفيضان جَرَفا معظم درنة في البحر. وبحسب جمعية الهلال الأحمر الليبية، فقد قتلت كارثة يوم الإثنين حوالي 11.300 شخصاً في درنة، وهناك 10.000 في عداد المفقودين.
وتقول فيرجيني كولومبير، من جامعة لويس غويدو كارلي بروما، ومحرّرة كتاب “العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا”: جماعة حفتر تصفها بالكارثة الطبيعية، ولكن الرأي العام يعرف الأفراد المسؤولين. وتم تخصيص ميزانيات كبيرة للإصلاح والصيانة، لكن لم يعمل شيء.
وقال أنس القماطي، من معهد الصادق في طرابلس: فشلوا في صيانة السدّين”، و”يجب التحقيق مع المسؤولين لإهمالهم الإجرامي والفساد.
وتعلق الصحيفة بأن حفتر (79 عاماً) هو مواطن أمريكي، ولديه شهية للمغامرات العسكرية، ولا اهتمام لديه بتفاصيل الحكم. وتركيزه على طموح واحد؛ ملء الفراغ الذي تركه الحاكم السابق لليبيا، معمر القذافي، الذي قُتل في 2011 بعد تدخل الناتو في الحرب الأهلية.
وتعلق بأن محاولة الرجل العسكري القوي للسيطرة على السلطة باتت تشبه لعبة بوكر. حصل أولاً على دعم من الفرنسيين والأمريكيين، ثم من مصر والإمارات العربية والسعودية وروسيا، التي كانت تحاول الاستفادة من البلد الواقع على الطرف الجنوبي للناتو، وبدا وكأنه يملك كل أوراق لعبة الشدة (الأص أو الآكة).
وبعد أعوام على “الحرب الأهلية” والفوضى، لم يسيطر إلا على الجزء الشرقي من ليبيا، في وقت أدارت فيه الحكومة المعترف بها دولياً مناطق الغرب. واقتربت قوات حفتر من السيطرة على العاصمة طرابلس عام 2020، عندما أُجبر على انسحاب مهين، حيث قرر المرتزقة التابعون لجماعة فاغنر الروسية ترك خطوط القتال، بعد تدخل تركيا، التي زادت من الرهانات بعد انضمامها للقتال على الجانب الآخر.
وربما ظهر أن الفيضان هو إخفاقه الأعظم. ويقول أوليفر كراولي، المدير المشارك في “ليبيا ديسك”، وهي مجموعة تحليل مخاطر: “علينا ألا نتوقع دوام صبر الناس مع الطبقة السياسية”. وقال تيم إيتون، من تشاتام هاوس في لندن: “بدأت أسمع دعوات لتحقيقات دولية بشأن ما حدث”، و”يقال إن قوات حفتر عارضت عمليات الإجلاء عن المدينة، والناس يبحثون عن شخص لتحميله المسؤولية”. وأضاف أن “زي حفتر العسكري مزيّن بكل الرتب، لكن سجله العسكري أبعد ما يكون عن كونه مجيداً”، وعندما يتعلق الأمر بالجانب القتالي، فلم يكن جيداً.
وبدأ بداية واعدة كمرشح في الجيش، عام 1969، عندما شارك في انقلاب القذافي ضد الملكية، وانتهى إلى واحد من أهم ضباط الديكتاتور. وقال القذافي لصحافي عن حفتر “هو ابني”، وأنا مثل والده الروحي.
إلا أن الأمور بدأت تتدهور بالنسبة له، وبخاصة عندما عيّنه القذافي قائداً للقوات الليبية في تشاد، أثناء ما عرف بـ “حرب تويوتا” 1987، عندما خاض البلدان حرباً للسيطرة على منطقة حدودية إستراتيجية. وأطلق الاسم بسبب سيارات لاند كروزر التي استخدمها التشاديون وسيطروا على قاعدة حفتر، حيث أسروه و400 من جنوده. وغضبَ عندما تخلّى عنه القذافي. وانتقاماً منه، قرر حفتر القيام بانقلاب من تشاد ضد الزعيم. وكان الرئيس الأمريكي رونالد ريغان قد وصفَ القذافي “بالكلب المجنون في الشرق الأوسط”، وأقرّ خطة سرية لدعم المنشقين.
وبدعم من “سي آي إيه”، أنشأ حفتر الجيش الوطني للإنقاذ في تشاد، وخطّطَ لغزو ليبيا، إلا أن البعض حذر القذافي، وكان الديكتاتور في خطوة متقدمة عن حفتر، وقام بترتيب عملية انقلاب مضاد في تشاد، ودمّر النظام المعارض في انجامينا، وحل الانقلابيون جيش حفتر. ونظمت المخابرات الأمريكية عملية إجلاء جوي لحفتر و350 من رجاله، حيث نقلوا إلى زائير أو جمهورية الكونغو الديمقراطية. ومنح حفتر الجنسية الأمريكية، واستقر في لانغلي بفرجينيا، قريباً من مقرات “سي آي إيه”. ولا يعرف إلا القليل عن نشاطاته وخدماته لـ “السي آي إيه” في أمريكا، وبحسب مصدر استخباراتي “بعد تشاد وافقوا [سي آي إيه] على العناية به والعثور على بيت له ولعائلته”، ولم يعد رصيداً ثميناً، وكان هناك قدر من التشكك حوله.
وبعد عقدين في أمريكا، قرر، عام 2011، العودة الى ليبيا حيث انتشرت الانتفاضة ضد القذافي، لكنه لم يحصل على دعم من الحكومة المؤقتة لقيادة الجيش ضد النظام السابق، وقرر العودة إلى فيرجينيا قائلاً إنه سيخصص وقته للعناية بأحفاده. ومع انهيار الوضع في البلاد إلى الفوضى والولاءات الميليشياوية والقبلية، أعلن حفتر، في شريط فيديو، عن انقلاب عسكري ضد الحكومة المركزية، وصرح فيه بشأن عدم قدرتها على مواجهة الإسلاميين وجماعاتهم التي ظهرت بعد موت القذافي.
وتمت السخرية منه لأنه لم يكن في ليبيا عندما أعلن عن الانقلاب. ولم يمنعه هذا من تقديم نفسه على أنه المنقذ للوطن، وعين نفسه قائداً للجيش الوطني الليبي من أجل مواجهة أنصار الشريعة، المتهمة بتنفيذ الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي.
وقال بيتر ميليت، السفير البريطاني في ليبيا ما بين 2015- 2018: “لقد صنع نفسه كأمير حرب مهم، وبدعم دولي”، والتقى ميليت حفتر عدة مرات خلال عمله في ليبيا، وشجعه على تبني مسار سياسي لا عسكري.
وبعد معركة طويلة في بنغازي، حاصر حفتر درنة، في عام 2018، واتهمه القماطي بارتكاب جرائم حرب: لقد خنق المدينة لعام ونصف، وتركها بدون طعام، وعرّضها لقصف وحشي.
وظل السخط يحوم في المدينة، التي كان يعيش فيها 90.000 نسمة قبل الكارثة، وعامل البلدة بشكل حذر. وقيل إن واحداً من أبنائه أمر بإغلاقها عندما بدا أن إعصار دانيال قادم. وزاد السخط عندما كشف عن لقاء عقد لمناقشة الفيضان قبل خمسة أيام من الكارثة. وتحدث الخبراء عن إهمال بصيانة الجسر ومخاطر الكارثة.
ونَشَرَ شاعرٌ، حضرَ اللقاء في بيت الثقافة بدرنة، قصيدة على صفحته في فيسبوك، قارنَ فيها المطر بناقوس الخطر، ومات في الفيضان.
وتساءلت الصحيفة عن قدرة حفتر على منع الغضب الشعب بعد فشله بمنع الفيضان؟
ففي مرحلة أفول مسيرته السياسية، يبدو أنه يحضّر واحداً من أولاده الخمسة، صدام لكي يخلفه، وعيّنه قائداً للميليشيا المتهمة بجرائم وانتهاكات فظيعة، وسرقة 750 مليون دولار من خزينة مصرف في بنغازي، عام 2017.
ويبدو أن ابنه الأكبر الصديق متورط في تدخل العائلة بالسودان. وظهر، بداية العام، في العاصمة الخرطوم، إلى جانب محمد حمدان دقلو، حميدتي قائد قوات الدعم السريع، والذي يحصل على دعم من فاغنر.
ورغم صلات حفتر مع أمريكا، إلا أن واشنطن أبعدت نفسها عنه، خشية أن تعطي إشارات مشوشة بشأن دعمها للحكومة المعترف بها دولياً. لكن هذا لم يمنع مدير المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز من زيارة نادرة لليبيا، حيث اجتمع مع رئيس وزراء حكومة الغرب عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، قبل طيرانه إلى بنغازي للقاء حفتر. ولم يكشف عما دار بينهما.