ثلاثة سنوات على انفجار مرفأ بيروت.. وعدالة معطّلة
يحيي لبنان الجمعة الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت المروّع، أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، في وقت يجد فيه أهالي الضحايا أنفسهم أمام عدالة معطلة جراء تعليق التحقيق بفعل تدخلات قضائية وسياسية.
وفي الرابع من أغسطس/آب 2020، عند الساعة السادسة وسبع دقائق، دوّى انفجار ضخم في بيروت، حصد أكثر من 220 قتيلاً وتسبّب بإصابة أكثر من 6500 شخص بجروح، إضافة إلى دمار واسع في المرفأ وعدد من أحياء العاصمة.
ودعت جمعية أهالي ضحايا انفجار بيروت، أبرز المجموعات الممثلة لعائلات الضحايا، اللبنانيين إلى المشاركة في مسيرة بعنوان “العدالة رغماً عنهم، من أجل العدالة والمحاسبة… مستمرون” وإلى ارتداء اللون الأسود.
وتنطلق المسيرة عند الرابعة (13:00 ت.غ) عصراً من أمام مقر فوج إطفاء بيروت في الكرنتينا وصولاً إلى المرفأ عند الخامسة والنصف بعد الظهر.
ومنذ اليوم الأول، عزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً.
قيد المتابعة
وإثر الانفجار، عيّنت السلطات القاضي فادي صوان محققاً عدلياً، لكن سرعان ما جرت تنحيته في فبراير/شباط 2021 إثر ادعائه على رئيس الحكومة حينها حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بتهمة “الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة” وجرح مئات الأشخاص.
واصطدم خلفه القاضي طارق بيطار بالعراقيل ذاتها مع إعلان عزمه استجواب دياب، تزامناً مع إطلاقه مسار الادّعاء على عدد من الوزراء السابقين، بينهم نواب، وعلى مسؤولين أمنيين وعسكريين.
وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن النواب المذكورين، ورفضت وزارة الداخلية منحه إذناً لاستجواب قادة أمنيين ورفضت قوى الأمن كذلك تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها.
وغرق التحقيق بعدها في متاهات السياسة ثم في فوضى قضائية بعدما حاصرت بيطار عشرات الدعاوى لكف يده، تقدم بأغلبيتها مسؤولون مُدّعى عليهم.
وخلال عامين ونصف العام، تمكّن بيطار من العمل رسمياً لقرابة ستة أشهر فقط، تعرّض خلالها إلى ضغوط أنذرت بأزمة غير مسبوقة في الجسم القضائي، وخصوصاً بعدما أحبط مدعي عام التمييز غسان عويدات محاولته استئناف التحقيقات مطلع العام الحالي.
وكان بيطار استأنف تحقيقاته في 23 يناير/كانون الثاني 2023 بعد 13 شهراً من تعليقها، وقرّر الادّعاء على 8 أشخاص جدد بينهم عويدات، وحدّد مواعيد لاستجواب 13 شخصاً مدعى عليهم.
لكن عويدات تصدى له بالادعاء عليه بـ”التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”، وأصدر منع سفر في حقه، وأطلق سراح جميع الموقوفين.
إزاء ذلك، تراجع بيطار عن المضي بقراراته.
وقال مصدر قانوني مواكب للملف لوكالة الصحافة الفرنسية، من دون الكشف عن هويته، إن ملف التحقيق “قيد المتابعة” من بيطار، رغم الدعاوى التي تلاحقه وتعلّق عمله رسمياً.
وأوضح أن رغم غيابه عن أروقة قصر العدل، يُصر بيطار على استكمال مهمته حتى إصدار قراره الظني كما وعد عائلات الضحايا التي تعقد آمالها عليه من أجل بلوغ العدالة.
عرقلة بوقاحة
واصطدمت مطالبة أهالي الضحايا الذين تظاهروا مراراً، بتحقيق دولي، برفض رسمي في لبنان.
وجدّدت منظمات، بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، وعائلات ضحايا في بيان الخميس مطالبتها الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدعم إنشاء بعثة دولية مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق.
وشدد الباحث اللبناني لدى هيومن رايتس ووتش رمزي قيس على أن “ثمة حاجة إلى تحرك دولي لكسر ثقافة الإفلات من العقاب في لبنان”.
وقالت نائبة المديرة الإقليمية في العفو الدولية آية مجذوب “استخدمت السلطات كل السبل التي في متناولها لتقويض التحقيق المحلي وعرقلته بوقاحة لحماية نفسها من المسؤولية”.