علاقة اليهود بالإنجليز وحقيقة الناتو

لا يمكننا فهم واقعنا الحالي ولا فهم ما نحن عليه دون إدراك دور اليهود والإنجليز في بناء التاريخ الحديث جيدًا، كما لا يمكننا إعداد خطط دقيقة طويلة الأمد حول مستقبلنا دون فهم ذلك.

 

ترجع نشأة الرأسمالية إلى الإنجليز ولكن بدون النظر إلى دور اليهود وتأثيرهم فيها لا يمكن فهم نشأتها جيدًا ولا ما يمكن أن تؤول إليه.

 

فلا يمكن إنكار دور أغنياء اليهود في إيجاد مبادئ احتكار رأس المال والاقتصاد النقدي والتمويلي ومساهمة هذه المبادئ بولادة الرأسمالية في المدن الإيطالية في القرن الرابع عشر.

 

وكانت تجارة البحار التي استولى عليها الإنجليز في عصر الاستكشاف والاحتلال هي السبب في جعلهم مؤسسي الرأسمالية.

 

ولكن لماذا أصبح الإنجليز هم المؤسسين للرأسمالية رغم أن تجارة البحار والاستعمار كانا بأيدي الإسبان والهولنديين والبرتغاليين؟

 

والإجابة عن هذا السؤال هي أنهم عرفوا كيف يتعاونون -ويتنافسون- مع اليهود كما قاموا بإيجاد مبادئ رأس المال والاقتصاد المالي وأحسنوا استخدامها وطوروا نظامًا اقتصاديًا يمكّنهم من كسب المال من المال وقد تأسس تحالف يهودي إنجليزي -أو يهودي أسكتلندي بالأصح- أثناء تأسيس الرأسمالية ولكن اليهود الذين استقروا في أمريكا في الحربين العالميتين وبدؤوا بالاستيلاء على الحكم فيها وحققوا أرباحًا كبيرة من تكنولوجيا الحرب بدؤوا مرحلة طرد الأوروبيين -وخاصة الإنجليز- الذين أسسوا أمريكا.

 

ولنتفق على بعض الأمور من البداية مثل أنه هناك وجهان لأمريكا…

 

“أمريكا واسب” وهي التي أسسها المستعمرون الأوروبيون الذين غزوا أمريكا وأسسوا الولايات المتحدة الأمريكية، وكلمة “واسب” تعني الرجل الأبيض الأنجلو ساكسوني والبروتستانتي، والممثل الرئيسي لـ “واسب” هم الإنجليز كما يضم الفرنسيين والهولنديين والألمان، ومن الحقائق غير المعروفة على نطاق واسع أن الألمان هم المجموعة العرقية الأوروبية ذات الكثافة السكانية الأعلى والمساهمة الفكرية الأكبر في الولايات المتحدة.

 

كما يجب علينا ألا ننسى أن المقصود من كلمة “الإنجليز” هم الإسكتلنديون والأيرلنديون.

 

لقد أسس “واسب” الولايات المتحدة الأمريكية بعد قتل جميع السكان الأصليين تقريبًا واستغلالهم بأبشع الطرق ونهب مواردهم الطبيعية ثم قاموا بعد ذلك بإطلاق شعارات “أمريكا أرض الحرية” الكاذبة للتغطية على جرائم القتل والإبادة الجماعية التي ارتكبوها، باختصار لقد كان تأسيس أمريكا نتيجة هجوم إمبريالي قائم على الإبادة العرقية والثقافية والطبيعية، والعقلية الإمبريالية لم تختفِ من أمريكا بعد وإنما أُلبست غطاء آخر.

 

“أمريكا اليهود” وهي ما عليه اليوم أمريكا من سيطرة اليهود عليها بشكل كامل ويمكن اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية دولة يهودية حيث تسيطر القوة اليهودية على كل شيء فيها على شؤونها المالية والأكاديمية ووسائل الإعلام والثقافة الشعبية و”وادي السيليكون” وصناعة الأسلحة ووكالة المخابرات المركزية، ويمكن القول إنه للمرة الأولى في التاريخ منذ النفي البابلي يصبح اليهود أقوياء لهذه الدرجة حيث استطاعوا بعد هاتين الحربين العالميتين المروعتين الاستيلاء على أعظم قوة في العالم والتحكم بها.

 

صحيح أن إسرائيل هي الدولة اليهودية لكن اليهود الحقيقيين والقوة اليهودية التي تحكم العالم وتهيمن على العلوم والتكنولوجيا والفن والحياة الفكرية والاقتصاد العالمي موجودة في أمريكا.

 

أما دولة إسرائيل فهي بمثابة هدية أو رشوة فقط مقدمة من الإنجليز لليهود كانت تهدف إلى إبقاء اليهود وقوتهم الاقتصادية المتنامية باستمرار تحت السيطرة والقضاء على الدولة العثمانية وخلق عدو كبير للعالم الإسلامي يمنعه من التوحد والانتفاض مرة أخرى لقرون.

 

والحقيقة المحزنة هي أن الإنجليز كانوا السبب في إيجاد دولة إسرائيل بينما كنا نحن السبب في إنشائها إذ كان يستحيل إنشاء دولة إسرائيل مع وجود الدولة العثمانية فاتحد كل من الإنجليز واليهود وعملوا على إضعاف الدولة العثمانية من الداخل والخارج لإسقاطها.

 

وقد تم لهم ذلك فبعد انهيار الدولة العثمانية التي كانت تشكل حاجزًا كبيرًا تم إنشاء دولة إسرائيل بمكر الإنجليز الذين بدؤوا بجلب اليهود من كل مكان وإسكانهم هناك لزيادة الوجود اليهودي في تلك المنطقة حتى إذا ما وصل عدد السكان اليهود إلى مستوى من شأنه أن يسمح بإقامة دولة يهودية أُعلن عن تأسيس إسرائيل بصفتها دولة يهودية.

 

وقد أطلت الحديث عن إنشاء دولة إسرائيل لفهم المنطق اليهودي وبعض نقاطه الغامضة وللتنبيه على عدم تحديد القوة اليهودية بدولة إسرائيل فقط وأن أمريكا في الحقيقة مستعمرة يهودية، وباختصار يمكن القول إنه ليس هناك مفهوم للوطن عند اليهود فوطنهم ودينهم وإيمانهم هو المال فحيث يكون المال يكون الوطن بالنسبة لليهود، لهذا تتمركز القوة اليهودية في أمريكا الآن وتتمدد للسيطرة تدريجياً على الصين والهند وأوربا.

 

ولم يعد هناك تأثير أو قوة لأوروبا، فقد انتهى دورها بوصفها قوة مؤثرة إذ لا تتمتع اليوم أي دولة أوربية بالاستقلال التام، أما عن الناتو الذي يعني “تحالف” شمال الأطلسي فهو في الحقيقة تحالف العقل الإنجليزي مع القوة اليهودية.

 

والسؤال الذي يجب طرحه أخيرًا هو ما علاقة تركيا بالناتو وما هو موقفها منه؟ والجواب على هذا السؤال سيكون موضوع مقال منفصل.

 

يوسف قابلان – كاتب تركي – صحيفة يني شفق