جريمة قتل شاب بمرسي مطروح على يد ضابط شرطة مصري تفجر غضبا
كشفت واقعة قتل ضابط شرطة لأحد أبناء قبائل المنطقة الغربية في مصر، عن تفاقم الغضب من التعامل الأمني العنيف مع المواطنين من قبل أجهزة نظام الانقلاب، لا سيما أن الواقعة تأتي بعد أيام من دهس ضابط جيش بشكل عمدي لسيدة وأسرتها.
وتتواصل مقاطع الفيديو المصورة المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تصف حالة الغليان بين أهالي منطقة “سيدي براني” التابعة لمحافظة مرسى مطروح على الحدود الغربية لمصر، على إثر قتل ضابط شرطة لشاب ثلاثيني من قبيلة المحافيظ، إحدى قبائل مطروح.
وبحسب الباحث بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات الحقوقي نور خليل، فإن أحد ضباط شرطة قسم سيدي براني، قتل ظهر الثلاثاء الماضي، المواطن حفيظ حويا، الشهير بفرحات أبو الشاردة المحفوظي، بعدما أطلق عليه 3 أعيرة نارية، وسط تجمع من الأهالي.
خليل، نشر تفاصيل الجريمة عبر “فيسبوك”، و”تويتر”، مبينا أن مشادة وقعت بين الضابط والمواطن فرحات المحفوظي من قبيلة “المحافيظ”، التي تعد جزءا من قبيلة “أولاد علي”، وأن الظابط أخرج سلاحه “الميري” وضرب المواطن 3 رصاصات فقتله.
الأهالي الذين تغلب عليهم الصبغة القبلية، تجمعوا أمام قسم شرطة المدينة، فيما قتل أمين شرطة من قوة شرطة المدينة بعدما صدمته سيارة أحد الغاضبين، كما جرى قطع الطريق الرئيسي بين مرسى مطروح والسلوم، لولا تدخل قوات الجيش صاحبة الارتباط القديم بمشايخ عائلات المنطقة، فيما تم نقل الضابط لقاعدة عسكرية، بحسب نشطاء.
خليل، أكد أن هذا الضابط ضمن الذين ارتكبوا انتهاكات بحق أهالي المنطقة الشهور الماضية منها (الاختفاء القسري، والاعتقال بدون أمر قضائي، والاحتجاز بشكل غير قانوني، والتعذيب، والاعتداء على أهالي المسجونين في الزيارات، وسرقة ممتلكات الموقوفين)، مشيرا لوجود عشرات الشكاوي بدون تحقيق.
ابن عم القتيل عبد الغني المحفوظي، قال لموقع “المنصة”، إن فرحات يعمل تاجر سيارات، وفوجئ أثناء جلوسه أمام معرضه بمدينة براني بصحبة أصدقائه، مساء الثلاثاء، بحملة أمنية فحاول الشباب الهروب خشية القبض عليهم.
وأضاف أنه لدى محاولة فرحات استقلال سيارته ومغادرة محيط المعرض أطلق ضابط أمن مركزي مشارك في الحملة النيران صوبه فأنهى حياته.
سيناء جديدة
وفي مقطع فيديو يكشف عن حالة الغضب الشعبي، وجه أحد وجهاء مطروح رئيس المجلس المحلي بالمحافظة سابقا سعيد الحفيان، رسالة شديدة اللهجة إلى السيسي، قائلا له: إنت بتعمل سيناء أخرى هنا، مؤكدا أن ملف سيناء لم تتم معالجته بشكل سليم.
وقال إن العب الغربي (المنطقة الغربية لمصر) يغلي، وقد يخرج عن السيطرة، متسائلا: كيف يضرب ضابط مواطنا بالرصاص ويسطو على أموال المواطنين؟، محذرا السيسي، من السياسات الأمنية القائمة على القمع والاعتداء على المواطنين، منتقدا أن تكون اللغة مع المواطنين فقط هي لغة الضرب.
الحفيان، ذكر السيسي، بأن ثورة يناير 2011، ضد الرئيس الراحل حسني مبارك، كان سببها اعتداء الشرطة على المواطن خالد سعيد بمدينة الإسكندرية حزيران/ يونيو 2010.
وقال له إن المعالجة الصحيحة حينها كانت تتطلب محاسبة هؤلاء، ولكن تُرك الأمر وتضخمت كرة الثلج وخرجت ثورة يناير، ملمحا إلى أن هذا ما يمكن حدوثه في مطروح.
وتشهد شبه جزيرة سيناء شرق البلاد مواجهات بين عناصر إجرامية ومهربين وتكفيريين منذ سنوات، وهي الحالة التي حذر من حدوثها مجددا الوجيه المعروف بالمنطقة الغربية من مصر.
وحتى كتابة هذه السطور لم يصدر بيان رسمي من وزارة الداخلية، غير أنه جرى دفن جثمان القتيل بعد تصريح من النيابة العامة، الأربعاء.
سلطوية النظام
وقال السياسي المصري والبرلماني السابق الدكتور ثروت نافع: حقيقة الأمور تتصاعد بوتيرة سريعة جدا وملحوظة في الشارع المصري لعدة أسباب، أحدها العامل الاقتصادي؛ لكن أيضا الأسباب السياسية بدت على السطح.
مؤسس “الحركة الليبرالية المصرية”، أشار إلى ما اعتبره “ظهورا لافتا لنوع من أنواع الوعي الشعبي”، يرى أن أساسه وسببه الرئيسي هو الوضع السياسي في البلاد أو الطريقة السلطوية في الحكم.
وأكد أن ما يحدث بحق المصريين وما نبه إليه مواطن مطروح هو تطور طبيعي لما أدلى به رأس النظام منذ 10 سنوات بأنه ليس هناك ضابط سيحاكم، موضحا أنه بذلك صادر على مفهوم العدالة.
وأضاف: لأنه لا يليق برأس النظام أن يعطي هذه الإشارة، وهذه الدلالات بأن الضابط الذي سيردع المواطن لن يحاكم، ربما يقول سيحاكم محاكمة عادلة ولن أسمح بالتعسف ضده، في وعود قد تكون مقبولة في هذا السياق.
نافع، واصل عرض رؤيته مستدركا: لكن التصريح بأن الضابط لن يحاسب فهذا ما أوصلنا لما نحن فيه من مهازل نسمع عنها ويرتكبها ضباط الداخلية والتي اعتاد المصريون عليها، والتي ذكر بعضها مواطن مطروح، وأكد أنها أحد أسباب ثورة يناير 2011.
وأعاد البعض نشر تسريب للسيسي، في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، يتحدث فيه لضباط الجيش قائلا: لن يحدث أن الضابط يضرب غاز أو خرطوش، وحد يموت أو يتصاب في عينيه، فيتم محاكمته.
لا مستبد يتعظ
واستشرف السياسي المصري نماذج من التاريخ قائلا: “تعلمنا أن المستبدين بالتاريخ القديم والحديث عادة لا يعون ولا يتعظون إلا بعد فوات الأوان”، مبينا أنه قارن ما يحدث وخاصة من قبل الضباط بحق الشعب هذه الفترة، وبما ذكره المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي (1753- 1825)، بكتابه “عجائب الآثار”.
نافع، أكد أن أحداث هذه الحقبة تكاد تكون متطابقة مع ما ذكره الجبرتي، وكان يفعلها المماليك مع المصريين بحجة حمايتهم، فكانوا يدهسون الناس بالأسواق بخيولهم ويقتلون المصري أمام زوجته وأولاده ويدوسونهم بالخيل.
وتساءل: أليس ذلك مشابها لما فعله ضابط الجيش مع الصيدلانية المصرية وأسرتها المغدور بها في حادثة مدينتي شرق القاهرة قبل أسبوعين؟ مشيرا إلى وجود تطابق في الأساليب وتطابق في مشاعر الشعب الغاضب نحو ذلك.
وأضاف: وإذا عدنا لكتاب الجبرتي، سنجد كيف كان الغليان يجري من هذه الأحداث، وللأسف الشديد بعد قرون وعقود نعاني نفس المأساة على يد مصريين يفعلون بمصريين من بني وطنهم هذه الجرائم وليس من محتل أو غازٍ للوطن.
وختم حديثه بالقول: الأمر جد خطير وبائس، وللأسف هناك حالة نكران لما يحدث من السلطة وتغاض عما يقوم به رجال النظام من جيش وشرطة وبعض المسؤولين، معربا عن أمنيته بأن يعي الجميع أننا في نفق ليس فقط قاتما بل ربما ينهار علينا جميعا.
وطالب حقوقيون، بتوضيح من السلطات ومحاكمة الجاني، مشيرين إلى أن الجريمة تأتي في سياق يعاني فيه المصريون من تجاوزات طوال 10 سنوات بعد إطلاق السيسي، يد قوات الأمن الضباط بحق المصريين، ومنحهم صلاحيات واسعة تصل للقتل دون محاسبة.
وتأتي جريمة مطروح، بعد نحو أسبوعين من جريمة دهس متعمد من ضابط الجيش زياد حسام، لجارته الصيدلانية فقتلها وأصاب أبناءها وزوجها وصديقا لهم، في حي راق شرق القاهرة.
طبقة فوقية
وفي رؤيته وتعليقه على أحداث مطروح، ذكر الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، بموقف سعيد الحفيان، مع المشير عبد الفتاح السيسي، وقت ترشحه للرئاسة عام 2014، عندما قدم له (عصا المرشالية) المرصعة بأحجار كريمة وطلب منه أن يمسك بها عندما يحكم مصر.
أبوخليل يرى أن “هذا التحول من الحفيان، وغيره، طبيعي تماما ويأتي بسبب القبضة الأمنية الحديدية بحق المصريين، وغياب القانون، والعدالة، والسلطة التشريعية، والقضائية، وصاحبة الجلالة (الصحافة).
ويعتقد أن السيسي لا ينظر لهذا الكلام، من الحفيان وغيره، ويسير بسياسة إرهاب الدولة للمصريين، بل ويتعمد ذلك، وقال هذا مرارا، وقام بإطلاق يد الضباط وجعل منهم طبقة فوقية على الشعب، لذا لن نستطيع قول إنه سيدفع ثمن ذلك ويتراجع عن ذلك.
وأكد أنه برغم أن هناك غضبا شعبيا مقابل القمع الذي يجري تنفيذه والقمع المتعمد لإرهاب الناس؛ لكن هذا الغضب الشعبي يحتاج لعمل منظم يجعل هؤلاء المجرمين الذين يمعنون في المصريين القمع والإرهاب يتراجعون.
وأشار إلى موقفين تاريخيين من ثورة الياسمين في تونس، وثورة يناير في مصر، حينما قال الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي: فهمتكم، وتراجع حسني مبارك بعد جمعة الغضب في خطابه الأخير مستعطفا الشعب.
وفي نهاية حديثه يعتقد أبوخليل، أن هذا الشخص (السيسي) لن يرتدع هو وعصابته إلا بغضبة شعبية قوية حتى لو لم تستمر كثيرا، ولكنها ستوضح الوجه الحقيقي للمصريين ويكون لها آثار كبيرة.
ليست الأولى
ونشر نشطاء العديد من مقاطع الفيديو التي توثق جرائم مماثلة للشرطة المصرية بحق المدنيين.
كما نشر البعض صورة أحد أعيان القبائل في مطروح سعيد الحفيان، وهو يقدم إلى المشير السيسي “عصا المارشالي”، المصنوعة من الأبنوس والمرصعة بالأحجار الكريمة.