تحت ضغط مليون بناية.. مدينة نيويورك مهددة بالغرق
هل هناك حمولة للأرض لا تستطيع تجاوزها؟ وهل تطيق حمل آلاف الأطنان من البنايات الشاهقة وناطحات السحاب التي أصبحت تنمو كالفطريات؟ وما هي تداعيات ذلك؟
سؤال أجابت عنه دراسة جديدة هي الأولى من نوعها أجراها باحثون أميركيون عن مدينة نيويورك، ووجدوا أن البنايات في المدينة تضغط على أرضيتها، وأن المنطقة مهددة بالغرق.
وتم نشر هذه الدراسة يوم الثامن من مايو/أيار الجاري في دورية “إيرثز فيوتشر” (Earth’s Future)، وقد أشرفت عليها هيئة المسح الجيولوجي الأميركي “يو إس جي إس” (USGS)، وهي هيئة من بين أقدم الهيئات العلمية في الولايات المتحدة أنشئت عام 1879.
وقد وجد الباحثون أن أرض مدينة نيويورك باتت تتهاوى بمعدل مليمتر واحد إلى مليمترين كل عام، وذلك بسبب ثقل ما تحمله على ظهرها، وأن هناك مناطق من المدينة تزداد فيها سرعة هذه الظاهرة بدرجة مخيفة تستدعي مراعاتها تفاديا لأي مخاطر قد يتعرض لها السكان البالغ عددهم أكثر من 8 ملايين نسمة.
ويبدو من خلال هذه الدراسة أن خطر غرق المدن الساحلية والفيضانات التي قد تواجهها، ليس فقط بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الذي هو أثر من آثار التغيرات المناخية، وإنما قد يكون أيضا بسبب هبوط الأرض الناجم عن ضغط البنايات الشاهقة وثقلها المفرط، وقد يكون أيضا بسبب كليهما، ويمكن إضافة عوامل أخرى، كالاستغلال المبالغ فيه للمياه الجوفية.
ضغط مليون بناية
وحسب ما جاء في الدراسة، فقد اعتمد هؤلاء الباحثون على إجراء معادلات معقدة جمعت بين صور الأقمار الصناعية ونوعية الأرضية محل الدراسة، وحجم البنايات البالغ عددها مليون بناية يناهز وزنها 764 مليار طن مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير الجاذبية.
ولم يتم إدراج سوى البنايات في الحسابات، حيث تم التغاضي عن الطرقات والأرصفة والجسور وغيرها من المنشآت كالسكك الحديدية التي لها وزنها المعتبر، وفوق كل ذلك فإن استنزاف المياه الجوفية يزيد الوضع سوءا.
وقال الباحث توم بارسونز من قسم علوم الساحل والبحار بهيئة المسح الجيولوجي الأميركي حسب ما ورد في تقرير لموقع “ساينس ألرت” إن الهدف من الدراسة هو لفت انتباه السلطات إلى خطورة الوضع، وتوضيح أن كل بناية يتم تشييدها على الساحل أو بالقرب من الأنهار والبحيرات يمكنها المساهمة في زيادة خطر التعرض للفيضان.
ويؤكد القائمون على الدراسة أن هذه الحسابات مبنية على ضوء المعطيات الحالية، ومع مرور الوقت سيزداد عدد السكان ويزداد عدد البنايات، وهو معطى سيفاقم الوضع.
معادلة إنقاذ المدن من الغرق
وحسب تقرير موقع “ساينس ألرت”، فإن أجزاء من مدينة نيويورك تبدو أكثر هشاشة من غيرها، مثل منطقة مانهاتن التي تقع على نحو مترين تحت سطح البحر، كما أن تهيئتها العمرانية تزيد الأمور تعقيدا.
ومدينة نيويورك ليست الوحيدة التي تواجه خطر الغرق، فهناك أيضا جاكرتا عاصمة إندونيسيا المرشحة للغرق في حدود 2050 بعدما أثبت علماء هبوط أراضيها بمعدل 11 سنتيمترا كل سنة بسبب استنزاف مياهها الجوفية، ونتيجة لذلك فإن نحو 30 مليون نسمة مطالبون بالرحيل عنها أو اتخاذ الإجراءات الضرورية لاحتواء الوضع.
وخلص الباحثون في دراستهم إلى أن هبوط الأراضي هو عامل تم إهماله في أغلب الدراسات التي أجريت عن خطر الفيضانات وغرق المدن الساحلية، ويبدو أن هذه الظاهرة تحدث بسرعة أكثر من ارتفاع سطح البحر، وعليه بات من الضروري أخذها بعين الاعتبار في إعداد إستراتيجيات الإعمار وخطط التصدي لغرق المدن.