7283 انتهاكا داخل مقار الاحتجاز المصرية خلال عام واحد
شهدت مقرات الاحتجاز في مصر 7283 انتهاكا بحق محتجزين خلال عام 2022، حسب تقرير لمنظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية المستقلة، والتي أشارت إلى أن الانتهاكات وقعت داخل 73 مقر احتجاز، توزعت بين 19 محافظة.
ولفتت إلى أن النسبة الأكبر من الانتهاكات تمثلت في الحرمان من الحرية تعسفيا بواقع 6612 انتهاكا، تليها الانتهاكات ضمن الاختفاء القسري بواقع 373 انتهاكا، ثم 201 انتهاك ضمن سوء أوضاع الاحتجاز، تليها الانتهاكات ضمن التعذيب والوفيات داخل مقار الاحتجاز بواقع 49 و48 انتهاكا على الترتيب.
وأوضح التقرير أن الانتهاكات، خاصةً الانتهاكات ضمن الحرمان من الحرية تعسفياً، تركزت في أشهر معينة، أبرزها شهرا أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني، حيث شهدت هذه الفترة من العام بداية انطلاق الدعوات للتظاهر احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية، وقابلتها الأجهزة الأمنية بحملات الاعتقال التعسفي العشوائي وتفتيش هواتف المواطنين وتوقيف البعض لساعات داخل الأقسام الشرطية.
كما لفت إلى أنه على صعيد المحافظات التي سجل وقوع انتهاكات فيها خلال عام 2022، وهي 19 محافظة مصرية، تصدرت محافظة القاهرة بنحو 65 % تقريباً من إجمالي الانتهاكات المرصودة، وتأتي في المرتبة التالية محافظة الشرقية، التي سجل فيها ما يقارب الـ27 % من الانتهاكات المرصودة بواقع 1992 انتهاكا.
ولناحية أنواع مقار الاحتجاز التي شهدت الانتهاكات، بيّن التقرير أن الأقسام والمراكز الشرطية تصدرت قائمة المقار التي تم رصد وجود الانتهاكات فيها بنحو 66%من إجمالي الانتهاكات المرصودة، تليها السجون المركزية والعمومية والليمانات بنحو 29 % تقريباً من الإجمالي نفسه بواقع 430 انتهاكا مرصودًا، ثم 30 انتهاكًا في مقار الاحتجاز العرضية، تليها معسكرات قوات الأمن المركزي بواقع 25 انتهاكاً مرصودًا، وأخيراً انتهاكان في مقار الأمن الوطني.
وقالت المنظمة في تقريرها السنوي، إن عام 2022 كان عاما مليئا بتناقضات السلطة السياسية في مصر بين خطاباتها المعلنة، وممارسات أذرعها المروعة بحق المعارضين والمواطنين ككل، حيث ذابت الفوارق تدريجيًا بين المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وبين عموم المواطنين الذين تضرروا بشكل كبير من تداعيات فشل إدارة الدولة للاقتصاد المصري.
انفراجة وهمية
وأضافت المنظمة أن التكهنات حول انفراجة في المشهد الحقوقي المصري بناءً على ما صورته وعود السلطات آنذاك، أثبت الواقع العملي أن كل ذلك ما هو إلا حملة دعائية تستهدف منها السلطات المصرية عيون الخارج فقط، حيث استمرت الأجهزة الأمنية في حملاتها ضد المواطنين غير ملقية بالا بما تدعيه السلطات من خطوات لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر.
ولفتت إلى أن تلك العوامل، بالإضافة إلى الضغط الخارجي، جعلت السلطات تستدعي معارضيها إلى المشهد السياسي مجدداً في حفل إفطار رمضاني بعنوان إفطار الأسرة المصرية، برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حضره حمدين صباحي، وخالد داوود، وعدد من رموز القوى السياسية، وهو الإجراء الذي ذكرت مصادر صحافية أنه بغرض طلب الدعم من المعارضين للقيام بتحرك سياسي يطمئن الشعب تجاه الأوضاع الاقتصادية الراهنة. وتم عقد إفطار الأسرة المصرية، وأعلن السيسي خلاله عدداً من القرارات السياسية والاقتصادية، أبرزها إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب، وبالرغم من ذلك لم تتحرك أعداد المفرج عنهم والمخلى سبيلهم إلا بشكل ضئيل جدًا، وفي الوقت نفسه لم تتوقف الملاحقات الأمنية أو احتجاز المواطنين تعسفياً.
وأوضح التقرير أن العام الماضي شهد أيضاً قرار وزير العدل بنقل محاكمات “الإرهاب” إلى مجمع سجون بدر؛ مما صعّب الأمور على أهالي المتهمين والمحامين، حيث اشتكى المحامون مما وصفوها بـ”الظروف غير الإنسانية والمهينة” التي يضطرون لمواجهتها خلال قيامهم بعملهم في مدينة تبعد أكثر من 68 كيلومترًا عن القاهرة، وكونها غير مجهزة من الأساس لاستقبال المحاكمات.
وعلى الصعيد القانوني، ذكر التقرير أن مجلس النواب أصدر العديد من التشريعات الجدلية، من ضمنها الموافقة على مشروع قانون 14/2022، والمقدم من الحكومة، بتعديل قانون تنظيم السجون في مصر، والذي كانت التعديلات فيه شكلية واصطلاحية لم ترق إلى مستوى الطموح الحقوقي في التعامل مع الانتهاكات الفجة داخل مقار الاحتجاز في مصر.
ولفت كذلك إلى القرار الذي أصدره وزير الداخلية خلال العام، وهو القرار رقم 371/2022؛ بإدراج مقر المخابرات العامة في العاصمة الإدارية الجديدة ضمن الأماكن المرخص قانونًا بإيداع متهمين فيها على ذمة القضايا التي تمس الأمن القومي وأمن الدولة من جهة الخارج، وهو الإجراء الذي ينذر بالمزيد من الانتهاكات ضمن الاختفاء القسري والتعذيب والحرمان من الحرية تعسفياً.
كما رصدت “كوميتي فور جستس” من خلال تقريرها، أحكاما عدة تنوعت بين الإعدام والسجن المؤبد والمشدد والحبس في عدد من القضايا خلال 2022، من أبرزها أحكام إعدام ضد 10 متهمين بقضية “كتائب حلوان”، كما أصدرت محكمة أمن الدولة طوارئ 9 أحكام بالمؤبد، و3 بالمشدد في القضية المعروفة إعلامياً باسم “داعش العجوزة”، و43 حكماً بالمؤبد، و87 حكماً بالمشدد، كذلك قضت الدائرة الأولى إرهاب بمحكمة الجنايات بمعاقبة 17 متهماً في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”أحداث مجلس الوزراء”، بالسجن المشدد من 7 سنوات لـ15 سنة، وإلزامهم برد 17 مليونا و622 ألف جنيه قيمة ما أتلفوه، وعاقبت متهمًا بالسجن المشدد 15 سنة، و16 متهماً بالسجن المشدد 7 سنوات، وفي 3 يناير، صدّق الحاكم العسكري على الحكم الصادر بحق الناشط علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي، محمد الباقر.
كذلك جرى تنفيذ الإعدام خلال العام بحق 4 متهمين مدانين في القضية رقم 9115/2016 كلي جنوب الجيزة، المعروفة إعلامياً باسم قضية “ميكروباص حلوان”، كما نُفذت أيضاً أحكام بإعدام 3 متهمين في القضية رقم 3455/ 2014 كلي جنوب الجيزة، المعروفة بقضية “أجناد مصر الأولى”، والتي تعرّض المتهمون فيها لانتهاكات عدة عقب القبض عليهم؛ من إخفاء قسري، وإكراه مادي ومعنوي للإدلاء باعترافات، فضلًا عن التحقيق مع متهمين في غياب المحامين.
وحسب التقرير، قدم فريق التواصل الأممي في “كوميتي فور جستس” 76 شكوى ومراسلة بخصوص ضحايا الانتهاكات الحقوقية في مصر، إلى هيئات وفرق عديدة تابعة للأمم المتحدة، منهم الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، والفريق المعني بالاختفاء القسري، والمقررون المعنيون بموقف المدافعين عن حقوق الإنسان، وبالقتل خارج نطاق القضاء وحماية وتعزيز حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، والمقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى مراسلات مجمعة مع شركاء آخرين بشأن ملابسات انعقاد قمة المناخ في شرم الشيخ، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
توصيات
وقدمت المنظمة الحقوقية، في ختام تقريرها، عدة توصيات، منها إصدار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عفوا عاما عن الأحكام التي صدرت ضد أخصام ومعارضي الدولة السلميين، مع إصدار قرار بتعليق تنفيذ أحكام الإعدام، وتحديد مهام وصلاحيات لجنة العفو الرئاسي، وتجفيف منابع ملاحقة المواطنين أمنيًا والاعتقال التعسفي والحبس الاحتياطي المطول، كذلك التوجيه بتضمين برامج المعاشات والضمان الاجتماعي لذوي المحكوم عليهم وضحايا الحبس الاحتياطي المطول والاختفاء القسري.
فتح تحقيقات
كذلك أوصت المنظمة وزارة الداخلية بإعادة النظر في أوضاع المحتجزين كافةً والمقار المحتجزين فيها، مع التشديد على وقف الملاحقة الأمنية للمعارضين وأصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان، والتوقف عن ممارسات الاختفاء القسري، وفتح تحقيقات في شكاوى وبلاغات المواطنين الخاصة بالانتهاكات الحقوقية، ومحاسبة المتورطين من أفراد الوزارة فيها.
أما بالنسبة للسلطة القضائية، فطالبت “كوميتي فور جستس” بفتح تحقيقات جدية في جرائم التعذيب بحق الضحايا الذين وثق التقرير حالتهم. كذلك فتح التحقيقات الجدية والشفافة في واقعة وفاة الباحث الاقتصادي، أيمن هدهود، ومحاسبة المسؤولين عن وقائع اختفائه القسري وتعذيبه، وكذلك إعادة فتح التحقيق في قضية قسم السلام، وإلغاء الحكم المجحف، والتوقف عن محاكمة المدنيين عسكرياً.
أيضاً دعت المنظمة القضاء المصري لتفعيل بدائل الحبس الاحتياطي المطول، مع إعادة النظر في قرار وزير العدل بنقل محاكمات المتهمين إلى مجمع محاكم بدر، لما له من آثار جسيمة على الإخلال بحقوق الدفاع، وتوقف المحكمة الاقتصادية عن إصدار أحكام بحق المواطنين بتهم تتعلق بالنشر والرأي والتعدي على قيم الأسرة المصرية.
كما طلبت من السلطات التشريعية في مصر الالتفات إلى الإصلاح الفعلي لمؤسسات السجون المصرية وليس فقط تغيير المصطلحات، مع إعادة النظر في قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية الذي يقيد عمل أفراد المجتمع المدني، كذلك إعادة النظر في القوانين التي صدرت خلال فترة التقرير، والتي توسعت في تطبيق العقوبات السالبة للحرية بدلاً من التأهيل والإصلاح.