ما أسباب الانهيارات المتكررة للمباني في العراق؟
في ظاهرة جديدة على العراق، سجلت محافظات بغداد والأنبار (غربا) وأربيل (شمالا) انهيار 3 مبان قيد الإنشاء في أقل من 24 ساعة، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات عن أسباب تكرار هذه الحوادث.
وأعلنت مديرية الدفاع المدني الأحد الماضي تسجيل انهيار مبنيين قيد الإنشاء كانا مخصصين لبناء مجمعات ومراكز تجارية في بغداد والأنبار، ووقع الحادث في منطقة زيونة (وسط العاصمة) أثناء أعمال البناء؛ مما أسفر عن إصابة 8 أشخاص من العمّال.
في حين سجلت محافظة الأنبار الحادث الثاني، وذلك أثناء صب خرسانة الطابق الرابع لمركز تجاري كبير في مدينة الرمادي (مركز محافظة الأنبار). وتمكنت فرق الإنقاذ من نقل المصابين إلى المستشفى، من دون تفاصيل أخرى عن أعدادهم وشدة إصاباتهم.
واستمرارا لسلسلة هذه الحوادث، نقلت وسائل إعلام محلية انهيار مبنى آخر قيد الإنشاء في محافظة أربيل بإقليم كردستان، مما أسفر عن إصابة 11 عاملا، حيث نقل المصابون إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وخلال الفترة الماضية، مثلت حوادث انهيار المباني المخالفة لشروط السلامة أحد أكبر التحديات والمخاطر التي تهدد حياة العراقيين، لا سيما بعد انهيار عدة أبنية وسقوط العديد من الضحايا بين قتيل وجريح خلال الأشهر القليلة الماضية.
ما الأسباب؟
وتأتي حوادث انهيار المباني بالعراق بعد أقل من أسبوعين على تحذيرات أطلقتها مديرية الدفاع المدني حول وجود أكثر من 2500 مبنى حكومي وأهلي آيل للسقوط في محافظات البلاد، وهو ما يشكل خطرا كبيرا يهدد حياة ساكنيها، كما أشارت إلى إخلائها عددا من تلك المباني.
وكان المدير العام للدفاع المدني العراقي اللواء محسن كاظم علك أكد -في تصريحات نقلتها صحيفة الصباح شبه الرسمية- أنه قد تم تحديد الأبنية الآيلة للسقوط، وإعلام الأمانة العامة لمجلس الوزراء والدوائر الحكومية ذات الصلة لاتخاذ الإجراءات.
وعزا نقيب المهندسين العراقيين السابق صبيح الغراوي أسباب ذلك للفساد المالي والإداري والفني، وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، على حد قوله.
وقال الغراوي “في المشاريع التي تنفذ بالعراق يتم تمرير فحوص فاشلة، مع عدم الالتزام بتطبيق المواصفات الخاصة بمواد البناء أو إجراءات السلامة، إذ لا تتم مراعاة الخلطة الخرسانية بالشكل المطلوب، مع استخدام حديد تسليح بمواصفات سيئة”.
توصيات وإجراءات حكومية
ولتفادي تكرار حوادث الانهيار، سواء كان ذلك في القطاع الخاص أو العام، أكد نقيب المهندسين العراقيين السابق ضرورة اعتماد التصاميم والمواصفات الفنية القياسية، واختيار المنفذين والمشرفين والمراقبين من ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة، بعد منحهم الرواتب والأجور التي تتوافق مع الحجم المالي للمشروع، في إشارة إلى إحالة تنفيذ المشاريع لشخصيات وشركات قليلة الكفاءة وعديمة النزاهة.
وتعليقا على ذلك، أكد المتحدث باسم أمانة بغداد محمد الربيعي أن الأمانة وجهت جميع مالكي العقارات غير المستوفية للشروط الفنية أو الآيلة للسقوط إلى التقدم بطلب الحصول على إجازة هدم وإعادة بناء موجه للبلدية المعنية بالرقعة الجغرافية التي تضم المبنى لتجنب أي حادث مشابه مستقبلا، مشيرا إلى استعداد أمانة بغداد وبلديات العاصمة الـ14 إلى تسهيل منح إجازات هدم وإعادة بناء المباني الآيلة للسقوط بالسرعة الممكنة.
وأكد الربيعي أنه تم توجيه المكاتب الهندسية الاستشارية ودوائر البلديات لمتابعة المباني المهددة، لا سيما تلك القديمة والتراثية، التي تحتاج إلى معالجة سريعة، لافتا إلى الحاجة لإخلاء هذه الأبنية لما تشكله من خطر.
وأضاف أن أمانة بغداد فرضت على أصحاب المباني في المناطق ذات التخطيط العمراني الحضري ببغداد -بما فيها زيونة والكرادة والدورة- كتاب تعهد على تحمل مالكيها مسؤولية بقائها قائمة أو عدم التبليغ عنها، مشيرا إلى استثناء المباني التراثية التي تخضع لشروط خاصة بوزارة الثقافة وقانون التراث، والتي يمكن إعادة إحيائها وفق معايير خاصة.
غياب إجراءات السلامة
بدوره، يقول المتحدث باسم المديرية العامة للدفاع المدني العميد جودت عبد الرحمن إن أسباب تكرار انهيار المباني يعود لإهمال العاملين وسوء التخطيط الهندسي، مبينا أن الأسباب الرئيسية تحددها الأدلة الجنائية وليس مديرية الدفاع المدني.
والعميد إلى أن انهيار المباني الأخير في بغداد وزيونة يعزى لغياب إجراءات السلامة الفردية للعاملين والمتعلقة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومسؤولي السلامة المشرفين على مواقع هذه المشاريع، مشيرا إلى عدم توفر إحصائية بعدد الانهيارات التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سجلت البلاد العديد من الحوادث المشابهة، من بينها انهيار مبنى المختبر الوطني الصحي بمنطقة الكرادة (وسط العاصمة بغداد)، ليتبعه بعد ذلك انهيار مبنى مخصص لتخزين بضائع تجارية في منطقة الوزيرية إثر حريق ضخم اندلع فيه، في حين انهارت أجزاء من بناية مصرف الرافدين بمحافظة كربلاء أيضا، وكانت حصيلة تلك الحوادث عشرات القتلى والجرحى، من ضمنهم أفراد من الدفاع المدني.
ورغم ذلك، لم تفض التحقيقات الجنائية إلى محاسبة أي جهات مقصرة، كما لم تعلن الحكومة إحالة المسؤولين عن تلك المباني إلى القضاء رغم المناشدات الكبيرة والتحذيرات التي أطلقتها مؤسسات عديدة من أن كثيرا من المباني لا تحظى بأي شروط سلامة، خاصة تلك التي مضت على بنائها عقود من الزمن.