ما أسباب تكرار ظاهرة الانتحار الجماعي في إيران؟
عد أعوام من تحذير الجهات المعنية من تزايد حالات ومحاولات الانتحار في إيران خلال العقد الماضي، أثارت تقارير الإعلام الرسمي عن انتشار ظاهرة “الانتحار الجماعي” بين جميع أفراد الأسرة مزيدا من القلق بين الرأي العام الذي يبحث عن تفسير لأسباب الظاهرة ودوافعها.
ورغم أن الصحافة المحلية تعج بأخبار الحوادث المروعة، مثل الانتحار، فإنها لم تعتد على نشر تقارير عن ظاهرة “الانتحار الجماعي” في البلاد حتى قبل 3 أعوام عندما كتبت الصحف للمرة الأولى عن انتحار جميع أفراد أسرة مكوّنة من 4 أفراد (مكونة من الأم وفتاتين وصبي) عن طريق تناول حبوب سامة في مدينة يزد، وسط البلاد.
وقبل أن ينسى الشارع الإيراني صدمة الحادث المروع في يزد، تفاجأ بانتحار 5 أشخاص (سيدة وفتاتين وصبي وطفل) من عائلة واحدا شنقا في يوليو/تموز الماضي في قضاء نجف آباد بمحافظة أصفهان، وسط البلاد.
ومع أن تكرار هذه الظاهرة بمناطق أخرى، منها مدينة رامهرمز (انتحار أم و3 من أطفالها) وطهران (3 أخوات) وحوادث مشابهة أخرى، فإن نبأ انتحار 6 أشخاص (الأم وشابين و3 فتيات) قبل أسبوع في مدينة مشهد باستخدام عقاقير سامة نزل كالصاعقة على الرأي العام وحرّك مشاعر السخط إزاء العوامل التي تدفع المواطن نحو إنهاء حياته.
أرقام صادمة
قد يكون القاسم المشترك في هذه الحوادث ما يتركه الضحايا من مخطوطات تؤكد أنهم أقدموا على الانتحار برغبة منهم، كما أنهم عادة يطلبون الصفح من أقربائهم، في حين أن نتائج التحقيقات في تلك الحوادث تؤكد معاناة الضحايا من أمراض نفسية أو أزمات مالية ومعيشية.
وتظهر التقارير شبه الرسمية أن حالات الانتحار الجماعي ليست سوى جزء من سلسلة الانتحارات المتزايدة في البلاد على مدار السنوات الأخيرة، إذ تؤكد لجنة الوقاية من الانتحار بالجمعية العلمية للأطباء النفسيين تصاعد أرقام الانتحار في البلاد منذ 2004.
وتحتل إيران المرتبة الثالثة بين الدول الإسلامية والمركز رقم 58 على المستوى العالمي في حالات الانتحار، إذ يبلغ المعدل اليومي للظاهرة 15 حالة في عموم البلاد، بعدما كان مستقراً عند 13 حالة حتى قبل عامين.
ويصل معدل الانتحار في هذه الجمهورية إلى 6 حالات لكل 100 ألف نسمة، أي نحو أكثر من ضعفي المعدل العالمي للظاهرة، وفق صحيفة “اعتماد” المحلية التي أشارت إلى أن نسبة الوفيات جراء الانتحار بين الذكور أكثر من الإناث، كما أن أعداد حالات الانتحار في طهران تفوق المحافظات الأخرى.
أسباب الظاهرة
يقول عالم الاجتماع مجيد أبهري إن الأرقام المتوافرة عن حالات الانتحار كبيرة جدا لبلد إسلامي مثل إيران، مؤكدا أن أسبابا مختلفة اجتماعية واقتصادية ونفسية تكمن وراء انتشار الظاهرة في بلاده.
ويلخص أبهري العوامل المساعدة التي تدفع إنسانا ما على اتخاذ قرار بإنهاء حياته بمحض إرادته، كالتالي:
الضغوط الاقتصادية والفقر المعيشي.
العوامل البيئية، مثل التلوث الصوتي والجوي.
البطالة وتزايد الديون.
الإدمان.
انعدام الأمل بالحياة.
ارتفاع العنف في المجتمع.
المشكلات النفسية.
ولدى إشارته إلى تزايد حالات “الانتحار الجماعي” في إيران، يكشف أبهري عن انتحار 4 أطفال شنقا قبل نحو 7 أشهر في إحدى المدن، وأشار إلى أن بعض المنتحرين يخشون على مصير أطفالهم من بعدهم، مما يبرّر لهم “الانتحار الجماعي”.
من جانبه، قال مستشار الأمراض النفسية إحسان مال أحمدي إن غالبية المراجعين الذين يتحدثون عن الانتحار يعانون من مضاعفات الكآبة والتوتر النفسي، وإن العوامل الأخرى -مثل الضغوط الاقتصادية والفقر المعيشي والفشل العاطفي- تساهم في تفاقم مشكلاتهم النفسية.
ويرى مال أحمدي أن “العزلة والانطواء على النفس” تشكل قاسما مشتركا لدى معظم الذين يقدمون على الانتحار بشكل جماعي، محذرا من أن نفاد بعض نسخ أدوية الأمراض النفسية من الصيدليات سيتسبب بزيادة حالات الانتحار في حال عدم معالجة الموضوع بشكل عاجل.
كما انتقد تمركز غالبية الأطباء النفسيين في العاصمة طهران، مما يفسح المجال لنشاط فئات غير متخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن عدد المتخصصين النفسيين لا يتناسب وحجم المجتمع الإيراني البالغ تعداده نحو 85 مليون نسمة، وأن وزارة الصحة والعلوم الطبية مطالبة بتأهيل كوادر متخصصة لتلبية حاجة البلاد.
القانون والانتحار
وعما إذا كان القانون الإيراني يعاقب الشروع في الانتحار أو المساعدة فيه، يقول المحامي والخبير القانوني عبد الصمد خرمشاهي إن قانون العقوبات لا يتطرق إلى معاقبة الذين يشرعون في الانتحار ولا الذين يساعدون في ارتكابه، ما عدا استخدام العنف في تهديد الأشخاص وإرغامهم على الانتحار.
ويرى خرمشاهي أنه لا جدوى في معاقبة الذين يتم إنقاذهم من الانتحار، لأن ذلك يرفع من عزيمتهم على الانتحار في أقرب فرصة، مؤكدا أن هذه الفئة ستكون في حاجة ماسة إلى العلاج النفسي وإزالة العوامل المشجعة على الانتحار وليس تشريع القوانين ضدها.