أسباب الهلع في أوساط جواسيس حلف الناتو
تتساءل وكالة المخابرات المركزية الأميركية وأجهزة الاستخبارات الأوروبية عن أسرار الغرب التي تم الكشف عنها لموسكو من قبل مندس يعمل لصالح روسيا داخل جهاز المخابرات الألماني، والذي تم اعتقاله حديثا.
ويصف كاتب بمجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية في تقرير له ما حدث بأنه إحدى قصص التجسس الفريدة للغاية والتي تعد الأكثر خطورة في السنوات الأخيرة.
ويقول فينسان جوفير إن هذه القضية أثارت ضجة كبيرة في ألمانيا وداخل أجهزة المخابرات الغربية، إذ يخشى الجواسيس الأميركيون والإنجليز والفرنسيون من أن الكثير من أسرارهم قد كشفت لموسكو في ظل الحرب الحالية بأوكرانيا وذلك من طرف أحد نظرائهم في جهاز التجسس القوي في جمهورية ألمانيا الفدرالية (BND) (Bundesnachrichtendienst).
القضية بدأت في سبتمبر/أيلول 2022 عندما اكتشفت وكالة مخابرات غربية عدة وثائق سرية للغاية من دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية لدى ضابط روسي لا يمكن أن يحصل عليها إلا جاسوس رفيع المستوى.
وبعد 3 أشهر، أي في 21 ديسمبر/كانون الأول 2022، يقول جوفير “ألقت وحدة التجسس المضاد الألمانية القبض على المسمى كارستن لينكي، وهو ضابط يبلغ من العمر 52 عاما وليس موظفا بسيطا بل إنه تولى قيادة الوحدة المسؤولة عن عمليات الاعتراض الإلكترونية، بمعنى آخر كل التنصت على المكالمات الهاتفية.
ووفقا لما نقله جوفير عن صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) فإن لينكي، سلم بشكل خاص جهازَ الاستخبارات الروسية الخارجية “إف إس بي” (FSB) -وهو الذي خلف “كيه جي بي” (KGB) وكان يرأسه سابقا الرئيس لروسي الحالي فلاديمير بوتين- معلومات مهمة حول وحدات الاعتراض المتنقلة المنتشرة في أوكرانيا والتي تتابع سفن التجسس في بحر البلطيق، بالإضافة إلى البيانات الفنية حول قدرات “وكالة الأمن القومي الأميركية” (NSA) والخدمات الحليفة الأخرى، ولا سيما الفرنسية.
ويضيف الكاتب أن الفرنسيين قلقون للغاية نظرا إلى أن “المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية” (DGSE) و”جهاز التجسس القوي في جمهورية ألمانيا الفدرالية” وقعا اتفاقية في أوائل التسعينيات بشأن الاعتراض الإلكتروني، بل إن الخدمتين أصبحتا تداران بشكل مشترك في عدة محطات استماع في قارات مختلفة، وهناك خشية حقيقية من أن يكون لينكي قد كشف بعض أكثر أسرار الإدارة الفنية للمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية سرية.
والأخطر من ذلك كله، وفق الكاتب، هو أن هذا الجاسوس قبيل إلقاء القبض عليه مباشرة، تم تعيينه رئيسا للخدمة المسؤولة عن تقييم المجندين الجدد، لذلك كان هذا المندس قادرا على تقديم معلومات دقيقة عن عملاء “جهاز التجسس القوي في جمهورية ألمانيا الفدرالية”، مما سمح للروس بالتعرف عليهم وابتزازهم.
لكن لماذا خان هذا العقيد الألماني؟ هذا ما تجيب عنه صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) بالقول إن المحققين اكتشفوا أن وكيل الاتصال الخاص به مع “إف إس بي”، هو شخص يسمى آرثر إيلر، الذي اعتقل بعد شهر من اعتقال لينكي، بعد أن كان قد سلمه 110 آلاف دولار نقدا، لكن لا يبدو أن المال كان الدافع الوحيد للخيانة، فكلا الرجلين، وفق جوفير، لهما علاقة بـ”حزب البديل من أجل ألمانيا” (AFD)، الحزب اليميني المتطرف القوي القريب من الكرملين، كما أنهما معجبان بشكل مفرط بفلاديمير بوتين.
وما يقلق أجهزة المخابرات الغربية هو أن لينك هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون المندس الوحيد في جهاز المخابرات الألماني، ويتوقع المحققون اكتشاف المزيد وهو ما علقت عليه نيويورك تايمز بقولها “كلما حفرنا أعمق، أصبحت القضية أكثر تعقيدا”.