تطورات مثيرة بالمشهد السياسي في تونس
تتسارع الأحداث بتونس، خاصة بعد سلسلة الاعتقالات في اليومين الأخيرين والتي طالت أسماء بارزة منها السياسي المعارض عبد الحميد الجلاصي، والناشط خيام التركي، ورجل الأعمال كمال اللطيف، والدبلوماسي السابق منصف عطية.. وسط معطيات تشي باتجاه البلاد نحو المزيد من التخبط والضابية.
وعلى الرغم من غياب المعلومة الرسمية عن الملفات التي تلاحق الموقوفين أو حتى عددهم الحقيقي في ظل حديث عن أن العدد يتجاوز الـ20 موقوفا بينهم أمنيون، فإن المعارضين للسلطة يعتبرون ذلك تصفية سياسية وتخويفا، محذرين من عودة الأساليب الدكتاتورية القمعية.
وعن المشهد السياسي في ظل هذه التطورات وما يمكن أن يكون عليه مستقبلا؛ فقد اتفق أغلب المتابعين والفاعلين على أنه مشهد غامض تعيش فيه السلطة أخطر مراحل الارتباك ومعارضة مقسومة، وهو ما ينذر بوقوع البلاد في منزلق خطير ولا أحد يعرف كيف يوقف ردة فعل الشعب الغاضب على الجميع عند حدوثها والتي يرون أنها وشيكة.
شك وخطر
وقال عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، محسن السوداني، إن “سمة المشهد العام أنه في حالة ضياع وتيه، ولا توجد أي حلول واضحة لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا”.
ودعا السوداني في تصريح خاص إلى “ضرورة اجتماع الكل والوصول إلى حل وطني يمر أولا عبر وقفة تأمل ونقد ذاتي من الرئيس قيس سعيد”.
وعن إمكانية تراجع الرئيس إلى الوراء، خاصة أنه دائما ما يشدد على أنه لا تراجع، فقد رد السوداني بـ “نعم يصعب جدا التراجع، وهو سيناريو ضعيف”.
وشدد السوداني على أن “الحالة الراهنة هي حالة حيرة ولا أحد يمكنه أنه يعلم إلى أين يمكن أن تتجه تونس، حتى استشراف ما يمكن أن يقع في 24 ساعة غير متاح لأن البلاد في منطقة شك وغموض”.
وختم السوداني بأن “الشعب استقال وهذا ثبت من خلال عدم المشاركة في الاستفتاء والانتخابات وهو مؤشر خطير يدل على التيه العام الذي ينذر بالخطر”.
بدوره، قال السياسي والنقابي عدنان الحاجي، إن الوضع والمشهد السياسي بالبلاد في حالة ضبابية وانقسام كبير على مستوى الشارع والنخب السياسية.
وأقر الحاجي بغياب أي برنامج مستقبلي واضح لإنقاذ البلاد خاصة في ظل وضع اقتصادي واجتماعي متدهور”.
وحذر السياسي عدنان الحاجي من غياب التشاركية لوضع برنامج سياسي، معتبرا أن التفرد بوضع الدستور والقوانين لن يزيد الوضع إلا تعقيدا.
وطالب بضرورة “قيام الرئيس قيس سعيد بخطوة للوراء وإجراء حوار وطني مفتوح على الجميع، لأن الإقصاء لن يزيد إلا شرخا جديدا في البلاد ولكن مع ضرورة محاسبة كل من ثبت إجرامه طبقا للقانون”.
وعن الإيقافات الأخيرة التي شملت عديد الأسماء، فقد علق الحاجي قائلا: الطريقة المعتمدة والمداهمات تذكرنا بممارسات الدكتاتورية وهي مرفوضة، نريد الالتزام بالقانون والمحاسبة بثبوت الإدانة لا بالتشفي.
وأضاف عان الحاجي: صراحة هناك مخاوف على مستقبل البلاد وهي لا تتحمل هزات جديدة، مواقف الرئيس الرافضة لأي تنازل مخيفة وتنذر بالخطر.
تخبط.. واختناق
الأكاديمي والمحلل السياسي نور الدين الغيلوفي قال إن المشهد بتونس غائم، مشدود بين منقلب مرتبك لا يدري أين يتحرّك وماذا يفعل، وبين معارضة منقسمة على ذاتها.
وأضاف في قراءة تحليلية: الرئيس المنقلب يصدر في الداخل خطابا حربيا وقد جعل جميع مخالفيه في مرمى نيرانه، أمّا في الخارج فلا يكاد يحافظ على علاقة سليمة مع دولة واحدة من دول الجوار.
وأشار المحلل الغيلوفي إلى ما قال إنها الغرفة التي خلف قيس سعيد قد يئست منه ومن أداء مفيد يمكن أن يصدر منه.
وشدد المحلل على أن “المنقلب لا قانون يحكم سلوكه لذلك فلا تصدق نبوءة بشأنه”.
من جهته اعتبر المحلل والنقابي عبد السلام الككلي، أن “نظام 25 تموز/ يوليو 2021، قد استنفد كل طاقته في إقناع التونسيين بجدوى الإجراءات التي يسميها البعض استثنائية في حين أنها تمثل انقلابا صريحا على الدستور وعلى مؤسسات الدولة المنتخبة”.
وشخص الككلي الأوضاع الاقتصادية بأنها من سيئ إلى أسوأ بسبب غلاء الأسعار وفقدان كثير من المواد الأساسية، وارتفاع نسب البطالة.
وأضاف: أثبتت الانتخابات التشريعية الأخيرة أن 90 بالمائة من التونسيين قاطعوا العملية الانتخابية لعدم إيمانهم بجدواها ولا اقتناعهم بمصداقيتها في ظل مقاطعة أغلب الأحزاب لها.
وخلص النقابي إلى أنه “في هذا الجو الخانق لم يبق أمام النظام غير الهجوم على معارضيه من الناشطين السياسيين والمدنيين والنقابيين، ومن شبه المؤكد أن الإيقافات الأخيرة التي تمت في أجواء بوليسية لا تحترم أي إجراء من إجراءات التتبع القضائي، ليست غير عملية دعائية لتثبت للبسطاء من عامة الناس دعوى النظام محاربة الفساد في حين أنه لا يحارب غير معارضيه”.
وانتهى عبد السلام الككلي إلى القول إنه “مع الأسف ما يجري سيعمق الأزمة ويشوه صورة تونس في المحافل الدولية، في حين أنها مقبلة على مناقشات مع المانحين الدوليين الذين يراقبون بلا شك الوضع السياسي لتونس فضلا عن الجانب الاقتصادي”.