بعد خيبة الانتخابات.. هل يرضخ الرئيس التونسي ويستقيل؟
شهدت الانتخابات التشريعية في تونس إقبالا وصف “بالهزيل” من قبل الناخبين وهو ما قد يضعف مشروع قيس سعيّد الرئاسي والذي بدأ في إرسائه منذ عام 2021 أمام معارضة سياسية منقسمة ولا تحظى بثقة كاملة من التونسيين، وفقا لخبراء.
وأعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات، السبت، أن نسبة المشاركة الأولية في الدور الأول للانتخابات التشريعية كانت في حدود 8.8%، ولم يسجل هذا الرقم منذ أن انطلق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر ثورة 2011، والتي أطاحت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وكانت الحملة الانتخابية التي تواصلت على امتداد 3 أسابيع باهتة ولم يكن هناك سجال انتخابي بعكس ما كانت عليه الأجواء خلال الانتخابات السابقة سواء في 2011 أو 2014 أو 2019.
ويشير الخبير السياسي حمزة المؤدب إلى أن المرشحين الـ1055 “غير معروفين وقليلو الخبرة السياسية”، فضلا عن كون النساء يمثلن فقط نحو 12% من عدد المرشحين.
ونص القانون الانتخابي الجديد الذي أقره سعيّد قبل شهرين من الانتخابات على ضرورة ألا يكشف المرشحون عن انتمائهم السياسي، ونتج عن ذلك غياب كامل لمشاركة الأحزاب.
وطالبت “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة التي تضم حركة النهضة (أكبر الأحزاب تمثيلا في البرلمان منذ عام 2011) الرئيس التونسي بالتنحي فورا عقب المشاركة المتدنية في الانتخابات.
واستنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في يوليو/تموز الماضي ولم يشارك فيه نحو 70% من الناخبين، فإن البرلمان الجديد مجرد من الصلاحيات الفعلية التي كان يتمتع بها المجلس الذي حله الرئيس.
يعتبر أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعات التونسية عبد اللطيف الحناشي أن سعيّد الذي يحتكر السلطات منذ 25 يوليو/تموز 2021 قام بحملة واسعة بمفرده للانتخابات عبر تعدد الزيارات في المدة الأخيرة من منطلق أن لديه شعبية، غير أن النتائج خذلته ولم تظهر ذلك، وفق تعبيره.
ويقول الحناشي إنها خيبة أمل كبيرة جدا، كان يعوّل على إرادة الشعب لكنها غابت.
وبالفعل كان ظهور الرئيس قيس سعيّد في الأسابيع السابقة متعددا من خلال زيارة بعض الأحياء الشعبية ولقاء المواطنين وكأنه في حملة انتخابية “بالوكالة” عن المرشحين للانتخابات التشريعية.
وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة مع ارتفاع مستوى التضخم في حدود 10%، كما زادت تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا من غلاء أسعار المواد الأساسية كالقمح والمحروقات.
ويقول الباحث السياسي حمادي الرديسي “لقد أظهر أن لديه تأييدا شعبيا ولكن اتضح أنه ليس هناك لا شرعية دستورية أو انتخابية”، وفق تعبيره.
ودعت جبهة الخلاص الوطني والحزب الدستوري الحر سعيد للاستقالة وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.
لكن الرديسي يؤكد على أنه لا توجد آلية لإجبار الرئيس التونسي على الرحيل. كما يرى الباحث يوسف الشريف أنه من الصعب أن يستقيل سعيّد أو يعترف بفشل هذه الانتخابات.
ويقول الشريف إنه عقب الاستشارة الوطنية (الإلكترونية) التي أقرها الرئيس مطلع العام وشارك فيها نحو 600 ألف تونسي رفض الرئيس الاعتراف بالفشل.
وأقرت الهيئة العليا للانتخابات بأن النتائج “متواضعة” في انتظار الدور الثاني الذي يفترض إجراؤه في مارس/آذار المقبل.
تبقى المعارضة السياسية التي يتقدمها حزب النهضة منقسمة لأن خلفياتها الأيديولوجية متضادة، وسعت منذ أن “احتكر” الرئيس السلطات إلى تعبئة الشارع ودأبت على تنظيم المظاهرات داعية سعيّد “المنقلب” إلى الرحيل.
ووفقا لأستاذ التاريخ المعاصر في الجامعات التونسية عبد اللطيف الحناشي، فإن البديل الذي تقدمه المعارضة لا يقنع التونسيين.
ويعتبر الحناشي أن العزوف الواسع عن التصويت ليس بالضرورة ضد قيس سعيّد، ويرى أن التونسيين يشعرون بإحباط كبير من الطبقة السياسية.
والطرف الوحيد الذي يملك القدرة على إحداث تغيير في البلاد هو الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) بالنظر إلى كونه الطرف الاجتماعي الأكثر تنظيما، وكان له دور كبير في ثورة 2011، وفق مراقبين.
يقول الحناشي إن الرئيس قيس سعيّد وعد الأطراف الخارجية بخارطة طريق وقد تم تنفيذها، بحسب رأيه.
وجاء بيان الخارجية الأميركية عقب الانتخابات ليدعم ذلك، واعتبر المتحدث باسم الوزارة نيد برايس أن الانتخابات البرلمانية في تونس خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي في البلاد.
لكن برايس أكد في الآن نفسه أن نسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة تظهر الحاجة إلى مزيد من المشاركة السياسية على نطاق أوسع.
ويعد دعم الشركاء الأجانب حاسما بالنسبة لتونس المثقلة بالديون والتي طلبت من صندوق النقد الدولي قرضا رابعا لـ10 سنوات يقارب ملياري دولار، وهو ما سيمكن من فتح الباب أمام مساعدات أخرى سواء من أوروبا أو دول الخليج.