أزمة اقتصادية تضرب قطاع الطاقة في فرنسا… محطات مقفلة وفارغة من الوقود
بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول الماضي، استيقظ الفرنسيون على كابوس إغلاق 3 مصافي تكرير النفط التي يديرها عملاقا النفط شركتا “توتال إنيرجي” (Total Energies) و”إيسو إكسون موبيل” (Esso Exxon Mobil) ومنشآت التخزين الخاصة بهما.
أزمة تضرب قطاع الطاقة والاقتصاد الفرنسي في وقت حرج جدا حيث تفتقر 29.4% من محطات الخدمة إلى الوقود، وفق آخر تحديث حصلت عليه الجزيرة نت من وزارة انتقال الطاقة، مساء الاثنين.
يبدو أن المواجهة لن تنتهِ قريبا بين إدارة “توتال إنيرجي” والنقابات التي تطالب بزيادة الأجور. فمن جهة، أكد الاتحاد العام للعمال (CGT) عزمه تجديد الإضراب، الثلاثاء، ليشمل إغلاق 15 محطة إضافية للطرق السريعة التابعة لشبكة “أرجيديس” (Argedis)، التابعة لتوتال. ومن جهة أخرى، صرحت الأخيرة أنها لن تفتح أي مفاوضات إلا بشرط وقف الإضراب.
وقد أدانت النقابات عرض توتال، الأحد، بإرجاء مفاوضات الأجور إلى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بدون تاريخ محدد، وهو ما وصفته بـ “الابتزاز”.
وقد دق اتحاد الشركات الصغيرة والمتوسطة (CPME) ناقوس الخطر لأن صعوبات الإمداد بدأت تلقي بظلالها على النشاط الاقتصادي، لا سيما شمال فرنسا، ومنطقة شمال وسط البلاد (إيل دو فرانس).
وإزاء تدهور المحادثات بين الأطراف المتنازعة، أعلنت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، من الجزائر العاصمة، عقد اجتماع طارئ في قصر ماتينيون، مساء الاثنين، بحضور عدد من الوزراء.
وقال وزير الميزانية غابريل أتال “أساس المشكلة إغلاق المصافي ومستودعات الوقود من قبل (سي جيه تي) التي تريد استعجال المناقشات بشأن الرواتب” وتابع “لقد كانت عطلة نهاية أسبوع مثل الكابوس للملايين من سائقي السيارات”.
فيما دعا رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون الشركات النفطية والنقابات إلى “تحمل المسؤولية” معتبرا أن “الإغلاق ليس وسيلة للتفاوض”.
ولوحظ الفترة الأخيرة تأخر بعض حافلات شركة النقل (RATP) عن مواعيدها المعتادة رغم تصريحات الشركة بأن مخزونها “كاف حاليا ويتم جدولة عمليات التسليم”.
وأعرب يوين دوبوي مدير شبكات “أوبتيل” (Optile) عن قلقه، في تغريدة نشرها على تويتر الاثنين، ذكر فيها أن “حالة مخزون الوقود داخل شركات الشبكة حرجة ومسألة توقف الحافلات أصبحت وشيكة”.
وفي سياق متصل، طالب الاتحاد الوطني لسيارات الأجرة وزارة الداخلية بإعطائه الأولوية في الوصول إلى محطات الوقود لأن مستقبل هذه المهنة أصبح على المحك.
جدير بالذكر أن ما بين 20% و30% من سائقي سيارات النقل (VTC) توقفوا فعليا عن العمل بسبب صعوبات التزود بالوقود.
وقال حسان سائق سيارة أوبر، للجزيرة نت، إن عدد سيارات شركة النقل الأميركية (أوبر) تضاءل الأيام الأخيرة، مشيرا إلى أنه يرفض طلبات المسافات الطويلة لتجنب الرحلات الفارغة ذهابا أو إيابا.
فوضى وطوابير طويلة
تدخلت الشرطة، صباح الاثنين، في مقاطعة باريس لتنظيم حركة المرور وتأمين المنطقة، إذ اضطر بعض السائقين لدفع سياراتهم في حارة التوقف بحالات الطوارئ.
وقد أعلنت وزارة انتقال الطاقة ضرورة التزود بـ 30 لترا فقط من الوقود للأفراد و120 لترا للشاحنات الكبيرة في عدة محافظات، مثل “ألب دو هوت بروفانس وفار”.
ومن المشاهد الطريفة التي تم تداولها على نطاق واسع، مقطع فيديو لمواطنين يحاولون دفع سيارة تابعة للشرطة بعد نفاد الوقود.
وعاد سائق أوبر ليشير إلى أنه انتظر قرابة 3 ساعات للحصول على البنزين منتصف ليلة الأحد، معتبرا أنه “رغم ارتفاع أسعار الوقود، فإن الخوف من نقص البنزين يهب رياحا من الذعر بمحطات الخدمة مما أدى لوقوع حالة من الفوضى، خاصة بعد إقدام عدد من السائقين على تعبئة صفائح المياه والبراميل خُفية بكميات أكبر من المسموح به”.
مشاهد ابفوضى المتكررة انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل، ودفعت بوزيرة الطاقة، أنييس بانييه روناتشر، إلى تحذير السائقين من عمليات الشراء بدافع الخوف من نفاد الوقود.
وأضافت الوزيرة في بيان حصلت الجزيرة نت على نسخة منه “نواجه اندفاعا إلى المحطات يتجاوز الاستهلاك المعتاد للوقود” مشيرة إلى أن “الطلب على الوقود زاد بنسبة تصل إلى 30% في بعض المناطق”.
وأصبح “Essence/Gasoil now” التطبيق الأكثر تحميلا على الهواتف خلال الـ 24 ساعة الماضية، متفوقا على “تيك توك” و”ديليفرو” للتعرف على خريطة محطات الوقود التي لا يزال لديها مخزون من البنزين والديزل.
تداعيات خطيرة
لم يسلم قطاع الصحة من الأزمة، إذ يعاني عدد من المسعفين من الوقت الضائع في البحث عن محطات لم تتأثر من انقطاع الإمدادات، وهذا يعني عدم تمكنهم أحيانا من تقديم الرعاية اللازمة في الوقت المناسب ونقل المرضى بحالات الطوارئ.
ففي إقليم إيزير، تحتاج سيارات الإسعاف البالغ عددها 60 مركبة من 15 ألفا إلى 18 ألف لتر ديزل شهريا، وتقطع كل واحدة منها 250 كيلومترا في المتوسط يوميا.
يذكر أن 10 محطات نفد مخزونها تماما، وحوالي 40 تفتقر إلى وقود واحد على الأقل من بين ما يقرب من 180 محطة بالإقليم، وفق لوران بريفوست محافظ إيزير.
بالإضافة إلى ذلك، لم تستطع خطوط الحافلات المدرسية من توصيل التلاميذ في عدة مناطق، مثل إيسبون وسوم وأميان، الاثنين، بسبب نقص إمدادات الوقود في محطات توتال التي أبرمت معها عقود تعاون.
اللجوء للمخزون الإستراتيجي
حاولت رئيسة الوزراء طمأنة المواطنين بقولها إن توترات إمدادات الوقود في محطات الخدمة “ستتحسن على مدار الأسبوع” بفضل وصول “شحنات خاصة” من المخزونات الإستراتيجية.
وأوضحت “الإجراءات التي تم اتخاذها ستتيح إمكانية زيادة التسليم بنسبة 20% مقارنة بالتدفقات المعتادة والترخيص بفتح المستودعات والتسليم في عطلة نهاية الأسبوع”.
يُذكر أن فرنسا تمتلك ما يعادل 3 أشهر من الاستهلاك في مخزون النفط، أي ما يعادل 18 مليون طن من الاحتياطيات، ولا تمتلكها الحكومة بشكل مباشر وإنما يتم إدارتها من قبل شركة إدارة المخزونات الأمنية (Sagess) التي تجمع مشغلي النفط.
وتتوزع هذه المخزونات الإستراتيجية على 98 مستودعا تجاريا و8 مصافي تكرير وموقع في بلدة مانوسك، بمنطقة شمال وسط.
ومنذ عام 1925، صدر قانون يهدف إلى “توفير مخزون النفط” باعتباره موردا إستراتيجيا لا يقدر بثمن، وقد تسببت أزمة قناة السويس عام 1956 في تعزيز فرنسا لإستراتيجيتها التخزينية تجنبا لأي نقص في الإمداد.
ويمكن للحكومة اتخاذ قرار استخدام هذه المخزونات الإستراتيجية التي تتعلق بالاستخدامات المدنية فقط، بما في ذلك الديزل والنفط الخام ووقود الطائرات “الكيروسين” والتدفئة والبنزين، أما المخزون الذي يهدف لضمان إمداد الجيش، فيدار مباشرة من قبل وزارة القوات المسلحة.