الفساد والمحسوبية والمحاصصة أبرز أسباب تضخم أعداد أصحاب الرتب العليا في العراقية
رغم أن العراق لا يشهد حالة حرب حقيقية في الوقت الراهن، فإن هناك كثيرا من المناصب والرتب العليا داخل المؤسسة العسكرية وخارجها بعناوين شتى، في مشهد لم يعشه العراق قبل عام 2003، يرى مراقبون أنها خارج الهياكل التنظيمية وخارج الضوابط، وترهق الموازنات المالية بسبب قوة الامتيازات التي تمنح لهذه المناصب التي تأتي عن طريق الأحزاب السياسية من دون مؤهلات مستحقة، وإنما عن طريق المحاصصة والمحسوبية.
يقول الخبير الأمني، أعياد الطوفان، إن من أكثر المآسي في عراق ما بعد 2003 قضية الرتب، سواء في وزارة الداخلية أو الدفاع.
ويضيف -في حديث صحفي قبل أيام- أنه منذ تأسيس الجيش العراقي عام 1921 ولغاية 2003، كان عدد من حملوا رتبة فريق وفريق أول 81 ضابطا فقط، بينما خلال الـ19 عاما الماضية، كان هناك 120 ترفيعا لرتبة فريق وفريق أول في الجيش والداخلية.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير الأمني سرمد البياتي أن من أسباب الترهل في الرتب العسكرية العليا في المؤسسة العسكرية يعود لعدم إحالة من يصلون السن القانونية إلى التقاعد، وهناك كثير من كبار الضباط لا يرغبون في الإحالة للتقاعد بسبب الامتيازات التي يتمتعون بها.
ويقول البياتي إن الترهل واضح وكبير، الأمر الذي دعا القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي في وقت سابق إلى عدم الموافقة على ترقية الضباط من رتبة عميد إلى رتبة لواء لجدولي ترقية، ولكن الإحالة إلى التقاعد هي الوسيلة الأفضل لوقف الترهل، وهذا يجب أن ينطبق على المؤسسات المدنية أيضا، خاصة بعدما حددت الحكومة في وقت سابق سن التقاعد من 63 عاما إلى 60 عاما.
وبالمقارنة بين التنظيم الإداري للجيش العراقي السابق والجيش الحالي، أوضح البياتي عدم وجود رتب عسكرية عليا بهذه الكثافة قبل 2003، إذ إن رتبة عميد ركن كانت تشغل منصب قائد فرقة عسكرية، وبالكاد أن يكون قائد الفيلق برتبة فريق ركن، وأعداد الرتب العليا قليلة جدا مقارنة عما عليه الواقع الآن.
ولا توجد إحصائية رسمية بأعداد كبار الضباط في المؤسسة العسكرية أو الأمنية في العراق، غير أن مراقبين يرون الأعداد بالمئات، ومنها رتب مرشحة من قبل أحزاب سياسية نافذة.
وحسب قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي في العراق، فإن ترقية الرتبة تتم وفق ضوابط، فإن رتبة ملازم تمنح للشخص بعد تخرجه من الكلية العسكرية أو كلية الشرطة، ثم ملازم أول بعد مرور 3 سنوات، ثم نقيب بعد مرور 3 سنوات، والرائد 4 سنوات ليترقى لرتبة مقدم، ثم 4 سنوات أخرى ليصبح عقيدا، و4 أخرى ليصبح عميدا، ومن عميد إلى لواء 6 سنوات، ومثلها رتبة فريق 6 سنوات أيضا، على ألا يتعرض الضابط لعقوبات خلال فترة استحقاقه الترقية والترفيع.
ضعف الهيكل التنظيمي
يقول اللواء المتقاعد الدكتور عدنان بهية، وهو أحد قيادات القوة البحرية في الجيش العراقي السابق أن الرتب العسكرية العليا في وزارتي الدفاع والداخلية اليوم أشبه بالتنظيمات الهجينة بسبب ضعف الهيكل التنظيمي الخاص بالمناصب، إذ يجب أن يكون هناك عدد محدد للرتب العليا وحتى الدنيا، ولا يمكن أن يكون هناك أكثر من شخص على المنصب نفسه، مشيرا إلى وجود ضباط غير مؤهلين، وغير مسلكيين ولم يتدرجوا بالرتب والترفيع والتسلسل الوظيفي، فمنهم من أتى من خلال حصص الأحزاب السياسية، ليدخل ضمن المنظومة العسكرية ويمنح الرتبة حسب تأثير ونفوذ الحزب الذي رشحه للمنصب.
ويوضح بهية أن الذين منحوا رتبا أو وظائف عليا، منحوا من غير استحقاق، وهم أشخاص لم يدخلوا من قبل كليات عسكرية، ويمنحون رتبا عليا ثم يوظفون في وزارتي الدفاع والداخلية من دون أن يؤدوا أعمالا وظيفية حقيقية ضمن التخصص، خاصة أنهم لم يشاركوا على سبيل المثال بدورات تطويرية أو دورات اختصاص.
وحسب النظام العسكري في العراق فإن أي ضابط لا يمكن أن يترقى من دون أن يشارك في دورات تدريبية وتأهيلية خاصة لأمراء الوحدات والتشكيلات، والمشكلة الأكثر تعقيدا لا يمكن إحالتهم إلى التقاعد بسبب انتماءاتهم السياسية.
ويشير بهية إلى أهمية وجود هيكل تنظيمي محكم في المؤسسة العسكرية يطبق من قبل مديرية التنظيم في رئاسة أركان الجيش بشكل دقيق وعادل على الجميع، ليحال عدد كبير من الضباط إلى التقاعد لأسباب تجاوز العمر المحدد، ولأسباب صحية، ولعدم وجود المنصب لإشغاله، مستدركا بالقول إن هناك مناصب تستحدث مثل استشاري أو رئيس لجنة وغيرها، وجميعها خارج الهيكل التنظيمي للمؤسسة العسكرية، ومكلفة من حيث الامتيازات، مشيرا إلى أن المؤسسة العسكرية لا تفصح عن الأعداد الحقيقية للرتب العليا.
وعن تجاوز الأعمار القانونية لضباط الصف والجنود، يؤكد بهية أن التنظيم هو من يحدد الأعمار، وتكون الامتيازات وفقا للاستحقاقات، وغالبا ما يكون هناك جنود رتبهم لا تناسب أعمارهم أو أقرانهم، لذلك فإن الخدمة العسكرية الإلزامية ضرورية ليكون هناك جنود احتياط ورتب صغيرة، لسد الثغرات والمناصب الأدنى.
وفي منتصف عام 2017، أوقف رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة الأسبق حيدر العبادي الترفيع العسكري، وذلك لأول مرة في تاريخ العراق الحديث منذ عام 1958، في محاولة لمعالجة الترهل في السلك العسكري.
ترهل غير مسبوق
المحلل السياسي فلاح المشعل يرى أن تضخم الرتب العليا والمناصب المدنية والعسكرية يأتي نتاج الفساد الإداري والمالي في البلاد، خاصة أن هناك عشرات المستشارين في دوائر الرئاسات الثلاث بدون عمل حقيقي لهم، فقط يتقاضون رواتب كبيرة وامتيازات وحمايات دون فائدة للمجتمع والدولة، وكذا الحال مع نواب البرلمان ومكاتبهم ناهيك عن المستشارين والخبراء والدرجات الخاصة التي يتحصل عليها الوزير ويحولها لأصدقائه وأقاربه والمحيطين به.
ويضيف المشعل أن كل هذا أدى إلى ترهل لم يسبق أن حدث في العراق أو أي دولة في التاريخ الحديث، والحالة تنسحب أيضا على المحافظات والمجالس المحلية والدوائر التي تنشئها الرئاسات أو المجالس المحلية من دون فائدة ترتجى، فقط لإرضاء الأحزاب والمحاصصة السياسية وتوزيع الكعكة كما يصفونها هم.
ويشير المشعل إلى أن وزارة الخارجية -على سبيل المثال- فيها مئات الموظفين في سفارات بدول أخرى، ليست لها مع العراق علاقات تجارية أو اقتصادية أو حتى جالية عراقية، خاصة في بعض دول أفريقيا وآسيا.
الدرجات الوظيفية الخاصة
ومن الناحية الاقتصادية، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش إن الدولة العراقية، خاصة بعد عام 2003، أُثقلت بوجود نحو 4500 درجة وظيفية خاصة بين مديرين عامين ووكلاء وزارات ومستشارين وضباط، والمشكلة أن رواتب هؤلاء خارج سلم الرواتب بسبب إضافة مخصصات المنصب ومخصصات الدرجة الخاصة، فضلا عن الحوافز والنسب من الصفقات ومن الأرباح، وهذه المناصب أدت إلى التنافس غير الفني وغير العملي.
ويضيف حنتوش: أن الصراع على المناصب لم يأت بفوائد للبلد، ولا بد من منح المناصب لذوي الاختصاص، وممن تدرجوا بالوظيفة الذين يملكون رؤى أفضل في تنمية القطاعات الهندسية والطبية والصناعية والتجارية وحتى العسكرية.
وتحصل المناصب العسكرية والمدنية غير الضرورية على مخصصات مالية كبيرة، تعادل راتب وزير أو تفوقه أحيانا، فضلا عن المخصصات الأخرى كالنثريات والحمايات والسيارات.