بين باشاغا والدبيبة وخيار ثالث.. أين تقف تركيا من الأحداث في ليبيا؟
شهدت ليبيا مؤخراً عودة إلى الصراع المسلح بين الأطراف الداخلية، الأمر الذي تطلب من أنقرة اتخاذ موقف مما يجري، لكونها أحد أبرز العناصر الفاعلة هناك، لا سيما وأنها ترتبط مع طرابلس باتفاقات هامة مثل اتفاقية تحديد ترسيم الحدود البحرية.
وعلى وقع الاشتباكات المسلحة التي كانت تتواصل في ليبيا، استقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كلاً من رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، وكذلك رئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، لتثير رحلتهما التكهنات والتساؤلات، ولا سيما مع مجيئها عقب أيام من اشتباكات دامية في طرابلس بين تشكيلات عسكرية محسوبة على كل منهما.
وتسابقت المنصات الإعلامية للجانبين على بث صور اللقاءات والأنباء المتعلقة بها لإظهار قوة تحالفهما مع تركيا، وهو ما أثار التساؤلات حول الدور الذي تلعبه تركيا في تطويق الخلاف بين حليفيها الدبيبة وباشاغا، ودلالة وجود الرجلين في مدينة إسطنبول في الوقت ذاته.
لقاءات على وقع الرصاص
جاءت زيارة الدبيبة وباشاغا إلى تركيا بعد أيام من مواجهات بين قوات تابعة لحكومة الوحدة وأخرى موالية لحكومة باشاغا، أسفرت عن مقتل 32 شخصا معظمهم مدنيون، وإصابة عشرات آخرين، قبل أن تتراجع التشكيلات الموالية لباشاغا.
وتمكّنت الأمم المتحدة العام الماضي بالتعاون مع القوى الفاعلة -ومنها تركيا- من تأسيس حوار ليبي ليبي، ومسار سياسي كان من المفترض أن يتوّج بانتخابات تعقد في ديسمبر/كانون الأول 2021، لكن تعذر إجراؤها.
ومنذ ذلك الحين، قرر مجلس النواب المنعقد في طبرق والذي يرأسه عقيلة صالح إقالة حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس التي كانت محل توافق بين الشرق والغرب الليبيين، وتكليف فتحي باشاغا برئاسة حكومة تمهيدا لإجراء الانتخابات، وهو ما رفضه الدبيبة متعهدا بعدم تسليم الحكومة إلا لأخرى منتخبة
مباحثات منفردة
وفيما نشرت حكومة الوحدة في طرابلس صورا جمعت الدبيبة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اكتفت وسائل الإعلام التابعة لفتحي باشاغا بنشر أخبار عن دعوة تركية رسمية له باعتباره رئيس وزراء مكلفا من مجلس النواب.
ونقلت شبكة الجزيرة القطرية، عن مصادر إعلامية من أنقرة أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس المخابرات هاكان فيدان، التقوا مع الدبيبة وباشاغا، كل على حدة.
وتداولت الأوساط الإعلامية في ليبيا ما قالت إنها تسريبات رشحت عن المباحثات التركية الليبية، حيث ذهب بعضها إلى إمكانية تولية رئيس وزراء جديد هو وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية بدر الدين التومي، أو وزير الصحة بذات الحكومة رمضان بو جناح، فيما تحدثت تقارير عن إمكانية الذهاب إلى حكومة ثالثة.
أيهما أقرب إلى تركيا؟
ونقل تقرير لشبكة الجزيرة القطرية، عن مصادر مقربة من فتحي باشاغا، قولها إن “تركيا أكدت ضرورة نبذ العنف وتجنب التصعيد وتلافي الاقتتال، وحل الأزمة السياسية الراهنة والانسداد الحاصل بوجود حكومتين متنازعتي الشرعية”.
وأوضحت المصادر ذاتها -التي اشترطت إخفاء هويتها- أن الجانب التركي أكد على “ضرورة وضع خارطة طريق توافقية تقود إلى الانتخابات بقاعدة سليمة وبرعاية أممية، غير أنها لم تبدِ دعمها لحكومتي باشاغا والدبيبة، ولم تفصّل في ملامح الخارطة المطلوبة”.
بدوره، كتب سفير ليبيا السابق لدى تركيا عبد الرزاق مختار منشوراً في فيسبوك، اتهم فيه الدبيبة بـ”تزوير الحقائق من خلال زجّه للدولة التركية ورئيسها كداعمين ومناصرين له”.
وقال مختار إنه لمس من خلال عمله سفيرا ولقاءاته المباشرة مع أردوغان، أن الأخير “يحرص على حرمة الدم الليبي، ويؤكد على التداول السلمي للسلطة والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف وإنهاء المراحل الانتقالية والوصول إلى الانتخابات”.
ووسط التراشق الإعلامي الليبي بشأن موقف أنقرة الحقيقي من نزاع الدبيبة وباشاغا، يثور تساؤل حول ما إذا كانت المقاربة التركية في ليبيا قد تغيرت، ولا سيما بعد استقبالها رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، وعدم الانحياز لأي طرف في النزاع الأخير.
تطوير لا تغيير
في هذا الصدد، يعتقد الباحث المتخصص في الشأن التركي سعيد الحاج أن المقاربة التركية في المسألة الليبية ما زالت على حالها، مؤكدًا أنها “لم تتغير بشكل جذري، لكن ربما طورتها مؤخرا”.
ورأى الحاج أن المقاربة التركية منذ البداية تعتمد على ركيزتين:
تتضمن الأولى رفض الحلول العسكرية في الخلافات الداخلية، ودعم الحل السياسي.
وتتمثل الثانية في استقرار ليببا الذي هو مصلحة مشتركة للبلدين، لأنه يحفظ الاتفاقات التي أبرمتها تركيا مع حكومة الوفاق السابقة برئاسة فايز السراج، فيما يتعلق بالتعاون الأمني والعسكري وترسيم الحدود البحرية.
إلا أن هذه المقاربة طرأ عليها تغيير مؤخرًا، وفقا للباحث في الشأن التركي الذي شدد على أنه ليس تغييرا جذريا، فهو “يتعلق أكثر بالأسلوب والخطاب”.
ويتجلى هذا التغيير في الانفتاح على جميع الأطراف، وعن ذلك يقول الحاج “بالرغم من أن باشاغا كان دائما يوصف بأنه رجل تركيا في ليبيا، لكن ليس هناك انحياز لصالحه”، مضيفا “هناك انفتاح أكبر حاليا على شخصيات الشرق الليبي مثل استقبال عقيلة صالح مؤخرا”.
ولفت إلى أن “جزءا من دوافع هذا التغيير متعلق بتعقيدات المشهد الليبي الداخلي، فيما الجزء الآخر منها متعلق بحالة الحوار والتنسيق الإقليمي التي حسنت علاقة تركيا بمختلف الأطراف المنخرطة والمؤثرة في ليبيا”.
ويرى الحاج أن “تركيا بطبيعة الحال أقرب إلى حكومة الدبيبة، لكنها لا تعلن ذلك بشكل صريح ولا تدين بشكل مباشر أطرافا أخرى مثل باشاغا، إنما تدعو للحوار وللانتخابات، وهذا يعني ضمنا دعم حكومة الدبيبة”.
خيار الحكومة الثالثة
وبشأن احتمال التوافق على رئيس جديد للحكومة، أكد مصدر في المجلس الأعلى للدولة -فضل عدم ذكر اسمه- أن رئيس المجلس خالد المشري أبلغ أعضاءه قبل ذهابه إلى القاهرة بأنه سيناقش هناك تشكيل حكومة ثالثة يترأسها هو شخصيا.
وأوضح المصدر -في حديث للجزيرة نت- أن الأمر كان سيتم بالاتفاق بين المشري ورئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح برعاية مصرية.
وتتوافق هذه الأنباء إلى حد كبير مع تصريحات سبقتها لعضو المجلس الأعلى للدولة عبد القادر حويلي، تحدث فيها عن مشاورات بين المجلس والجانب المصري حول مقترح تشكيل حكومة ثالثة برئاسة المرشح الرئاسي محمد المزوغي.
وفي سياق مواز، تحدثت مصادر إعلامية ليبية في تركيا -للجزيرة نت- عن مجموعة لقاءات منفردة عُقدت بين الرئاسة التركية وكل من الدبيبة وباشاغا، ورئيس الحزب الديمقراطي محمد صوان، والمشري.
محاولات لم تنجح بعد
وبحسب التسريبات والمعلومات الواردة من تركيا، لا تظهر أية مؤشرات عن تمسك تركي بخيار محدد في جهود الوساطة التي تقوم بها فيما يتعلق بحل النزاع بين باشاغا والدبيبة.
ويرى الأستاذ في جامعة قطر الخبير بالشأن التركي علي باكير أن “أنقرة تحاول أن تبقي خطوطها وأبوابها مفتوحة مع الجميع، لأن دور الوساطة يفترض بل يتطلب وجود علاقة مع طرفي النزاع”.
ويؤكد سعيد الحاج، أن ما تسعى إليه تركيا حاليا هو إغلاق الباب تماما أمام الحلول العسكرية، وإجراء وساطة بين الأطراف، إذ تملك أوراقا لا يملكها آخرون تكمن في علاقاتها الجيدة جدا مع الطرفين الدبيبة وباشاغا.
واعتبر أن “زيارات الأطراف الليبية إلى تركيا تشير إلى أنها تسعى على أقل تقدير إلى إجلاسهما مع بعضهما، وهي محاولات لم تنجح حتى اللحظة”. وشدد على أن تركيا منفتحة على جميع الخيارات السياسية، بما في ذلك الإبقاء على حكومة الدبيبة أو حكومة ثالثة أو التوافق على شيء آخر مشترك.