هزيمة مدوية لمنافسيه في معقلهم.. هل يعود عمران خان إلى الحكم من بوابة برلمان البنجاب؟
في تطور خالف أغلب التوقعات، حقق حزب الإنصاف الباكستاني -بزعامة رئيس الوزراء السابق عمران خان- فوزا كاسحا في الانتخابات الفرعية لإقليم البنجاب، حيث حصل على 15 مقعدا من أصل 20.
وفي المقابل، حصل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف) على 4 مقاعد، والمستقلون على مقعد واحد، وفقا للنتائج النهائية غير الرسمية التي أوردتها قناة “جيو نيوز” (GEO News) ووسائل إعلام باكستانية أخرى.
وكانت التوقعات الأولية تشير إلى صعوبة فوز حزب الإنصاف في هذه الانتخابات، خاصة أنها تُعقد في إقليم البنجاب الذي يعد معقل حزب الرابطة الإسلامية، المنافس الأقوى والوحيد للإنصاف في هذا الإقليم.
ووفقا للنتائج غير الرسمية، فاز حزب الإنصاف في المدن الرئيسية بإقليم البنجاب، وعلى رأسها لاهور (عاصمة الإقليم) بـ3 مقاعد من أصل 5، كما فاز في مدينة فيصل آباد وديرا غازي خان وساهيوا ومُلتان، بالإضافة إلى مدن أخرى.
في حين فاز حزب الرابطة بمقعد واحد فقط في لاهور، ومقعد في روالبندي، ومقعد في بهوالنجر، ومقعد في مظفرجاره، وكان المقعد الخامس في لاهور من نصيب المستقلين.
اكتساح في وقت مهم
يمثّل هذا الفوز أهمية كبرى بالنسبة لحزب الإنصاف وزعيمه عمران خان، خاصة بعد أن تم الإطاحة بحكومته الفدرالية عبر التصويت على حجب الثقة أبريل/نيسان الماضي. وتولي تحالف المعارضة -بقيادة حزب الرابطة- مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، وأثرت تلك الأحداث إلى حد ما على شعبية حزب الإنصاف وزعيمه.
والأمر الأكثر أهمية في هذا الفوز، هو فرصة حزب الإنصاف الآن في استعاد السيطرة على برلمان إقليم البنجاب، وبالتالي القدرة على الإطاحة بحمزة شهباز شريف من رئاسة وزراء الإقليم، والفوز بالمنصب مجددا في الانتخابات التي سيتم إجراؤها يوم 22 يوليو/تموز الجاري.
فبحصوله على 15 مقعدا، يصبح عدد المقاعد لتحالف حزب الإنصاف وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح قائد أعظم) 188 مقعدا من أصل 371 في البرلمان، بينما يحظى حزب الرابطة (جناح نواز شريف) بدعم 179 مقعدا. وبالتالي يستطيع التحالف الإطاحة بحمزة شهباز شريف.
ويأتي هذا الفوز بعد أشهر من الصراع في أكبر الأقاليم الباكستانية حول منصب رئاسة وزراء الإقليم، بالإضافة إلى الصراعات السياسة داخل البرلمان.
ويرى مؤيدو حزب الإنصاف أن المعركة الانتخابية التي خاضها ليست ضد حزب الرابطة فحسب، وإنما ضد جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة أيضا.
وهنأ عمران خان العاملين في الحزب وأنصاره بالفوز الساحق، وقال إن هذه الهزيمة ليست لحزب الرابطة فقط وإنما لجهاز الدولة بشكل كامل وللجنة الانتخابات الباكستانية التي وصفها بـ”المنحازة تماما”.
فوز خارج القواعد
لم تكن التوقعات قبل الانتخابات متفائلة بشأن تقدم حزب الإنصاف، إذ إنه ينافس أكبر الأحزاب الباكستانية في معقله، وهو ما جعل من الصعب التكهن بهذه النتيجة الكبيرة التي أثارت التساؤلات عن العوامل التي أدت إلى هذا الفوز.
وكانت قناة “جيو نيوز” الباكستانية نشرت تقريرا قبل الانتخابات استعرضت خلاله نقاط القوة والضعف لكلا الحزبين، وقال التقرير إن مرشحي حزب الرابطة أغلبهم من أعضاء حزب الإنصاف سابقا وانسحبوا منه خلال الأشهر الماضية بعد سحب الثقة من حكومة عمران خان. إلى جانب عوامل مؤثرة في شعبية الحزبين كالتضخم والوضع الاقتصادي الذي تراجع بعد الإطاحة بحكومة خان.
وقال التقرير إن ما بين 30 إلى 45 ألف ناخب جديد تم إضافتهم إلى سجلات الناخبين في المناطق الحضرية بعد انتخابات عام 2018، وعادة ما يصوت الناخبون في المناطق الحضرية للأحزاب، بدلا من الأفراد. بالإضافة إلى ترشيح أعضاء لديهم شعبية أو من عائلات وعشائر مؤثرة، كما حصل الحزب على دعم المجموعات الدينية (السنية والشيعية) في بعض الدوائر الانتخابية.
وتتعلق أسباب أخرى بنقاط ضعف حزب الرابطة الإسلامية، مثل الخلافات الداخلية حول ترشيح الأعضاء، وهو ما أدى إلى تقسيم القاعدة الشعبية للحزب، بالإضافة إلى عدم وجود خطة واضحة أو حملة انتخابية قوية له.
ويرجع كبير الباحثين في “مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية” بإسلام آباد، أحسن علي زاهد -في حديث للجزيرة نت- فوز حزب الإنصاف الساحق في البنجاب، إلى ما وصفها بالحملة الفعالة لقيادة الحزب خاصة بعد 10 أبريل/نيسان (تاريخ الإطاحة بحكومة خان)، جنبا إلى جنب “أداء رئيس الوزراء السابق المثير للإعجاب” في التجمعات الانتخابية.
من جهته، يقول المحلل السياسي فضل بانغش، إن شخصية عمران خان كانت عاملا حاسما في الانتخابات، حيث أدار حملة انتخابية سريعة مستندا إلى “مسألة المؤامرة الخارجية” (السبب الذي أعلن أنه وراء الإطاحة بحكومته)، وحث الناخبين على “الجهاد” وهزيمة “الخونة” وتحقيق “الاستقلال الحقيقي لباكستان ومنع أي تدخلات خارجية”. وحسب بانغش، فإن “هذا لاقى رواجا عند الشعب الباكستاني”.
لكن الباحث والمحلل السياسي مدثر عزيز، قال للجزيرة نت إن الدوائر العشرين لم تكن تنتمي لحزب الرابطة الإسلامية؛ حيث فاز حزب الإنصاف أو المستقلين بأغلبها في انتخابات 2018، وبذلك يمكننا القول إن حزب الإنصاف احتفظ بمقاعده السابقة بالإضافة إلى 7 مقاعد أخرى.
ما بعد الفوز
لا تقتصر انعكاسات فوز حزب الإنصاف على الوضع السياسي في إقليم البنجاب فقط، بل تؤثر على المشهد السياسي في باكستان عامة.
وفي هذا، يقول المحلل مدثر عزيز إن فوز الإنصاف سيؤثر على موقف حكومة التحالف، ومن المؤكد أنه سيزيد من الضغط السياسي عليها لإجراء انتخابات عامة مبكرة، ولكنه لن يؤثر بشكل مباشر على الحكومة الفدرالية، بل على حكومة المقاطعة فقط.
لكن المحلل فضل بانغش يرى أن شهباز شريف قد يعلن انتخابات مبكرة، وإذا لم يفعل، فهناك احتمال كبير بأن يلجأ برويز إلهي، الذي يتوقع أن ينتخب رئيسا لوزراء البنجاب، إلى حل برلمان الإقليم، وهذا سيجبر شهباز شريف على حل البرلمان الفدرالي. وكذلك يمكن أن يفعل رئيس وزراء إقليم خيبر بختونخوا الذي يسيطر عليه حزب الإنصاف، وهذا سيزعزع الحكومة الفدرالية.
وتختلف تقديرات المحللين حول انعكاسات تقدم حزب الإنصاف في البنجاب على الانتخابات العامة المقبلة؛ فيقول عزيز إن ذلك ليس مقياسا على الإطلاق، فالسيناريو مختلف تماما ما بين الانتخابات المحلية والعامة. ورأى أن الإنصاف سيفوز إذا جرت انتخابات عامة مبكرة خلال هذا العام، ولكن إذا تأخرت إلى العام المقبل، فإن السيناريو يمكن أن يتغير.
بينما قال زاهد إنه بالرغم من فوز حزب الإنصاف في البنجاب، فإن هذا غير مضمون في الانتخابات العامة المقبلة عام 2023.
ويضيف زاهد أن على قيادة الإنصاف ورئيس الوزراء السابق خان إعادة النظر في سياسات الحزب، والإعلان عن كيفية تحقيق حكومته للاستقرار الاقتصادي في باكستان، لضمان تقدمه في الانتخابات العامة.
أكبر الأقاليم وأكثرها تأثيرا
وإقليم البنجاب أكبر الأقاليم الباكستانية من حيث عدد السكان بنحو 110 ملايين نسمة، وأكثرها تأثيرا في الحياة السياسية في باكستان، ولطالما كان الإقليم معقلا لحزب الرابطة الإسلامية.
ولعب الإقليم دورا كبيرا في فوز الرابطة أكثر من مرة في الانتخابات العامة على مدار عقود من المنافسة السياسية، حيث تولى زعيمها نواز شريف رئاسة الوزراء في باكستان 3 مرات.
ويقول مدثر عزيز إن البنجاب أهم إقليم في المشهد السياسي بباكستان وتؤثر نتائجه بشكل مباشر على تشكيل الحكومة الفدرالية، لأنه يضم نحو نصف المقاعد العامة، وإذا حصل أي حزب على زمام المبادرة فيه، فيمكنه تشكيل حكومة فدرالية.
ويؤكد على ذلك فضل بانغش، الذي يذكر أن إقليم البنجاب له 148 من 272 مقعدا منتخبا بشكل مباشر في الجمعية الوطنية (البرلمان) وأيضا في مجلس الشيوخ الباكستاني، مضيفا “نستطيع أن نقول إن سياسة باكستان تدور حول إقليم البنجاب”.