كيف سحقت الأزمات الاقتصادية ملايين الألمان؟
تشهد ألمانيا إحدى أقسى الأزمات الاقتصادية في تاريخها، منذ توحيد نصفيها الشرقي والغربي، حيث تتشارك في خط معالم هذا الوضع تبعات الحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء في الأسواق العالمية، ما أوصل مستويات التضخم في البلاد إلى أقصاها منذ شهور كما أحدث ركوداً اقتصادياً متزايداً.
هذه الأوضاع علاوة على أنها تضع حكومة المستشار أولاف شولتس في موقف حرج، تمس بشكل كبير جيوب المواطنين الألمان. حيث تفيد إحصاءات رسمية بارتفاع مستويات الفقر بينهم، كذلك تفشي الهشاشة بين ما يزيد عن 13.8 مليون ألماني.
الفقر يتفشى وسط الألمان
في تقريرها الصادر يوم الأربعاء، قالت جمعية “رعاية التكافؤ Paritatische Gesamtverband” الألمانية، بأن مستويات الفقر في البلاد ارتفع في عام 2021 إلى 16.6% ، وهو وضع يرجّح أن يتدهور أكثر بسبب التضخم الذي يعصف باقتصاد البلاد جراء التبعات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا.
وأشارت الجمعية إلى أنه “في ألمانيا ، يوجد حاليا 13.8 مليون شخص بين الفقراء، وهو ما يزيد بمقدار 600 ألف عن ما قبل الوباء”. معتمدة في خلاصتها على المعايير الأوروبية، التي تعتبر جميع الأشخاص الذين يقل دخلهم عن 60% من متوسط الدخل فقراء.
وأرجع التقرير المذكور هذا الارتفاع إلى تبعات تفشي جائحة كورونا، حيث إن العاملين كانوا أبرز الفئات التي شهدت هذه الزيادة الكبرى في معدلات الفقر، بخاصة أولئك العاملين لحسابهم الخاص، والذين اضطروا إلى تحمل الخسائر المالية بأعداد كبيرة أثناء الوباء. وارتفع معدل الفقر بينهم من 9 إلى 13.1%. تنضاف إليهم فئة المتقاعدين بـ17.9% والأطفال والشباب بـ20.8%.
وحسب المتحدث باسم منظمة الأطفال والشباب المسيحية “دي آرتش” ولفجانج بوشر، في حديث له مع وسائل إعلام محلية، أنه “في ألمانيا، إلى اليوم، لم أر أناساً جوعى، بل فقط أطفالاً وبالغين يعانون من سوء التغذية”. ويضيف محذراً “الجوع ليس بعيداً”، في إشارة إلى إمكانية تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد مع تزايد نسب التضخم.
أوضاع اقتصادية عسيرة
هذا ويحقق التضخم في ألمانيا أرقاماً قياسية، لم يعرف مثيلاً لها طوال السنوات الخمسين الماضية. فحسب أرقام مركز الإحصاءات الفدرالي “ديستاتيس”، نهاية مايو/أيار الماضي، بلغ التضخم نسبة 7.9% على أساس سنوي وفقاً للمعايير المحلية، ونسبة 8.7% على أساس سنوي وفقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي المنسقة.
وخفض البنك المركزي الألماني توقعاته بشأن النمو السنوي لاقتصاد البلاد، من 4.2% كما سبق أن أعلن في ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى 1.9% شهر يونيو/حزيران الجاري. نتائج يؤكدها معهد “IFO” المختص في الدراسات الاقتصادية، والذي خفض هو الآخر توقعاته من 3.1% في مارس/آذار الماضي لتصبح 2.5% في يونيو/حزيران الماضي.
كما حذر سياسيون ورجال أعمال في ألمانيا من أن البلاد تواجه أكبر أزمة اقتصادية منذ عقود، حيث دفع ارتفاع أسعار الطاقة واضطرابات التجارة بالبلاد إلى عجز تجاري شهري في السلع لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً.
وتنعكس هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة على المواطن الألماني بشكل مضاعف، حيث يعاني من ارتفاع أسعار الطاقة الذي بلغ، حسب مكتب الإحصاء الاتحادي، 38.3% في مايو/أيار الماضي مقارنة بالشهر نفسه العام الماضي، وارتفعت أسعار المواد الغذائية كذلك بمعدل فوق المتوسط بلغ 11.1%. كما يهدده الركود الاقتصادي بفقدان عدة مناصب عمل، وينضاف إلى 1.28 مليون عاطل تحويهم البلاد.