اكتشاف نوع جديد من المواد الكيميائية عالية التفاعل في الغلاف الجوي
يتكون الجزء الأكبر من الهواء الذي نتنفسه من النيتروجين، وكمية لا بأس بها من الأكسجين، والقليل من ثاني أكسيد الكربون، لكن بقية الهواء المكون للغلاف الجوي هو موسوعة من المركبات والعناصر المختلفة، التي لا يمكننا إلا التكهن ببعضها.
في دراسة جديدة نشرت في دورية “ساينس” (Science) في 26 مايو/أيار الماضي، تم التركيز على أحد تلك الألغاز، ووجد الكيميائيون أن فئة تفاعلية من المركبات تسمى هيدروتريوكسيدات (هيدروجين ثلاثي الأكسجين) العضوية موجودة في الغلاف الجوي، ورغم بقائها فترة وجيزة فيمكن أن تكون لها تأثيرات لا نعرفها.
مركب جديد
في الواقع، ووفقا لحسابات الباحثين، فإننا نقوم باستنشاق بضعة مليارات من الجزيئات أثناء قراءة هذا المقال، لكن أثر وجود هذه المركبات على صحتك -ناهيك عن سلامة كوكبنا- أمر مجهول بالنسبة لنا، لكن بما أننا اكتشفنا هذا المكون الجديد للتو في الغلاف الجوي للأرض فإن الأمر يستحق البحث.
يقول الكيميائي هنريك جروم كياجارد من جامعة كوبنهاغن في الدانمارك في البيان الصحفي المنشور على موقع “يورك ألرت” (Eurek Alert)؛ “لطالما كانت هذه المركبات موجودة لكننا لم نكن نعرف شيئا عنها، لكن حقيقة أن لدينا الآن دليلا على أن المركبات تتكون وتستمر فترة زمنية معينة يعني أن من الممكن دراسة تأثيرها، والتصدي لها إذا تبين أنها مضرة”.
نكهات مختلفة من الأكسجين
في كثير من الأحيان في الكيمياء يمكن أن تؤدي إضافة مكون واحد جديد إلى تغيير جذري في سلوك المادة؛ فالماء على سبيل المثال يتكون بتفاعل ذرتين من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الأكسجين، والنتيجة هي مركب أساسي للحياة، لكن عند إضافة ذرة أكسجين أخرى نحصل على بيروكسيد الهيدروجين، وهو مركب أكثر تفاعلا يمكن أن يضر بعض أشكال الحياة.
وعند إضافة ذرة أكسجين أخرى على هذا الجزيء الصغير الغاضب نحصل على هيدروتريوكسيد، الذي يستلزم تصنيعه النوع المناسب من معدات المختبر فقط وبعض المركبات العضوية المشبعة والثلج الجاف؛ والأمر ليس بهذه البساطة، لكن الكيميائيين استخدموا إمكاناتهم التصنيعية لإنتاج “نكهات” معينة من الأكسجين الجزيئي كخطوة أولى لإنتاج مواد أخرى مختلفة.
مركب شديد التفاعل
ونظرا لكونه شديد التفاعل، كان هناك سؤال حول إذا كان يمكن للهيدروتريوكسيدات أن تشكل بسهولة مركبات كيميائية مستقرة في الغلاف الجوي. إنها ليست مجرد معلومة أكاديمية غامضة؛ فكثير من الطرق التي يعمل بها غلافنا الجوي -سواء كانت الطرق المعقدة التي يؤثر بها على الصحة أو النطاق الهائل لتغير المناخ العالمي- تنبثق من الطريقة التي تتفاعل بها المواد الموجودة بنسب ضئيلة في الغلاف الجوي.
يقول الباحث الكيميائي في جامعة كوبنهاغن كريستان إتش مولر “تؤدي معظم الأنشطة البشرية إلى انبعاث مواد كيميائية في الغلاف الجوي؛ لذا فإن معرفة التفاعلات التي تحدد كيمياء الغلاف الجوي أمر مهم إذا أردنا أن نكون قادرين على التنبؤ بكيفية تأثير أفعالنا على الغلاف الجوي في المستقبل”.
مصادر محتملة للهيدروتريوأوكسيد
توفر أبحاث الفريق الآن الملاحظات الأولى المباشرة لتكوين هيدروتريوكسيد في ظل الظروف الجوية من عدة مواد معروفة بوجودها في الهواء.
وسمح لهم ذلك بدراسة الطريقة التي يُرجح أن يتم بها تخليق المركب، ومدة استمراره، وكيف يتحلل، إذ يمكن أن يتفاعل أحد هذه الانبعاثات -ويسمى الأيزوبرين- في الغلاف الجوي لتوليد نحو 10 ملايين طن متري من هيدروتريوكسيد كل عام.
وهذا مجرد مصدر واحد محتمل، ولكن استنادا إلى حسابات الفريق فيمكن لأي مركب تقريبا أن يلعب دورا نظريا في تكوين الهيدروتريوكسيدات، التي تظل مستقرة فترات تتراوح بين بضع دقائق وبضع ساعات. وخلال ذلك الوقت، يمكنها المشاركة في عدد كبير من التفاعلات الأخرى مثل العمل كمؤكسد قوي، يمكن أن يكون بعض هذه التفاعلات حبيسا داخل المواد الصلبة المجهرية التي تنجرف مع الرياح.
تسببت موجة غبار، الإثنين، الى توقف حركة الطيران في الكويت لساعات. وكانت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية أفادت بأن الإدارة العامة للطيران المدني أعلنت عن توقف حركة الملاحة الجوية في مطار الكويت الدولي مؤقتا، بسبب حالة الغبار التي تشهدها البلاد حاليا. ( Jaber Abdulkhaleg –
آثار صحية محتملة
يقول كياجارد “من السهل تخيل أن مواد جديدة تتشكل في الهباء (الغبار) الجوي، وتكون ضارة إذا تم استنشاقها، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لمعالجة هذه الآثار الصحية المحتملة”. ونظرا لأن الهباء الجوي يؤثر أيضا على الطريقة التي يعكس بها كوكبنا ضوء الشمس، فإن معرفة كيف تتسبب كيمياؤه الداخلية في نمو هذه المركبات أو تحللها يمكن أن يغير طريقة “نمذجة” مناخنا.
ولا شك أن المزيد من الأبحاث ستبدأ الكشف عن الدور الذي تلعبه الهيدروتريوكسيدات في “المزيج” الجوي لكوكبنا، وكما أشار الباحث في جامعة كوبنهاغن جينغ تشين فإن هذه مجرد البداية. ويقول تشين “إن الهواء المحيط بنا عبارة عن مجموعة متشابكة ضخمة من التفاعلات الكيميائية المعقدة، وبصفتنا باحثين نحتاج إلى أن نكون متفتحين إذا أردنا أن نكون أفضل في إيجاد الحلول”.