تعديل تشريعي في مصر يسهل مصادرة الأموال
أثارت موافقة البرلمان المصري على تعديلات قانون “مكافحة غسيل الأموال” مخاوف لدى الكثيرين من إطلاق يد السلطات الأمنية في مصادرة الأموال دون حكم قضائي بالمخالفة لمواد الدستور، وجعلها رهن تقارير “أمنية”.
ووافق مجلس النواب، الأحد، على تعديلات مقدمة من الحكومة على قانون مكافحة غسل الأموال، بشكل مبدئي، وجعلت التعديلات تلك الجريمة مستقلة بذاتها، ولا تشترط صدور حكم بإدانة مرتكبها في الجريمة الأصلية، متى توافرت للجهات الأمنية أدلة على أن الأموال ناتجة عن أفعال من شأنها الإضرار بـ”أمن البلاد”.
وأثناء جلسة التصويت على التعديلات اعترض عدد من النواب على التعديلات كونه يتجاوز قرينة البراءة ويفتح الباب أمام السلطة من أجل مصادرة أموال الأبرياء بالمخالفة للدستور الذي حظر مصادرة الأموال بدون حكم قضائي.
وبررت الحكومة التعديل بأنه يهدف لسد ثغرة قانونية لا تسمح بمصادرة الأموال عندما يحصل المتهم على براءة بسبب خطأ في الإجراءات أو انتهاء مدة الطعن على المخالفة وانقضاء الدعوى الجنائية.
ويمنح القانون رئيس الجمهورية سلطة تشكيل مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي، وتحديد نظام عمله واختصاصاته ونظام إدارة الوحدة دون التقيد بالنظم والقواعد المعمول بها في الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام.
وفندت النائبة سميرة الجزار، في تصريحات صحفية، عدم اشتراط صدور حكم بالإدانة في الجريمة الأصلية مخالفة للدستور الذي يحظر مصادرة الأموال الخاصة إلا بحكم قضائي، وبأن العقوبة لا بد أن تكون شخصية ولا توقع إلا بحكم قضائي.
الطريق نحو الإفلاس
في سياق تعليقه، قال عضو لجنة الصناعة والقوى العاملة سابقا بمجلس الشورى المصري، طارق مرسي: الحقيقة أننا أمام تصرفات لا يمكن أن تُفَسر بحال على أنها تصرفات دولة بالأساس، فضلاً عن أن تكون دولة راشدة، ويبدو أننا تجاوزنا حالة الجشع التي ميزت الدولة المصرية منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو، وتلبست رأس نظام الانقلاب من حينها وما زالت.
وأكد أن أي متابع للشأن العام يرصد بوضوح حالة عارمة من الجباية والشره تكاد تصم السلوك العام لدولة عبد الفتاح السيسي بكل أركانها ومؤسساتها؛ إن كان هناك ثمة أركان أو مؤسسات بعدما أصبح مزاج الحاكم الفرد هو المهيمن والمسيطر وتندفع كل الجهات لمنافقته وإرضائه.
وتابع مرسي: لا شك أن شبح الانهيار الاقتصادي الذي تعيش في أجوائه الدولة المصرية ربما يزيد من السير في منحى الجباية والقرصنة، وربما في غياب العقل والفكر السياسي يجد البعض في هذا السلوك الشائن والمعيب وسيلة للنجاة أو محاولة تعويم الوضع الاقتصادي، ولكن هيهات.
وحذر في الوقت ذاته من حقيقة قال إنه ينبغي رصدها في هذا الصدد وهي أن صاحب القرار يريد أن يحرر دولة الجباية من أي قيد ويمنح سلطة الضبط حرية استحلال المال ويطلق يد السلطة في التغول على الملكيات العامة والخاصة، ولا بأس أن تدوس البيادة وقبضتها الأمنية على كل الأعراف الثابتة فضلاً عن انتهاك بل وتمزيق كل دستور أو قانون.
واستطرد: لا شك أن هذه التعديلات وكل ما أنتجته دولة الانقلاب منذ قامت؛ هي كارثة على الوطن والمواطن وعلى عجلة الحياة في شقها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والأهم من ذلك القانوني والدستوري.
مصادرة لا مكافحة
وتوقع الخبير الاقتصادي، علاء السيد، أن تصدر السلطات المصرية مثل تلك القوانين المثيرة للجدل والمخاوف في نفس الوقت، قائلا: مثل هذه التشريعات متوقعة خلال الفترة المقبلة وسوف تظهر تشريعات أخرى مماثلة في الغرض الذي هو بالأساس وضع السلطات يدها على الأموال التي تريدها خاصة العملات الأجنبية لأسباب تراها تندرج تحت قانون غسيل الأموال.
وأضاف: هناك أزمة مالية كبيرة في مصر لتوفير النقد الأجنبي، وتبحث الدولة عن توفير أي مصادر أو موارد بشتى الطرق حتى لو كان من خلال مصادرة الأموال تحت مزاعم مكافحة غسيل الأموال أو الانضمام لجماعات “إرهابية”، وغيرها من الذرائع الواهية التي تستهدف جهات وأشخاص بعينهم.
واعتبر السيد أن مثل تلك التشريعات رغم أهمية مكافحة غسيل الأموال، لكنها تبعث برسائل سلبية للمستثمرين المحليين والأجانب وتجعل بيئة الاستثمار غير آمنة، وكان يجب أن تكون التشريعات متوافقة مع القانون، مشيرا إلى أن مصر مرشحة بقوة لأن تواجه أزمات اقتصادية كبرى على غرار ما حدث في اليونان والأرجنتين ولبنان وغيرها من الدول.