لم تنهب مدينته أبدا منذ تشييده.. سور وادان العظيم حارس موريتانيا منذ 9 قرون
ساهم بشكل كبير في تأمين مدينة وادان التاريخية بالشمال الموريتاني على مدار 9 قرون، وشكل فرصة نادرة لسكان هذه المدينة للحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم. إنه “سور وادن العظيم” الذي شيده سكان مدينة ودان عام 547هـ، لحمايتهم من غزو القبائل في تلك الفترة.
كما شكل موقع هذه المدينة الإستراتيجي في طريق القوافل، وضعا خاصا، من حيث الازدهار الاقتصادي، الأمر الذي جعلها محط طمع القبائل البدوية، وهو ما فرض على سكان المدينة تشييد هذا السور لحماية أنفسهم.
وتحكي الروايات التاريخية أن مدينة وادان التاريخية لم تنهب مرة واحدة منذ تشييد هذا السور.
ووفق الروايات المتداولة لم يسجل التاريخ سوى حصارا واحدا على هذه المدينة في بداية القرن الـ19 ضربته إحدى القبائل الصحراوية حول المدينة، ودام شهرا كاملا، لكن تلك القبيلة عادت أمام هذا السور.
وما تزال أجزاء كبيرة من “سور وادان العظيم” صامدة وتأبى الاندثار، فيما يطالب سكان المدينة من حين لآخر بترميم هذا السور الذي يشكل معلما تاريخيا ويساهم في جلب السياح.
شكل دائري
سهل موقع المدينة في سفح جبل كبير يكاد يلتف حولها بإقامة هذا السور الذي يحتضنها. ووفق معطيات وزارة الثقافة الموريتانية “تم بناء هذا السور على شكل دائرة تمتد من أعلى الجبل غربا، وتنتهي عند سفحه شرقا، وبُني دائريا ليضم عيون المياه التي تقع على بعد مسافة نصف كيلومتر شمال المدينة”.
ووفق المصدر ذاته، “يبلغ سمك حائط السور مترا ونصف المتر، فيما يبلغ ارتفاعه 4 أمتار” واستخدمت في بنائه الحجارة والطين ومواد أخرى استقدمت من مدينتي فاس والقيروان.
لهذا السور 4 بوابات، كل واحدة منها في أحد جهاته الأربع، وأضخمها البوابة الشرقية وتدعى “فم المبروك”، وكان يحرس تلك البوابات الأربعة حرس خاص يعملون طوال اليوم ولهم زي يميزهم.
ووفق معطيات وزارة الثقافة الموريتانية، كان سكان المدينة يحرصون حينها على تدريب حراس البوابات وانتقائهم من بين الأقوياء، وكان لكل باب طبل خاص يقرع عددا معينا من المرات، إيذانا بفتحه أو إغلاقه.
ووفق الروايات التاريخية كانت هذه البوابات موزعة من حيث أهميتها، إذ لكل واحدة منها قيمة خاصة وهدف تقوم به، “حيث تمثل بوابة “فم المبروك” مدخلا رئيسيا للقوافل القادمة من المشرق من مصر والحجاز وتونس والسودان والشام وكذلك من الجنوب الشرقي من مالي.
فيما تقابل هذه البوابة بوابة أخرى من جهة الغرب، وهي أصغر حجما، وتدعى “فم القصبة”، وخصصت هذه البوابة للقوافل القادمة من نهر السنغال، أما البوابتان الجنوبية والشمالية فهما مخصصتان لدخول وخروج الحيوانات وأصحاب المشاغل من سكان المدينة.
وفي مايو/أيار الماضي، دعا عمدة مدينة وادان محمد محمود ولد ميه، السلطات إلى العمل بشكل سريع من أجل ترميم هذا السور وإبراز الطابع المعماري الفريد لمدينة وادان التاريخية والتعريف بهذه المدينة، من أجل المساهمة في تنمية المدينة وإنعاش السياحة فيها.
وتعتبر مدينة وادان من أقدم المدن التاريخية في موريتانيا، وقد شكلت في الحقب الماضية إشعاعا حضاريا وثقافيا منقطع النظير ولا تزال أطلال المدينة القديمة ومخزونها من المخطوطات والمراجع الثقافية شاهدا على حقبة مضيئة من تاريخ هذا البلد العربي الواقع في غرب أفريقيا.
وخلال السنوات الأخيرة شهدت مدينة وادان، مثل العديد من المدن التاريخية في البلاد موجة نزوح نحو العاصمة نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو، وذلك بسبب موجات الجفاف التي عرفتها البلاد.
لكن السلطات دأبت منذ 10 سنوات على تنظيم مهرجان سنوي بالتناوب بين المدن التاريخية الأربعة في البلاد، وهي “شنقيط”، و”وادان”، و”تيشيت”، و”ولاتة”؛ بهدف إعادة الاعتبار لها.