محمود عباس دمر الديمقراطية لضمان قدوم خليفة له يدعم إسرائيل
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا أكدت فيه أن علاقة التنسيق الأمني التي تحافظ عليها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي، سهلت مرارا أسر وقتل مقاتلين فلسطينيين مطلوبين لـ”إسرائيل”.
وأشارت المجلة في تقريرها، إلى استشهاد ثلاثة شبان في مدينة نابلس في 8 شباط/ فبراير الماضي، تبين أنهم ينتمون لكتائب الشهداء الأقصى التابعة لحركة فتح وقد اغتالهم الاحتلال في وضح النهار.
وأظهرت لقطات مهتزة للهاتف المحمول سيارة أجرة وشاحنة رمادية بالقرب من سيارة فضية، مع ثقوب الرصاص التي اخترقت الزجاج الأمامي للسيارة. كان جسد سائق السيارة الفضية مستلقيا على جسد االراكب الملطخ بالدماء الذي كان يجلس بجانبه، وكان رجل ثالث مستلقيا على المقعد الخلفي. قُتل الرجال الفلسطينيون الثلاثة، بعدما اخترقت سيارتهم أكثر من 80 رصاصة.
وبحسب شهود عيان، فإنه تم قتلهم بسرعة وفي وضح النهار: دخلت القوات الخاصة الإسرائيلية التي تقود سيارات تحمل لوحات تسجيل فلسطينية نابلس، وقطعت السيارة الفضية، وفتحت النار، ما أدى إلى مقتل الرجال في الداخل على الفور.
وتأتي عمليات القتل في وقت تتعرض فيه السلطة الفلسطينية لانتقادات شديدة من الفلسطينيين لحفاظها على التنسيق الأمني مع إسرائيل. وقد سهلت هذه العلاقة مرارا أسر وقتل مقاتلين فلسطينيين مطلوبين للاحتلال.
قد يفسر هذا سبب قيام رئيس السلطة محمود عباس بعمل تسجيل نادر شغّله مسؤول كبير في حرة فتح في تجمع العزاء، حيث إنه أدان عمليات القتل وتعهد بعدم السماح للحادث “بالمرور هكذا”. وقال عباس: “لن نسمح لهم بالتكرار ولن نبقى هادئين”. ومع ذلك، فلم يحضر رئيس السلطة الفلسطينية الجنازة، ولم يصدر بيانا عاما أو يظهر على التلفزيون ليدين عمليات القتل.
من الصعب تخيل سيناريو يتم تنفيذه حيث تنتقم السلطة الفلسطينية بالفعل – ففي المحصلة، السلطة نفسها موجودة فقط لأن حكامها المحتلين يسمحون لها بذلك، في الواقع، كان التنسيق الأمني مع “إسرائيل” مفيدا للسلطة الفلسطينية لبعض الوقت.
منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عملت السلطة الفلسطينية بشكل وثيق مع المخابرات والجيش الإسرائيليين لقمع حرة حماس والأعداء المشتركين الآخرين في جميع أنحاء الضفة الغربية. كجزء من التنسيق الأمني، الذي وصفه عباس ذات مرة بأنه “مقدس”، غالبا ما تعطي القوات الإسرائيلية نظراءها الفلسطينيين تنبيها قبل الغارة.
وتأتي عمليات القتل أيضا في وقت يشاهد فيه الفلسطينيون عباس وهو يعزز سلطته في المؤسسات السياسية الفلسطينية الكبرى. وخلال الشهر الماضي، شغل عباس جميع المناصب العليا في منظمة التحرير الفلسطينية – التي يترأسها أيضا – مع مستشاريه الأكثر ثقة.
أثارت هذه الخطوة دهشة الكثيرين وعززت المخاوف من أن الزعيم الثمانيني يمهد الطريق لوريث موثوق به لتولي زمام الأمور بعد وفاته.
انعقد الاجتماع الذي قام فيه عباس بترتيب أوراق منظمة التحرير الفلسطينية في المجلس المركزي الفلسطيني – وهو هيئة وسيطة بين المجلس الوطني الفلسطيني (الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية) واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أعلى هيئة لصنع القرار فيها. ونددت الفصائل الفلسطينية الأخرى بالخطوة ووصفتها بأنها استيلاء على السلطة دون خجل، ما يعزز سيطرة عباس على ما يفترض أن يكون هيئة رقابة على منظمة التحرير الفلسطينية.
كان التجمع في حد ذاته مزيفا: كان للمجلس المركزي الفلسطيني، الذي اجتمع آخر مرة في عام 2018، دور رقابي تاريخي ولم يتم تصميمه أبدا كمنتدى لشغل المناصب العليا في القيادة الفلسطينية منه. وقد عقدت جلسة رغم مقاطعة العديد من الفصائل السياسية الفلسطينية، وأكبرها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
قال معين رباني، الباحث والمحلل في الشرق الأوسط المعاصر والمحرر المشارك لمجلة جدلية الإلكترونية: “برفضه عقد المجلس الوطني، وعقد اجتماع المجلس المركزي في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلال وضع جدول أعمال، يعرف [عباس] أنه سيؤدي إلى مقاطعة الحاضرين أو انصياعهم له، أكد أن الاجتماع لن يكون أكثر من مجرد ختم مصادقة على قرارته الشخصية التي اتخذها”.
لجعل الأمور أكثر غرابة، لم يجتمع المجلس منذ أربع سنوات. ولم يشارك قادة فلسطينيون معروفون مثل حنان عشراوي، التي استقالت من منصبها في اللجنة التنفيذية في كانون الأول/ ديسمبر 2020، بينما دعا آخرون إلى مقاطعة الاجتماع.
أنهى المجلس المركزي اجتماعه الذي استمر يومين في 7 شباط/ فبراير، في اليوم السابق لإطلاق النار في نابلس، بالتوصية بوقف الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل والتنسيق الأمني مع السلطات الإسرائيلية – ولا شك لتخفيف الضغط المكثف من الشعب والناتج عن سوء العلاقات.
لا يعتقد الكثير من الفلسطينيين أنه سيتم تنفيذ توصيات المجلس المركزي، أو أنه سيتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد إسرائيل.
سبق للمجلس أن قدم نفس التوصيات في عام 2018، لكن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لم تنفذها.
هذه المرة، تأتي مقترحات السياسة في الوقت الذي تواصل فيه السلطة الفلسطينية عقد اجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى – وهو أمر لم يحدث منذ سنوات.
حاولت السلطة الفلسطينية الترويج لاجتماع المجلس المركزي للجمهور على أنه فرصة لوضع أجندة وطنية لمواجهة المأزق السياسي الحالي.
يواجه الفلسطينيون جمودا سياسيا واقتصادا متدهورا. يرون منازلهم تهدم على يد “إسرائيل” مع توسع المستوطنات غير القانونية بسرعة. لا تزال عمليات طرد الفلسطينيين في أماكن مثل الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة تشكل بؤرة توتر. لكن لا شيء من اجتماع المجلس المركزي تناول هذه القضايا.
قال ناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، والذي كان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1975 ويرأس التجمع الوطني الديمقراطي والذي شكل مع مروان البرغوثي منذ عام 2002، قائمة “الحرية” لخوض الانتخابات التشريعية في أيار/ مايو 2021، والتي أوقفها عباس في النهاية: “لم يأخذ أي فلسطيني أو حتى أجنبي [اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني] على محمل الجد”.
بالإضافة إلى ما يرجح أنها كلمات جوفاء حول تغيير علاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل، استخدم عباس اجتماع المجلس المركزي لتعيين مساعده الأيمن، حسين الشيخ، في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
كان الشيخ، وهو مسؤول كبير في حركة فتح، ينحت ببطء اسما لنفسه كواحد من أقرب المقربين لعباس. كما أنه كان يتواصل ويعقد اجتماعات مع نظرائه الإسرائيليين، ربما لتمهيد الطريق لنفسه كمنافس لخلافة عباس البالغ من العمر 86 عاما.
يفتقر الشيخ إلى الدعم الشعبي، لكن يُعتقد على نطاق واسع أن تعيينه في اللجنة التنفيذية هو خطوة نحو تولي دور كبير المفاوضين مع إسرائيل – وهو منصب شغله سابقا صائب عريقات، الذي توفي بسبب مضاعفات كوفيد-19 قبل عامين.
في الآونة الأخيرة، التقى الشيخ بوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بصفته منسق الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية. خلال الفترة التي قضاها كمنسق، كان مسؤولا أيضا عن المكتب الذي يمنح الفلسطينيين تصاريح عمل لدخول إسرائيل. كما أنه التقى بمسؤولين أوروبيين وأمريكيين لمناقشة العلاقات الثنائية وكذلك سبل التواصل مع إسرائيل لإحياء عملية السلام المحتضرة، وتهميش وزير الخارجية الفلسطيني ورئيس الوزراء ومسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح المكلفين رسميا بالشؤون الدولية.
قال رباني: “السبب الرئيسي لترقية الشيخ هو أنه عضو مخلص، يقوم بأمر سيده ويخضع تماما له ولجميع نزواته.. ومن المهم لعباس أيضا أن يتمتع الشيخ بدعم إسرائيل والولايات المتحدة والأوروبيين”.
وتهدف “المناورات السياسية الوقحة” لعباس ومركزية السلطة إلى تآكل المؤسسات الديمقراطية الفلسطينية الناشئة لتعزيز مكتب الرئيس كقاعدة عمليات استبدادية شاملة – ما يجعل من الصعب على المجتمع المدني الفلسطيني صياغة نموذج سياسي تمثيلي في المستقبل.
يدرك الشارع الفلسطيني أن اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني كان تجمعا لفائدة قلة شرعيتها الجماهيرية قليلة أو معدومة. ويعتقدون أن منظمة التحرير لم تعد تمثل الطيف الواسع للفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات.
في استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية عام 2018، أفاد 70 بالمئة من المشاركين بأنهم غير راضين عن قدرة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على “تمثيل الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات”.
وقال دبلوماسي غربي في رام الله بالضفة الغربية، طلب عدم الكشف عن هويته: “يبدو الأمر وكأنه موت منظمة التحرير الفلسطينية، بصراحة.. إن تنصيب أولئك الذين لا يتمتعون بالدعم الشعبي، في غياب أي عملية انتخابية، يبدو وكأنه طريقة واضحة جدا لجعل المنظمة غير ذات أهمية على المدى الطويل. إنه أمر مؤسف حقا. القيادة لا تقدم خدمة لشعبها”.
في ذات الوقت، زادت التوترات. دفع ارتفاع الأسعار والمشاكل الاقتصادية العميقة الفلسطينيين إلى الشوارع للاحتجاج، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في مدن الضفة الغربية مثل الخليل.
بشكل عام، تكشف مثل هذه الأحداث عن الخلاف الواسع بين الشعب الفلسطيني والقيادة في رام الله، والتي لم تتمكن من إبقاء الأمور تحت السيطرة.
مع اقتراب عباس من سن التسعين، تظل مسألة من سيخلفه أهم قضية في السياسة الفلسطينية. يتم توطيد سلطته مع التركيز على المستقبل ومن المرجح أن يحدد المسار لعهد السلطة الفلسطينية بعد عباس. إن حصول الموالين له على موافقة المؤسسات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية والأمريكية له عواقب وخيمة على مستقبل القضية الفلسطينية.
في حين أن موافقة نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين ستساعد في إيصال الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، لم تكن هذه هي المشكلة أبدا. فقد تفاوض عباس وعريقات لسنوات مع الإدارات الإسرائيلية المتعاقبة ولم يخرجا إلا بالقليل من جهودهما.
في الواقع، بالنسبة لعباس والنخبة السياسية الفلسطينية في فلكه، فإن النظام السياسي القائم يعمل بشكل جيد.
ومثل عرفات من قبله، أوضح عباس أنه لن يسمي متنافسا واحدا لخلافته. وبدلا من ذلك، فيبدو أنه راضٍ عن تأليب العديد من المسؤولين على العرش ضد بعضهم البعض.
انتخابات حرة ونزيهة، والتي ينبغي أن تكون المحدد الوحيد للخليفة، تبدو الآن بعيدة المنال. وبشكل متقطع لمدة 15 عاما، دعا عباس إلى انتخابات وطنية، كانت الأخيرة في أيار/ مايو، وأجلها إلى أجل غير مسمى، خوفا من تفوق أعضاء حماس في الضفة الغربية وحتى منافسيه داخل فصيله فتح.