رفض متواصل لمجلس القضاء المؤقت في تونس
عبر عدد من القضاة وأساتذة جامعيين ومحامين تونسيين عن رفضهم لقرار الرئيس قيس سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بآخر مؤقتا معتبرين ذلك تكريسا لـ”سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء بصفة واضحة كما أنه يلغي الباب الخامس من الدستور المتعلق بالسلطة القضائية”.
جاء ذلك في ندوة فكرية بالعاصمة التونسية حول “استقلالية القضاء في زمن الاستثناء”، نظمتها جمعية “المفكرة القانونية” المستقلة، وهي نشرة تعنى بالشأن القانوني بتونس.
وقالت رئيسة اتحاد القضاة الإداريين رفقة المباركي إن “وجود مجلس أعلى مستقل هو من أهم ركائز السلطة القضائية”، معتبرة أن “القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء يشكو العديد من الهنات والنقائص وأن الهياكل القضائية طالبت بتنقيحه لا بإلغائه وتعويضه بمرسوم”.
ووصفت القاضية مرسوم سعيّد بأنه “غير دستوري يفتقر إلى أدنى مقومات استقلال السلطة القضائية، ويلغي تماما الباب الخامس من الدستور”، معتبرة ذلك “تكريسا لهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء والذي يبرز من خلال تركيبة المجلس المؤقت الصوري التي تخضع لرئيس الجمهورية الذي يتمتع بحق المبادرة بمراجعة التعيين”.
وقالت المباركي: “رئيس الجمهورية يتحكم في تركيبة المجلس وكذلك في المسار المهني للقضاة وتأديبهم ونقلهم بحسب هذا المرسوم الذي يعطي الرئيس صلاحية إمضاء الحركة القضائية السنوية وحق الاعتراض على النقل، كما أنه في هذه الحالة لم يعد للمجلس أي سلطة تقديرية، في مخالفة للفصل 106 من الدستور الذي ينص على أن رئيس الجمهورية له سلطة مقيدة”.
وقال القاضي محمد عفيف الجعيدي، للأناضول، إن “المرسوم الصادر عن رئيس الجمهورية قيس سعيد، يمثل انتكاسة وهدمًا ممنهجًا لكل معايير القضاء المستقل”.
وأوضح الجعيدي أنه تم استثمار جهد كبير خلال السنوات العشر الماضية، وتطوير ثقافة استقلالية القضاء بالبلاد، وأصبحنا نسير على طريق إرساء القضاء كسلطة في تونس”.
وأضاف: السلطة القضائية لا تهم القضاة وحدهم، بل المجتمع ككل للحفاظ على المكتسبات وحماية الحقوق والحريات وإقامة العدل.
وتابع: المجتمع القضائي أبدى رفضا كاملا للمرسوم الرئاسي، السلطة الحاكمة استثمرت في تشويه وشيطنة القضاء قبل الفتك به، على حد تعبيره.
ومن جهته قال الأستاذ الجامعي وحيد الفرشيشي، أحد مؤسسي المفكرة القانونية بتونس إن “السلطة التنفيذية في تونس تاريخيا كانت تضرب السلطة القضائية”، منتقدا الخطاب التعسفي والتحريضي لرئيس الجمهورية ضد القضاة “وضد كل الأصوات الحرة” الذي انطلق من 25 تموز/ يوليو 2021 ويتواصل الآن مع صدور المراسيم.
واعتبر أن المس في استقلالية القضاء ليس فقط ضربا للقضاة، بل فيه مس في مصلحة المتقاضين، مشددا على ضرورة ألا تكون السلطة القضائية مستقلة عن المجتمع العلمي المدني ودون رقابة من قبله على ما يقوم به القضاة وعلى الأحكام الصادرة عنهم.
وعبر القضاة الحاضرون عن تخوفهم من أن يكون المجلس الأعلى المؤقت للقضاء سببا في تشتيت وحدة صفهم خاصة مع فتح الباب أمام تعيينات تخضع لرئيس الجمهورية وتوابعه، معتبرين أن التصور الذي يقوم عليه مجلس القضاء يقوم على فكرة القضاء كوظيفة لا كسلطة ويعطي لرئيس الجمهورية الذي يجمع كل السلطات بيديه، سيطرة كاملة على تسيير القضاء وعلى مصير القضاة في تدرجهم وفي نقلهم وفي مسارهم المهني.
تشكيك بدول غربية
في المقابل، شكك الرئيس التونسي قيس سعيّد بعد عودته من بروكسل، التي شارك فيها في أشغال القمة السادسة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، في نوايا بعض الدول الغربية، التي عبرت عن قلقها من حل مجلس القضاء، متسائلا: ماذا يريدون؟
وأوضح سعيّد، خلال لقاء مع رئيسة الوزراء نجلاء بودن، أن تونس سبق أن طالبت بعض الدول بتسليمها أشخاصاً فارين بهدف محاسبتهم، فطالبوا بتوفير محاكمة عادلة لهم لأن القضاء ليس عادلا.. فقلنا لهم سنعمل على تطهير البلاد والقضاء، فأجابوا بأن هناك مسا بمبدأ التفريق بين السلط… فماذا يريدون؟
والأحد الماضي، أصدر سعيّد مرسوما رئاسيا يقضي بحل مجلس القضاء وتعويضه بآخر مؤقت، فيما استحوذ على صلاحيات تعيين وعزل وترقية ومعاقبة القضاة، في خطوة رافقتها عديد الانتقادات المحلية والدولية.
وتابع سعيد: ‘تركوا الروح وتعللوا بالقوانين وبالأشكال التي وضعوها، وبالإجراءات التي تم الاختيار عليها لوضع الأقفال على أي عمل وطني.
وأضاف: ‘كانت فرصة أيضا لأبين لممثلي الدول حقيقة الوضع والإجراءات الاستثنائية التي تم إقرارها، وكذلك عن القضاء والمجلس الأعلى المؤقّت للقضاء.. وقلت لبعضهم أعيدوا إلينا أموالنا.. وقالوا لا بد من إجراءات يجب اتباعها، لذلك فقد تم إنشاء لجنة تتعلّق بالأموال المنهوبة.
وبدأ الرئيس التونسي قيس سعيّد، سلسلة من التدابير الاستثنائية منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، حيث إنه أعلن عن تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل الحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان.
وفي 22 أيلول/ سبتمبر، قرر سعيّد تعليق العمل بأغلب فصول الدستور، فضلا عن مواصلة تعليق أعمال البرلمان وإلغاء الامتيازات الخاصة بأعضائه، وتعطيل عمل بعض الهيئات الدستورية.
وتعمقت الأزمة السياسية بتونس بعد إعلان الرئيس، في 13 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عن تنظيم انتخابات تشريعية وفق قانون انتخابي جديد يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وعرض مشاريع تعديلات دستورية لصياغة دستور جديد على الاستفتاء في تموز/ يوليو القادم.