المصريون يغرقون بالفقر والدولة على حافة انهيار تام
لفت يحيى حامد، وزير الاستثمار في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، إلى تحليل وصفه بأنه “بالغ الأهمية”، نشره مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، مشيرا فيه إلى وصف روبرت سبرينغبورغ، لمصر، بأنها دولة متسولة تتصرف كما لو كانت دولة ريعية ثرية بالنفط مثل السعودية أو دولة تجارية مزدهرة مثل الصين، مع أن مصر ليست هذه ولا تلك.
وقال حامد في مقال كتبه في موقع ميدل إيست آي، إن التحليل حذر أيضا مما أسماه “تشابهات مذهلة لمصر مع لبنان ما قبل الأزمة.
وأشار حامد إلى تحذيرات سابقة أطلقها عبر وسائل الإعلام، محذرا فيها من مخاطر انهيار مالي وشيك في مصر، وأنه فعل ذلك أيضا عبر خطابات واجتماعات مع زعماء سياسيين غربيين، مضيفا: ما كنت لأتمنى حتى لألد أعدائي أن ينطبق ما كتبه “سبرينغبورغ” على بلدانهم هم، فهو أشبه ما يكون بالسيناريو الذي يصوره فيلم “لا تنظروا إلى أعلى”، فيما عدا أنه بدلاً من تجاهل النيزك القادم باتجاه الأرض، فإننا هنا نتحدث عن بلد تعداد سكانه 102 مليون نسمة يوشك أن يرتطم به نيزك مشابه.
تاليا النص الكامل للمقال:
في تحليل بالغ الأهمية نشره مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط في وقت سابق من هذا الشهر، يصف روبرت سبرينغبورغ مصر بأنها “دولة متسولة” تتصرف كما لو كانت “دولة ريعية ثرية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية أو دولة تجارية مزدهرة مثل الصين، مع أن مصر ليست هذه ولا تلك.” كما أنه يحذر أيضاً من تشابهات مذهلة مع لبنان ما قبل الأزمة.
ومع أنني حذرت عبر وسائل الإعلام أيضاً من مخاطر انهيار مالي وشيك، وفعلت ذلك أيضاً عبر خطابات واجتماعات مع زعماء سياسيين غربيين، فإني ما كنت لأتمنى حتى لألد أعدائي أن ينطبق ما كتبه سبرينغبورغ على بلدانهم هم. إنه أشبه ما يكون بالسيناريو الذي يصوره فيلم “لا تنظروا إلى أعلى”، فيما عدا أنه بدلاً من تجاهل النيزك القادم باتجاه الأرض، فإننا هنا نتحدث عن بلد تعداد سكانه 102 مليون نسمة يوشك أن يرتطم به نيزك مشابه.
لقد تضاعف دين مصر ليصل إلى 370 مليار دولار منذ عام 2010، ومع ذلك فما زالت القضايا البنيوية الأساسية، مثل قطاع التعليم العام المدمر والنظام الصحي المتدني الجودة تفتقر إلى المعالجة.
في تلك الأثناء تراجع معدل مشاركة القوى العمالية المصرية إلى 42 بالمائة، وهذا أدنى بكثير من معدل الدخل الضعيف والمتوسط في البلدان الأخرى والذي يقدر بحوالي 58 بالمائة.
ليس هذا مفاجئاً إذا ما أخذنا بالاعتبار كيف يختنق القطاع الخاص تحت وطأة القيود والتعتيم الذي يفرض من قبل الجيش الذي يملك جل الاقتصاد وينكب بشراهة على شراء المشاريع المملوكة من قبل ذلك القطاع.
ومع ذلك، وبدلاً من الاستفادة من هذه الغنيمة الباردة وتكريسها في تحويل اقتصاد مصر إلى محرك يولد القيمة التي تجذب الاستثمارات الخارجية، فقد هدر نظام السيسي المليارات على المشاريع العملاقة الغارقة في الفساد، والتي لا توجد لها مخرجات اقتصادية أو سياسية واضحة من حيث علاقتها بالتنمية.
محاسبة خلاقة
من الواضح أن العاصمة الإدارية الجديدة للبلاد، والتي تقدر تكاليفها بنحو 58 مليار دولار، لن تعود بالفائدة على معظم المصريين، وستبقى القاهرة كما هي في حالة من الفوضى العارمة.
لقد شُبه تشييد القصور والمقرات الرئاسية الجديدة بالاستراتيجية التي كان ينتهجها موسوليني لإثارة الإعجاب بينما يعيش ما يقرب من ثلاثين مليون مصري على ما دون الـ3.20 دولار في اليوم.
لم يكن ليخطر ببالي أن يتم استخدام واحد من أعظم رموز تراثنا الثقافي بشكل سلبي لوصف حالة الاقتصاد المصري، ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يدير مصر كما لو كانت مخططاً هرمياً.
فهو يجذب الاستثمارات الأجنبية الخاصة بمعدلات فائدة هي الأعلى في العالم، ثم تستخدم الأموال التي يدفعها المستثمرون الجدد لسداد ديون المستثمرين الأقدم منهم.
ويبلغ دين مصر حوالي 90 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، ومع ذلك، وبسبب المحاسبة الخلاقة للنظام، فإن ذلك لا يغطي سوى 54 بالمائة من الدين القومي الكلي، ويتم ابتلاع أكثر من ثلث إيرادات الحكومة مباشرة من خلال الفوائد التي تدفع على الديون. من الواضح أن مثل هذا الأمر لا يمكن أن يدوم.
ما كانت هذه العادات القبيحة في الإقراض والإنفاق لتستمر لولا مساهمة المقرضين الدوليين، فمنذ عام 2016، أقرض صندوق النقد الدولي نظام السيسي ما يقرب من عشرين مليار دولار.
ويبدو أنه لا يوجد ما يقنع صندوق النقد الدولي بالإقلاع عن عزمه على دعم ما يسمى بخطة السيسي للإصلاح، ويبدو بوضوح أن حساباته لم تأخذ بالاعتبار شيئاً من أعباء السداد ولا تفشي الفساد ولا انتشار الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان ولا هدر الأموال في استثمارات لا معنى لها.
إنفاق بلا معنى
صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا – والقائمة تطول – كلها متهمة بالتواطؤ على إشباع شهية الديكتاتور للاستمرار في الإنفاق بلا معنى.
والحقيقة أن ذلك يعود عليهم بأرباح مغرية، إذا ما أخذنا بالاعتبار كل تلك الأموال التي يجنونها على ظهور المصريين من خلال صفقات السلاح، كما يظهر من صفقة التسليح الأخيرة التي أبرمت مع الولايات المتحدة والتي تقدر قيمتها بما يقرب من 2.5 مليار دولار، وتم الإعلان عنها في الذكرى السنوية للانتفاضة المصرية.
ولكن هذا قصر نظر، لأن مثل تلك السياسات إنما تساعد السيسي في واقع الأمر على جر بلادي نحو الهاوية.
حاول كثير من المعارضين والأكاديميين التحذير من مغبة هذا التوجه، ولكن بلا جدوى. عاجلاً أم آجلاً سوف تتحطم على صخرة الفشل الذريع تلك المخططات.
وكما بين ببراعة سبرينغبورغ في تحليله، فإن المحاسبة الخلاقة والاعتماد على التدفقات المتطايرة لرأس المال، والدين العام المغموط، من بين عوامل أخرى، كلها تذكر بالمأساة اللبنانية. فماذا عساه يحدث في مصر الذي يبلغ تعداد سكانه 15 ضعفاً؟
عندما يجتمع زعماء المعارضة المصرية مع الزعماء السياسيين الغربيين فإنهم عادة ما يقال لهم إن السيسي يلعب دوراً مهماً في كبح جماح الهجرة.
وعلى الرغم من أن هذه حجة مريبة، إلا أنني كم يدهشني أن أجد نفس الزعماء السياسيين يساهمون في تكريس تلك الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع نكبة مالية ستكون لها من العواقب البشرية ما لا يمكن تصوره.
من ذا الذي سيتحمل المسؤولية قبل فوات الأوان؟ إنها دعوة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات. فكل فلس يتم حقنه في مصر يجدر به أن يصب في قناة إصلاح نظام يعاني من أعطال بالغة الخطورة.
لا يجوز بحال أن يكون الإصلاح من خلال فرض مزيد من الضرائب ورفع المزيد من الدعم على السلع والخدمات وإنما من خلال معالجة الأزمة الناجمة عن إحكام الجيش قبضته على الاقتصاد، ومن خلال منح القطاع الخاص فرصة جديدة للتنفس.
ويأتي في الصميم من الإجراءات وقف الانتهاك المستمر لسيادة القانون، ولذلك فإن كل فلس يدفع لمصر ينبغي أن يكون مشروطاً بتحقيق إنجازات في المجالين السياسي والحقوقي.