فضيحة الدم الفاسد الذي قتل عشرات التلاميذ بمدرسة في بريطانيا
يكافح العشرات من أسر ضحايا أكبر كارثة طبية، هزت المملكة المتحدة، خلال سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، من أجل الحصول على تحقيق مستقل وإظهار الحقيقة ومحاسبة المتورطين فيما عرف بقضية الدم الفاسد.
ورغم أن السلطات البريطانية قد استجابت فعلاً، لهذا المطلب خلال السنوات الأخيرة، وقررت بالتالي فتح تحقيق في الأمر، فإن كثيراً من ملابسات القضية لا يزال في طي التعتيم.
وكانت آخر فصول هذه الفضيحة العلاجية، تقدم عائلات الضحايا بدعوى قضائية ضد مدرسة همبشاير الداخلية، بتهمة الفشل في رعاية الطلاب فيما عرف بقضية الدم الملوث.
ما قصة فضيحة “الدم الفاسد”؟
مع انتشار مرض الناعور (الهيموفيليا) عرضت خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا NHS في الفترة بين عامي 1974 و1987، على حوالي 120 طفلاً تلقي العلاج في كلية اللورد مايور تريلور، وهي عبارة عن مدرسة خاصة للأطفال ذوي الإعاقات الجسدية تقع في مقاطعة هامبشاير، جنوبي إنجلترا.
وكان يتمثل العلاج الذي أشرف عليه حينها طاقم طبي مختص، في حقن المصابين بعقار كان قد صنع من بلازما الدم البشري، استورد في ذلك الوقت من الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم يكن أحد يتوقع حينها أن ما تم حقن الطلاب به، هو في الحقيقة دم ملوث بفيروس نقص المناعة المكتسبة (أتش آي في) المسبب لمرض الإيدز، والتهاب الكبد الوبائي، والذي أدى على الفور إلى مقتل حوالي 72 منهم وبقي منهم 23 طالباً على قيد الحياة إلى اليوم، يواصلون كفاحهم من أجل الحصول على العدالة لهم ولزملائهم الذي قضوا ظلما في هذه القضية.
ولم تقف الكارثة عند حدود المدرسة البريطانية فقط، فقد استُخدم العقار أيضاً على نطاق واسع في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وترجح العديد من المصادر الرسمية بأن أعداد المصابين فيما عرف بفضيحة الدم الفاسد، قد ناهز اليوم حدود 30 ألف مصاب توفي منهم إلى الآن قرابة 3000 شخص.
هزت الكارثة الشارع البريطاني، وتساءل الكثيرون حينها عن حقيقة هذا العلاج الذي أودى بحياة الكثيرين منهم، ولا يزال يحصد المزيد من الأرواح. وكُشف لاحقاً، أن السلطات البريطانية، لم تتمكن في الواقع من تحقيق اكتفائها الذاتي من بلازما الدم البشري لتصنيع العلاج لوباء الناعور الذي انتشر عندها، فاضطرت لاستيراد كميات كبيرة منه من الولايات المتحدة.
وكانت الكميات المستوردة في الحقيقة، عبارة عن بلازما مستخرجة من مساجين ومتعاطين للمخدرات، تبين لاحقاً أن الدم كان فاسداً وملوثاً بفيروس الإيدز والتهاب الكبد الوبائي.
ولم يقتصر الخطأ الطبي عند هذه النقطة، فقد اعترفت السلطات البريطانية أيضاً بعد ذلك بتقصيرها في فحص دفعات البلازما التي كانت عبارة عن كميات فاسدة حقنت لعدد كبير من الناس بمنتهى الاستهتار، وأصبحت بذلك أكبر كارثة طبية في تاريخ خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا.
بريطانيا تفتح التحقيق في القضية
وإن كانت الخطوة تعد متأخرة، إلا أن فتح تحقيق في فضيحة الدم الفاسد يبقى بالنسبة للكثير من الضحايا وأسرهم، مطلباً ناضلوا من أجل تحقيقه عقوداً طويلة، للكشف عن الحقيقة ومحاسبة كافة المتسببين في وفاة المئات من الأشخاص ظلماً، واستمرار مئات آخرين في المعاناة منتظرين المصير ذاته.
وفُتح التحقيق في القضية لأول مرة عام 2018، عقب الضغوطات الحقوقية التي مورست على السلطات البريطانية إثر وفاة قرابة 2400 شخص بسبب عقار الدم الملوث.
وقالت حينها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إن “قرار التحقيق جاء بعد وفاة 2400 شخص على الأقل على مدى عقديْن وتضرّر آلاف غيرهم، في محاولة لتحديد أسباب الأذى المروّع الذي وقع على الضحايا لأنهم يستحقون الحصول على إجابات في مأساة مروعّة لم يكن لها أن تحدث على الإطلاق”، على حد وصفها.
وانطلقت فعليا جلسات الاستماع إلى الضحايا والشهود في القضية، وأزيح الستار عن العديد من الحقائق المروعة، التي فجرت بدورها الكثير من التساؤلات التي تشير إلى احتمالات تلاعب البعض من المسؤولين في السلطات البريطانية، بالتلاعب بالحقائق وحجب المعلومات فيما يتعلق بهذه القضية.
ومؤخراً، تقدم العديد من الطلاب الناجين وأسر الضحايا المتوفين بدعوى قضائية ضد مدرسة همبشاير الداخلية، التي تعرضوا لديها للحقن بالدم الملوث، بتهمة فشلها في حماية ورعاية الأطفال الذين كانوا تحت مسؤوليتها.