كيف تحولت تركيا إلى مركز إنتاج عالمي منافس للصين؟
في السنوات الأخيرة، وضمن المساعي لنقل مركز الإنتاج من الصين إلى دول قريبة من الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط خصوصاً بعد الأزمة التي ضربت سلاسل التوريد والإمداد جراء جائحة كورونا، نجحت تركيا في جذب عدد جيد من مصنّعي التكنولوجيا العالميين للاستثمار والإنتاج داخل أراضيها لما تملكه من اقتصاد يحقّق مستويات نموّ بشكل مستقر، ولموقعها الاستراتيجي الرابط بين آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى سوقها الاستهلاكية الكبيرة ولامتلاكها خبراء وقوى عاملة مدربة في هذه المجالات.
وحسب تقرير نشرته صحيفة “نيكي آسيا”، الأحد، فإن شركة “كاجا إلكترونكس” اليابانية التي تنتج حالياً قطع مكيّفات الهواء في تركيا، تعتزم خطة ستنقل عبرها جزءاً مهماً من إنتاج لوحات الدوائر المطبوعة من الصين وجنوب شرق آسيا.
وتُعد تركيا مركزاً استراتيجياً قادراً على أن يكون بديلاً ومنافساً للصين بسبب عدة عوامل، أهمها موقعها الجغرافي المتميز الذي يربط الشرق بالغرب، وامتلاكها مهندسين وأيدٍ عاملة تتمتع بخبرات حديثة ومتطورة، وتشريعها قوانين تجارية ونقدية تسهل عمل هذه الشركات، بالإضافة إلى تمتعها ببنية صناعية متقدمة وبنى تحتية حديثة ومتشعبة، وخطوط نقل بحرية وجوية وبرية سريعة وفعالة أثبتت كفاءتها وقت الجائحة.
خلطة تركيا السحرية
منذ خمسينيات القرن الماضي انتهجت الحكومات التركية المتعاقبة سياسات تجارية ونقدية وضريبية مشجعة ازدادت وتيرتها خلال السنوات العشرين الأخيرة، وذلك من أجل استقطاب الاستثمارات الصناعية وجذب المزيد من الشركات العالمية العاملة في مجال الصناعات الحيوية.
وإلى جانب التسهيلات الحكومية، لعبت عدة عوامل أخرى أدواراً رئيسية في أن تصبح تركيا مركز جذب دولي وإقليمي لقطاعات صناعية متعددة، لعل من أبرزها موقع تركيا الاستراتيجي القريب من الأسواق الكبرى في القارات الثلاث، وامتلاكها شبكة بُنى تحتية حديثة ومتطورة تساعد على نقل وتصدير المنتجات بسرعة وسهولة، فضلاً عن امتلاك تركيا لمهندسين وتقنيين وأيدٍ عاملة تمتلك خبرات حديثة ومتطورة، بالإضافة إلى حيازة تركيا بنية صناعية ضخمة وحديثة في شتى المجالات ووجود مصانع وشركات تركية تقوم بتصنيع قطع ومنتجات مكملة لدعم المصانع الأم.
كل هذه العوامل بالإضافة لتوقيع تركيا اتفاقية التجارة الحرة مع بريطانيا أواخر العام الماضي ومساعيها لتحديث شروط اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي الموقَّعة سابقاً، تشجع المستثمرين الأجانب في مجالات التكنولوجيا وغيرها من المجالات لأخذ قرارات الاستثمار في تركيا بشكل فعال وسريع، كما فعل عملاق الإلكترونيات الياباني كاجا.
تركيا تنافس وتزاحم الصين
تصّر تركيا على احتلال مكاناً متقدماً في النظام الاقتصادي العالمي الجاري تشكيله لفترة ما بعد كورونا، كما وتحاول تطويع المشكلات الناتجة جراء الوباء وتحويلها إلى فرص أعمال ذات بعد اقتصادي، هذا ما أكّده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطابه أمام وفد من “اتحاد رجال الأعمال الشباب التركي” في مدينة إسطنبول أواخر يناير/كانون الثاني المنصرم، حين قال: إن بلاده “ستصبح لاعباً مهماً في النظام العالمي الجديد، بفضل الحملات والخطوات التي ستتخذها في القطاع الاقتصادي”.
ويرى صناع السياسة الاقتصادية في البلاد أن على الشركات التركية المحافظة على جودة منتجاتها ورفع مستويات المنافسة مع الشركات العالمية، كما تشجعهم على الاستثمار في مجالات الابتكار والتطوير دوماً، بالإضافة إلى تعزيز قدرة التصدير لديهم. وأوضح أردوغان ذلك من خلال قوله إن “الشركات التي ركزت على الأسواق الداخلية فقط في ظل كورونا، تأثرت سلباً بتبعات الجائحة، في حين تجاوزت الشركات التي ركزت على الابتكار والتصدير المرحلةَ بأقل الأضرار”.
وبقدر الجهود التي تبذلها الحكومة التركية لتشجيع وتحسين قدرة المستثمر المحلي، فإنها أيضاً تسعى على الدوام لجذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً المستثمرين في المجالات التكنولوجية ومصنّعي المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في القطاعات المختلفة، بما يسهم في كسب الخبرات الحديثة والمتطورة، ولرفع كفاءة مهندسيها وقواها العاملة، بما يعود بالنفع على الاقتصاد التركي في ما بعد.
استثمارات آسيوية ضخمة في تركيا
إلى جانب عملاق الإلكترونيات الياباني “كاجا إلكترونكس” الذي ينوي تدشين المنشأة الجديدة وإدماجها مع المنشأة العاملة حالياً في عام 2022، بدأت شركة “Oppo” الصينية بتصنيع هواتفها الذكية على الأراضي التركية اعتباراً من فبراير/شباط المنصرم بعد استثمارها حوالي 50 مليون دولار أمريكي لإنشاء مصنع خاصّ لتصنيع أجهزتها ليكون قاعدة تصنيع خاصة بالسوق التركي والأوروبي.
واعتباراً من مارس/آذار الماضي بدأت شركة “Tecno” الصينية أيضاً إنتاج أول هاتف ذكي لها بتركيا عقب بنائها مصنع خاص بها بتكلفة 25 مليون دولار بمنطقة بنديك في إسطنبول. وحسب تصريح الشركة فإن مصنع تركيا يهدف بالأساس إلى خدمة المستهلك التركي من خلال ضمان الجودة ولتقديم أسعار منافسة بطبيعة الحال، وسيُستخدم المصنع أيضاً لتلبية احتياجات السوق الأوروبية.
وفي سياق متصل، أعلنت شركة سامسونغ الكوروية الجنوبية عن أنها ستلحق قريباً بركب مصنّعي أجهزة الهواتف الذكية المستثمرين بتركيا من خلال شراكات مع مصنعين أتراك، بحسب موقع بلومبرغ الناطق بالتركية.