ديار بكر التركية التي سمية نسبة لقبيلة بني بكر العربية نقطة وصل تاريخية بين الأناضول وإيران والعراق والشام
ديار بكر التركية التي سمية نسبة لقبيلة بني بكر العربية نقطة وصل تاريخية بين الأناضول وإيران والعراق والشام
ديار بكر- تحمل مدينة ديار بكر التركية بين جوانبها ثراءً تعاقبت عليه 33 حضارة متنوعة عبر 8 آلاف عام، حيث تجذب آلاف السياح والمثقفين المحليين والأجانب، لما تتمتع به من أهمية دينية وسياحية كبيرة، من خلال مساجدها وكنائسها وقلاعها وأسوارها وقبورها وأنهارها.
وتعد ديار بكر عاصمة كبرى الولايات ذات الأغلبية الكردية في تركيا، وتقع جنوب شرقي البلاد، وهي نقطة وصل تاريخية بين الأناضول وإيران والعراق وسوريا.
وتقع على ضفاف نهر دجلة، وتعد الحد الشمالي الشرقي للأقاليم السورية الشمالية التي خضعت لتركيا بموجب معاهدة لوزان الموقعة بين تركيا والحلفاء نهاية الحرب العالمية الأولى.
وتبلغ مساحتها 15 ألفا و272 كيلومترا مربعا، وتصنف إداريًّا ضمن إقليم الأناضول الجنوبي الشرقي، وجغرافيًّا تعد جزءا من الجزيرة الفراتية التي تتميز بخصوبة الأرض ووفرة المياه.
إرث انساني
وفي السياق، يذكر أستاذ التاريخ في جامعة دجلة بديار بكر أحمد أرسلان أن الحفريات تُظهر وجود آثار حياة بشرية في المدينة منذ أكثر من 8 آلاف سنة، وأول حضارة كبيرة تركت آثارها واضحة في ديار بكر كانت حضارة الحوريين، الذين جعلوا منها عاصمتهم العسكرية والتجارية، وحكمت من قبل السومريين والميديين والحثيين والآشوريين والأرمن والسلوقيين والبارثيين والعرب.
ويقول أرسلان “سيطر عليها الرومان عام 66 قبل الميلاد، وأطلقوا عليها اسم آميدا، وبعد الرومان وقعت تحت سيطرة الفرس عام 359 للميلاد، ثم انتقلت من أيديهم إلى المسلمين العرب عام 639 في فترة الحكم الأموي، فتغير اسمها إلى ديار بكر؛ لأن أغلب من استوطن المدينة كانوا من قبيلة بني بكر بن وائل”.
ويوضح أن ديار بكر تنقلت تحت سيطرة الدول والإمارات الإسلامية التي تعاقبت على المنطقة، وبعد معركة ملاذ كرد عام 1071 للميلاد سيطر عليها الأتراك السلاجقة، ثم الأراتقة، ثم الأيوبيون الذين حكموها مدة قرن كامل، قبل أن يسيطر عليها المغول ثم التركمان.
ولفت المؤرخ التركي إلى أن المدينة شهدت في فترة الجمهورية التركية بعد عام 1923 زيادة كبيرة في عدد السكان ومستوى النشاط الاقتصادي، وخلال فترة إعادة تشكيل الولايات التركية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين اختيرت ديار بكر بوصفها مدينة كبرى لتكون عاصمة لكبرى الولايات ذات الأغلبية الكردية في تركيا.
أبرز المعالم
من أبرز معالم ديار بكر المساجد التاريخية، مثل جامع ديار بكر الكبير من عهد السلطان ملك شاه السلجوقي وجامع بهرام باشا العثماني وجامع إسكندر باشا ومنارة الأقدام الأربع.
وتضم المدينة أيضا كنائس تاريخية، منها كنيسة جرجيس الأرمنية الأرثوذوكسية من القرن 19، والكنيسة السريانية من القرن الميلادي الأول، وفي المدينة عشرات المتاحف؛ من أهمها متحف العصور التاريخية الممتدة من العصر البرونزي إلى نهاية العهد العثماني.
ويعتقد سكان ديار بكر أن أسوار قلعة مدينتهم تعد ثالث أهم أسوار العالم، بعد سور الصين العظيم، وأسوار مدينة إسطنبول الشهيرة، التي حمت المدينة العتيقة خلال حقب حضارية مختلفة.
وتضم المدينة التركية -حسب تقارير تركية- جامع الصحابي سليمان بن خالد بن الوليد، مع 26 صحابيا آخرين؛ باتت قبورهم معلما مهما للزيارة وقراءة الفاتحة على أرواحهم.
القلعة والأسوار
تقع أسوار قلعة ديار بكر في منطقة “سور” بالمدينة، أحد أقدم الأحياء بها، وتضم عدة أبواب وأبراج، أبرزها باب الجبل، وباب أورفة، وباب ماردين، والباب الجديد، إضافة إلى 82 برجا تم بناؤها في فترات زمنية مختلفة.
ويبلغ طول الأسوار نحو 5.5 كيلومترات، بارتفاع يتراوح بين 10 و12 مترا، حسب مسؤولي مديرية السياحة في الولاية.
ووفق مصادر تاريخية، فإن الحوريين (شعوب الشرق القديم) سكنوا أسوار القلعة عام 2000 قبل الميلاد، قبل أن يتم إصلاح الأسوار عبر الأحجار البازلتية المتوفرة في المنطقة عام 330 م.
وتحمل أبراج المدينة على جدرانها كتابات ورموزا قديمة، تعود لفترة حكم الأراتقة والسلاجقة، وتتسم الأبراج بتمايزها المعماري المعبر عن كل حقبة تاريخية.
ويقبل الزائرون من أهل المدينة وخارجها والسياح على الأسوار والصعود فوقها لالتقاط الصور التذكارية، خاصة أنها تشرف على نهر دجلة والمزارع المحيطة بها في إطلالة متميزة.
القلعة التي لا يعلم من بناها بالتحديد وتاريخ بنائها تحوي آثار الحوريين الذين سكنوا المنطقة منذ 3 إلى 4 آلاف عام قبل الميلاد، ولكن يعتقد في معظم المصادر أن يكون عمرها من عمر المدينة، أي نحو 8 آلاف عام، واستخدمت “حامية عسكرية” خلال عهد الإمبراطورية الرومانية.
وفي 2015، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) أسوار مدينة ديار بكر الأثرية ضمن قائمة اليونسكو للتراث الإنساني.