قلاع فرنسا الحصينة.. ماذا يعني شراء مالي ورواندا أسلحتهم من تركيا؟
بعكس النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية والنفوذ المتنامي لدول أخرى مثل الصين وروسيا انتهجت تركيا منذ عام 1998 سياسة خارجية قائمة على مبدأ (اربح-اربح) مع الدول الإفريقية، ساهمت بشكل ملحوظ في فتح الأبواب أمام تعزيز العلاقات السياسية والتجارية والعسكرية والثقافية مع دول القارة الإفريقية.
ومع توافر الخيار التركي وجهت الدول الإفريقية بوصلتها نحو أنقرة عوضاً عن باريس التي ترى بها حليفاً غير موثق تحركه دوافعه الاستعمارية، كل همه الربح الاقتصادي غير مكترث بنهضة هذه الدول ونموها، بعكس أنقرة التي بنت على مدار العقدين المنصرمين علاقات وطيدة قائمة على المصالح المشتركة.
فإلى جانب صفقات تصدير السلاح التي عقدتها تركيا مع دول إفريقية مثل ليبيا وتونس والمغرب والجزائر وكينيا والصومال، ها هما مالي ورواندا اللاتي حتى فترة قريبة كانتا تعدان قلاع فرنسا الحصينة في القارة الإفريقية، أعلنتا عن نيتهما للتعاون المشترك مع تركيا فيما يخص الصناعات الدفاعية.
فرنسا تخسر قلاعها
شهدت السنوات الأخيرة خسارة فرنسا لقلاعها الإفريقية تباعاً لصالح النفوذ التركي الآخذ في التنامي بمعظم دول القارة الإفريقية، بعد أن كانت فرنسا اللاعب الوحيد تقريباً على الساحة الإفريقية لفترة طويلة، ما دفعها إلى تبني سياسات أكثر عدوانية وأنانية مع الشعوب الإفريقية، وهو ما انعكس بشكل سلبي على العلاقات الفرنسية-الإفريقية، فقدت معها باريس مصداقيتها وموثوقيتها لدى العديد من الدول الإفريقية.
والنفوذ التركي في القارة الإفريقية ليس وليد السنوات الأخيرة ولا وليد الأزمة الفرنسية مع دول إفريقية عديدة، بل هو نتاج استراتيجية تركية قائمة على التعاون المشترك من أجل النهوض بالدول الإفريقية التي سينعكس نموها بشكل مطرد على حركة التجارة بين أنقرة من طرف ودول القارة من الطرف الآخر.
وبالتزامن مع تراجع النفوذ الفرنسي في دول كانت تعتمد اعتماداً كلياً على باريس في شتى المجالات كدولة مالي وبالأخص بعد فشل فرنسا وتخاذلها في محاربة الإرهاب الذي يسيطر على ثلث البلاد تقريباً، ازداد النفوذ التركي لمصداقيته وتبنيع علاقات اقتصادية قائمة على الربح المشترك، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء المالي شوغل كوكالا مايغا إلى تأكيد انفتاح بلاده للتعاون مع أنقرة في مجال الصناعات الدفاعية، وأنّها في حاجة إلى دول صديقة مثل تركيا لمساعدتها بمكافحة الإرهاب.
الأسلحة التركية عوضاً عن الفرنسية
في الوقت الذي تشهد به تركيا تطوراً صناعياً وتكنولوجياً متزايداً وتسجل صادراتها من المنتجات المختلفة أرقاماً قياسية عاماً بعد عام نجحت أنقرة في السنوات العشر الأخيرة في اقتحام سوق الصناعات الدفاعية بمنتجات حديثة ومتطورة بسعر منافس، إذ أعلن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) الاثنين أن صادرات الأسلحة التركية ارتفعت بنسبة 170% خلال السنوات العشر الماضية حتى نهاية عام 2018، فيما نمت صادرات الأسلحة المصنعة محلياً بنسبة 30% خلال السنوات الخمس الماضية المنتهية في 2020 مقارنة مع الفترة المقابلة المنتهية في 2015.
وبعد الاحتكار الفرنسي لسوق الأسلحة في القارة الإفريقية لسنوات طويلة نجحت تركيا بفتح قنوات تصدير جديدة للعديد من البلدان الإفريقية، وذلك في أعقاب النجاحات التي حققتها الأسلحة التركية على أكثر من ساحة صراع دولية وإقليمية، بدءاً من سوريا مروراً بليبيا ووصولاً إلى إقليم قرة باغ الأذربيجاني، فضلاً عن حداثة أسلحتها وتطورها مقارنة بأسعارها المنافسة.
فبعد صفقات السلاح إلى ليبيا والصومال وكينيا، وصفقات المُسيّرات التي اشترتها تونس ومُسيّرات بيرقدار وأنظمة الحرب الإلكترونية والمدرعات التي اشترتها المغرب من شركات الصناعات الدفاعية التركية، أعلنت مالي مؤخراً عن نيتها عقد تعاون مشترك مع تركيا فيما يخص الصناعات الدفاعية من أجل محاربة المنظمات الإرهابية.
وإلى جانب مالي ووفقاً لموقع (Africa Intelligence) فإن روندا هي الأخرى تتفاوض مع أنقرة لشراء مجموعتين على الأقل (12 طائرة في المجموع) من مُسيّرات “بيرقدار تي بي 2″، وذلك بعد شرائها منتجات دفاعية من تركيا في فبراير/شباط الماضي بقيمة 15.9 مليون دولار.
نفوذ تركي متنامٍ
على مدار العقدين المنصرمين سارعت أنقرة الخطى من أجل تعزيز العلاقات في شتى المجالات مع الدول الإفريقية وزار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال هذه الفترة أكثر من 30 دولة إفريقية، ليصبح بذلك أكثر رئيس زيارة للقارة الإفريقية.
كما انتهجت أنقرة استراتيجية طويلة الأمد لتطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية، وسمَّت الحكومة التركية عام 2005 بـ”عام إفريقيا” وسخرت شركة الخطوط الجوية التركية من أجل التوسع نحو القارة الإفريقية من خلال الربط بين تركيا ودول القارة الإفريقية عبر 50 مساراً جوياً مختلفاً، الأمر الذي ساهم في ارتفاع قيمة التجارة البينية بين الطرفين إلى نحو 23 مليار دولار، والتي خُطط لرفعها إلى 50 مليار دولار في وقت قريب. كما تنشط المنظمات الإنسانية التركية في مساعدة المحتاجين في دول القارة الإفريقية.
ومنتصف العام الجاري قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو: “إن تركيا افتتحت سفارة لها في توغو في أبريل/نيسان الماضي، ليرتفع عدد سفاراتها في إفريقيا من 12 في عام 2002، إلى 43 حالياً، لافتاً إلى أن العدد سيبلغ 44 مع افتتاح سفارة في غينيا بيساو قريباً. في المقابل تستضيف العاصمة التركية أنقرة 35 سفارة لدول إفريقية”.