تدخل فرنسا بأفغانستان ومالي وليبيا.. 20 عاما من الحروب الخاسرة
استعرضت مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية في تقرير بقلم جوليان بيرون الفيلم الوثائقي “ثمن الدم” (Le Prix du Sang) الذي بثته القناة الفرنسية الخامسة أمس الأحد، وقد قدم فيه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إلى جانب عدد من وزراء الدفاع السابقين والضباط السامين (هيرفي موران وميشيل أليو ماري وجيرار لونغيه وهنري بنتيجا)، والجنود العاديين، تقييمهم للحروب الفرنسية الأخيرة، متحدثين عن وضعية قاتمة بعد 20 عاما من بدء العملية في أفغانستان وبعد أسابيع قليلة من الهزيمة الأميركية هناك.
ويظهر المتحدثون بالإجماع -حسب التقرير– سعادتهم بأن القوات الفرنسية المقاتلة غادرت أفغانستان قبل الأميركيين عام 2012 بعد 11 عاما من حرب قتل خلالها 89 جنديا فرنسيا، ويقول هولاند “لم نغادر بسرعة كبيرة، بل ربما نكون قد غادرنا بعد فوات الوقت”.
ما الفائدة؟
ويقول مؤلفو الفيلم الوثائقي إنهم سافروا إلى أفغانستان وزاروا منطقة سوروبي، وهو واد شرقي كابل، تكبد الجيش الفرنسي فيه خسائر فادحة أثناء انتشاره هناك، وإنهم تعقبوا زعيم طالبان الذي يزعم أنه شارك في الكمين الرهيب الذي قتل فيه 10 جنود فرنسيين يوم 18 أغسطس/آب 2008.
ويقول هذا الزعيم -وهو جالس يداعب بندقية كلاشينكوف ويستعرض مقاطع فيديو قديمة تحت شجرته وهو يشرب الشاي- “لن يعود الفرنسيون؛ لقد فشلوا”، لتعلق وزيرة الدفاع الفرنسية بين عامي 2002 و2007 ميشيل أليو ماري قائلة بكل أسف إن “هؤلاء طالبان؛ عندما نستمع إليهم لا نجد أنهم تغيروا كثيرا عن أولئك الذين حاربناهم”.
ويتساءل المدير السابق لكلية الدفاع المشتركة اللواء فينسان ديبورت: “ما الفائدة إذن؟ ألم يكن بالمقدور كسب الحرب في أفغانستان، ولكننا خسرناها؟ ماذا كانت النتيجة وراء 100 قتيل والمليارات التي أنفقناها؟”.
أما اليوم، فتثار مسألة الأهداف المحددة للقوات الفرنسية المنتشرة في الخارج في منطقة الساحل حيث الوضع هناك أيضا كئيب، ويقول برنار باريرا الذي كان قائد القوات البرية في بداية عملية سرفال إن “السرطان لا يزال موجودا في هذه المنطقة من العالم بعد 8 سنوات”، متذكرا النجاح الهائل لقواته عند وصولهم، والبهجة الشعبية التي استقبل بها الرئيس هولاند في تمبكتو في زيارته لإلقاء خطاب النصر، قبل أن تخمد النشوة.
لا أهداف واضحة
ولخص برنار باريرا مهمة القوات الفرنسية في أنها احتلال للميدان ليظهر للعدو أنهم لا يزالون هناك، إلا أن تقرير الوضع الحالي في غاو بشمال مالي يظهر أن الجنود الفرنسيين يقومون بدوريات لا نهاية لها في منطقة يمكن لكل منزل فيها أن يكون مأوى لجهادي، ولكل راكب دراجة أن يكون إرهابيا، ومن ثم يتساءل الكاتب: “ما الهدف البعيد المدى في مالي وفي منطقة الساحل عموما؟”، مشيرا إلى أنه لا أحد في الفيلم يبدو قادرا على الإجابة عن هذا السؤال.
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن وضع القوات الفرنسية في مالي أصبح أكثر خطورة، بعد أن أدى الانقلاب الأخير في باماكو إلى وصول رجال ابتعدوا عن باريس ويبدو أنهم يريدون بدء التقارب مع موسكو، لأن فرنسا كان عليها -حسب هيرفي موران وزير الدفاع السابق- أن تتقبل أنها “قوة متوسطة يجب أن تظهر التواضع”.
ويقول قائد القوات المسلحة بين عامي 2011 و2012 جيرار لونغيه إن لديه شكوكا منذ بدء العملية التي قررها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في ليبيا، متسائلا: “ما الهدف؟”، ليرد “بصراحة تامة، لم يكن واضحا”.
ومع كل هذا -كما يختم الفيلم- يستمر الاشتباك الفرنسي في مالي، حيث قتل 2400 مدني في عام 2020، أكثر الأعوام دموية منذ بدء الصراع، وتبقى فرنسا تكرّم موتاها، إذ فقدت 10 في العام الماضي و3 في هذا العام، ويبقى الرئيس السابق الذي بدأ الحرب يشعر عند كل حادثة بمسؤوليته بعد فوات الوقت.