اللحظات الأخيرة من حريق المستشفى العراقي في الناصرية.. أقارب الضحايا يروون التفاصيل
بقايا بطانيات ملونة، هو ما خلفه الدمار الناتج عن الحريق الهائل في وحدة العناية بمرضى كورونا في مستشفى الحسين في الناصرية جنوب العراق.
وفي وحدة عزل المرضى المحترقة يقول أبو نور الشاوي الذي فقد عدداً من أقاربه، يأتي مريض يبحث عن العلاج وينتهي به الأمر في نعش، هذه جريمة لا تُغتفر.
ويضيف الرجل المكلوم بينما من حوله أشخاص يحاولون العثور على أقاربهم بين الركام ويساعدهم متطوعون في إزالة الأنقاض، أن “ما تعرضت له محافظة ذي قار فاجعة أليمة وموجعة ليلة أمس بسبب الفساد والتقصير المتعمد من قبل وزارة الصحة المسيسة والتابعة لأحزاب السلطة”.
ونجَم الحريق عن انفجار إسطوانات الأكسجين، حسب مصدر صحي، وسرعان ما انتشر من دون أن يترك أي فرصة للمرضى أو زوارهم للنجاة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
فقد انهار سقفه المصنوع من الصفيح وغطى الدخان المكان. وسادت معظم الليل حالة من الفوضى كافح خلالها رجال الإطفاء طيلة ساعات للسيطرة على النيران، فيما هرع مئات من السكان إلى المكان في محاولة لإجلاء المرضى المحاصرين.
وقبل أن تُخمد النيران وبينما يتصاعد الدخان من البقايا المتفحمة، دخل أقارب الضحايا المفجوعون العنبر وقد لفوا وجوههم بقمصانهم فيما مزق آخرون ملابسهم وسط صرخات مؤلمة.
يقول الناشط المدني هشام السومري الذي جاء للمساعدة “كنا نسمع صراخهم ولكن لم نستطع القيام بالشيء الكثير.. كنا نسمع صراخهم وهم يختنقون”.
يلقي السومري باللوم على السلطات المحلية ويطالب “بإجراء تحقيق كامل حول ما حدث في المستشفى وسبب الحريق”.
وأضاف: “هذه سقيفة لا تعيش تحتها حتى الحيوانات. أين الرعاية؟ أين مدير الصحة والمحافظة والمسؤولون والأحزاب ومن يتحدثون باسم الدين؟”.
من جانبه، يقول عدي الجابري الذي فقد أربعة من أفراد أسرته “نريد أن نرسل رسالة لمن أجرم أمس بحق الناصرية وعوائلنا: ألم تكتفوا منا؟ إلى متى تقتلوننا وعوائلنا؟”.
ويتابع الجابري بغضب “لا يحترق غير مستشفى الفقراء، ماذا فعل الشعب العراقي وماذا فعل الفقير الذي يجلب مريضه هنا تحت هذا الصفيح؟”.
ثم أضاف الرجل المسن لوكالة الصحافة الفرنسية “ليس لدينا حكومة، لدينا عصابة، مجرمون يحكمون البلد. أربعة من أبناء عمومتي قُتلوا وجيراني قُتلوا هنا”.
فساد وإهمال وتقصير، كلمات تكررت على شفاه المنكوبين تعبيراً عن آلامهم.
ويعتبر الحريق هو الثاني الذي يلتهم مستشفى في العراق حيث أدى حريق اندلع في مستشفى ابن الخطيب المختصة بعلاج الحالات الصعبة من كورونا في بغداد أبريل/نيسان إلى مقتل 82 شخصاً وإصابة العشرات.
وفي حصيلة رسمية معلنة تضمنت أسماء ومهن الضحايا وتداولتها وسائل الإعلام المحلية الثلاثاء، بدا أن معظم الضحايا من ربات المنازل.
وتحولت الجنازات في مدينة النجف التي نُقلت إليها بعض الجثامين وفي المدن الأصغر مثل الدواية، حيث دُفن ستة أشخاص من عائلة واحدة وفي النصر حيث دُفن أربعة إخوة، إلى مسيرات غضب الثلاثاء ضد المسؤولين المحليين المتهمين “بالفساد والإهمال”.
كما خرجت تظاهرات موازية في الناصرية التي شكلت قلب الانتفاضة الشعبية في أواخر عام 2019، في ذروة الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي شهدتها البلاد.
وتجمع مئات المتظاهرين الشباب في المدينة وتعهدوا بالسيطرة على ساحات الاعتصام للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الحادث.
وسد العشرات مداخل بعض المستشفيات للمطالبة بنقل المرضى إلى مستشفى جديد يضم أكثر من 400 سرير افتُتح في يونيو/حزيران، ولم يبدأ تشغيله بعد لأسباب غير معروفة.
ويبدو أن المتظاهرين حصلوا على مبتغاهم خلال النهار إذ أمرت السلطات بنقل جميع المرضى من مستشفى الحسين إلى المرفق الجديد لاستقبال مرضى كورونا.
كما أقيل مدير مستشفى الحسين والمسؤول الصحي في المحافظة بتوجيه من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لكن هذه الإجراءات اعتُبرت غير ذات شأن.
وقال الأستاذ في جامعة محافظة ذي قار ياسر البراك: “مرة أخرى، أثبت السياسيون عدم قدرتهم على إدارة البلاد. نحن ننتقل من مأساة إلى مأساة، ووضع العراقيين يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ولا أحد يخضع للمساءلة”.
كانت وزارة الداخلية قد سجلت بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2021 سبعة آلاف حريق.
ويعاني نظام الرعاية الصحية من التردي منذ عقود بسبب الأزمة الاقتصادية والحروب والفساد.
وأدت الجائحة إلى تفاقم الوضع إذ سجل العراق أكثر من 1,4 مليون إصابة بفيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 17 ألف شخص في البلاد.