التمدد التركي مغاربيا يجد له أرضا خصبة في الجزائر
تحت عنوان “الجزائر في مواجهة إغراء النموذج التركي”، قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن استراتيجية نفوذ أنقرة في المنطقة المغاربية تجد لها أرضا خصبة في الجزائر تحت حكم الرئيس تبون، لكن التواطؤ لا يخلو من الغيوم.
وأضافت “لوموند” القول إن هناك نوعا من “الحلم التركي” يشق طريقه بين الجزائريين. فمن السلع الجلدية المستوردة “المصنوعة في تركيا” إلى ترميم قصر الباي ومسجد حسن باشا في وهران ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية وطفرة السياحة الحلال في بحر مرمرة (جنوب إسطنبول)، فإن الجزائر تتعرض للإغراء التركي، تقول.
فالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نفسه –توضح لوموند- يذهب في هذا الاتجاه على الصعيد الجيوسياسي، متجاهلا أي اعتراضات. ولدى سؤاله عن الهجوم التركي في المنطقة المغاربية، من قبل أسبوعية “لوبوان” الفرنسية عشية الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر، أجاب تبون: لا مانع لدينا.. الخلاف بين تركيا ودول عربية معينة مرتبط بشكل رئيسي بملف الإخوان المسلمين.. تتمتع الجزائر بعلاقات ممتازة مع الأتراك.
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن السيد تبون أقل انزعاجا من الروابط بين الرئيس رجب طيب أردوغان والإخوان المسلمين، حيث يجب على المجال السياسي الجزائري أيضا إفساح المجال أمام هذا التيار الإسلامي المحافظ.
نفوذ تركي متعدد الأوجه يتزايد
وتابعت لوموند التوضيح أن الانتخابات التشريعية الجزائرية – التي تمت مقاطعتها بشكل مكثف – أظهرت تنامي النفوذ التركي مع ظهور حركة مجتمع السلم، التي أشادت بالنموذج الذي يجسده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بصفتها الحزب الثاني الممثل في الجمعية الوطنية الجزائرية.
ويجب القول – تواصل “لوموند – إن ظل تركيا على الجزائر قد نما بشكل مطرد خلال السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك. فاقتصاديا، يتقدم الوجود التركي في الجزائر وإن كان بوتيرة معتدلة. فبعد أن كانت سابع مورد للسوق الجزائري في عام 2012 (بنسبة 3.6% من الواردات)، أصبحت تركيا في المركز السادس في عام 2019 (5.11%)، بعد الصين وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا. وتشمل هذه الواردات التركية حصة متزايدة من السلع الرأسمالية حيث تم إنشاء خطوط إنتاج في الجزائر تهدف إلى تفادي الزيادة في الضرائب الجمركية على السلع الاستهلاكية.
وتنشط الشركات التركية في البناء والأشغال العامة والبنية التحتية لدرجة “التنافس المتزايد مع الصينيين”، بحسب مراقب أوروبي في الجزائر العاصمة. إن تنوع مجالات تواجدها (المنسوجات، الصلب، الأدوية… إلخ) يجعل من تركيا اليوم واحدة من المستثمرين غير الهيدروكربونيين الرائدين في الجزائر.
300 ألف سائح جزائري في تركيا
واعتبرت “لوموند” أن تطوير هذه الروابط الاقتصادية يتغذى من خلال ما وصفته بالخيال المشترك والذي تم تحديثه. فقد امتدت الوصاية العثمانية على مدى أكثر من ثلاثة قرون (1512-1830) قبل أن يترك الاستعمار الفرنسي إرثا تسعى أنقرة اليوم إلى إحيائه، كما يتضح من عمليات الترميم المعماري للقصور أو المساجد في الجزائر العاصمة أو في وهران، بحسب الصحيفة الفرنسية دائما؛ والتي أشارت أيضا إلى أن التأثير الشعبي للمسلسلات التليفزيونية التركية، التي أطاحت بالإنتاج المصري طويل الهيمنة، يغذي اليوم “الرغبة في تركيا” التي تجد منفذا في ازدهار السياحة.
فقد ازداد العدد السنوي للزائرين الجزائريين لتركيا ليصل إلى 300 ألف زائر عشية أزمة كوفيد -19، وهو تدفق أصبح ممكنا بفضل تكثيف الروابط الجوية بين البلدين (حوالي أربعين رحلة أسبوعية في عام 2019).
في هذا السياق، يسعى أردوغان إلى دفع بيادقه الإستراتيجية في الجزائر، كما يفعل في أماكن أخرى في شمال إفريقيا حيث الصراع على النفوذ مرير مع الإمارات العربية المتحدة، تقول “لوموند”، معتبرة أن الفترة مواتية حيث يبدو أن الرئيس تبون قد نأى بنفسه عن أبو ظبي، التي كان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وقائد الجيش السابق الجنرال أحمد قايد صالح مقربين جدا منها.
ويعد الملف الليبي مثالا جيدا على هذا التغيير في الموقف الجزائري، فبينما قاد المشير خليفة حفتر – بدعم كبير من الإمارات – هجومه على طرابلس، أعلن السيد تبون بسرعة كبيرة في اليوم التالي لانتخابه في ديسمبر 2019 أن العاصمة الليبية هي “خط أحمر” لا يجب تجاوزه. وكعلامة أخرى على تغير الموقف، افتتح الإماراتيون في نهاية عام 2020 قنصلية في الصحراء الغربية لإرضاء الرباط، وبالتالي استياء الجزائر.
حذر داخل الجيش الجزائري
لكن الميل الجيوسياسي الجزائري المؤيد لتركيا له حدوده، توضح “لوموند”، وينظر إليه بحذر شديد داخل الجيش الجزائري، الذي تنظر قيادات فيه إلى الجيش التركي على أنه جيش حلف ناتو. لذلك يُنظر إلى القواعد التركية القريبة على أنها الباب المفتوح للحلف، كما يوضح صحافي جزائري.