خروج أمريكي مشين من أفغانستان والجيش ينهار وطالبان تسعى للشرعية الدولية
نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تقريرا لمراسلها أنتوني لويد من هيرات الأفغانية، تحدث فيه عن قرب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد عشرين عاما. وأشار إلى أن خروج الأمريكيين يترك القوات الأفغانية بلا سند لمواجهة هجوم حركة طالبان التي من المتوقع سيطرتها على السلطة.
وكان لويد يرافق وحدة مكافحة الإرهاب التي كانت بمهمة استطلاعية بهدف وقف تقدم حركة طالبان السريع، فبعد اختفاء البوابة المقوسة لهيرات عن النظر، بدت نذر الحرب التي لا تسير على ما يرام. كان هذا واضحا من التلال، فلم يتم الرد على اللاسلكي ولم يظهر أي علم أفغاني من المقرات العسكرية المهجورة، مع أن علم طالبان بشعاره الأبيض قد رُفع على قلعة انتصارا.
وثرثر مسؤول الدورية بسم الله خان (32 عاما) ورئيس وحدة مكافحة الإرهاب لرجاله في العربة التي تقود المهمة: “يبدو أن العدو قد وصل إلى هنا”. وكان في الكرسي الأمامي لعربة كورولا برجال ارتدوا زي مقاتلي حركة طالبان من أجل وقف تقدم الحركة السريع. وأضاف: نحن في محور طالبان. ما كان أمسُنا فقد يكون يومهم.
وانتهى الحديث حيث غيّر مقاتل موقعه في المقعد وحول بندقيته القصيرة الماسورة من نوع كرينكوف باتجاه النافذة المموهة. وبعد عشر دقائق وصلت العربة إلى حاجز لطالبان الذين لم يكن لديهم أي شك أن التي تحمل مقاتلين بزيهم لا تحتاج للتفتيش ولذلك لم يلتفتوا إليها ومضت مسرعة في طريقها. وبدا واضحا أنهم في مناطق طالبان التي سيطرت في الأسابيع القليلة الماضية على عدة مناطق من قوات الحكومة في وقت تحضر فيه القوات الأمريكية وحلف الناتو للخروج سريعا من البلاد وسط تصاعد الحرب. ويقول لويد إن المهمة الاستكشافية للدورية وجدت مواقع مهجورة في نواحي هيرات وجنودا حكوميين يشعرون بالخيبة معزولين عن القيادة، وطالبان المنتصرة التي تتقدم بسرعة، وانهيارا في عمليات الإمدادات اللوجيستية، وكل هذا يقترح أن قرار الرئيس جوزيف بايدن سحب القوات الأمريكية من البلاد بدون شروط ترك أثره على القوات الحكومية التي تواجه خطر الانهيار.
ويقول الكاتب إن كل الإشارات سيئة، فالاحتلال الغربي الذي استمر لعقدين قد ينتهي بانتصار الجهاديين منذ خروج القوات السوفييتية من أفغانستان عام 1989. ويرى أن النذر واضحة من هيرات وحتى هيلمند، حيث يشعر المقاتلون الأفغان بأن القوات الغربية التي جاءت، تركتهم بدون أن تطفئ النيران التي أشعلتها. وقال سيف الله (25 عاما): جاء الأمريكيون والبريطانيون وأججوا نيران الحرب مع طالبان.
وتلقى سيف الله تدريبه العسكري على يد الأمريكيين والبريطانيين، ولكنه أُجبر على ترك منطقته في هيلمند بعد سيطرة طالبان على بيته، ويوقل: “الآن يهرب الأجانب بدون إطفاء النيران مخلفين وراءهم كفاح حياة أو موت لنا”. ولا يوجد خبر يفرح، وعلى منصات التواصل الاجتماعي يقرأ الجنود الذين تركوا مواقعهم أخبار سيطرة طالبان على مواقع جديدة مثل شير خان بندر، وهي بلدة حدودية مهمة قريبة من طاجيكستان، فيما حذرت الأمم المتحدة قائلة إن طالبان سيطرت على 50 منطقة منذ شهر أيار/ مايو، وقالت إن الحركة تقوم بالتحضير للهجوم على المدن الرئيسية، مع رحيل قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ولا توجد أخبار عن نجاحات الحكومة، ولا يزال الجنود يتحدثون بقلق عن مقتل العقيد شراب أعظمي، قائد القوات الخاصة الذي جاء من عائلة شهيرة في هيرات. وكان محبوبا من جنوده، حيث تلقى تدريبه العسكري في تركيا والولايات المتحدة، وكان نموذجا للأمل في المؤسسة الأمنية الأفغانية بشأن ما يمكن أن تحققه القوات الخاصة. وقُتل أعظمي مع 22 من عناصر الوحدات الخاصة بعدما أُرسل إلى منطقة متنازع عليها بدون دعم. وحمّلت حركة طالبان صورة أعظمي إلى جانب جثث المقاتلين معه على منصات التواصل بحيث أصبحت صورهم رمزا للآمال المحطمة حول ترك أمريكا إرثاً لها ذا معنى في أفغانستان.
وبدون أخبار جيدة، تقوم المهمة الأمريكية والناتو في كابول بالتغطية على خروجها السريع المحرج بالتعتيم على الأخبار. وتتفق الحكومة البريطانية مع هذا، وتأمل بأن لا يلاحظ أحد نهاية حملتها “الجميع بدون شيء” بعد 20 عاما والتي سقط فيها 454 جنديا بريطانيا.
وتوقع تقرير استخباراتي أمريكي هذا الأسبوع، أن الحكومة الأفغانية معرضة للسقوط بعد ستة أشهر من الانسحاب الأمريكي. ويواجه الجنود الأفغان الذين سيتركهم الناتو والأمريكيون خلفهم تهديدا وجوديا مع اقتراب طالبان إلى أطراف المدن. وقال أحد جنود الحراسة: لا ذخيرة كافية، وبدون أصدقاء، ومتعبون من القتال الدائم.
وقال لويد إن معظم الجنود في موقع الحراسة الذي زارته الدورية جُرحوا أكثر من مرة. وكان محمد نسيم (33 عاما) واحدا ممن أُجلوا من أبوبي في جنوب هيرات، وكان واحدا من خمسة نجوا من حصار لطالبان استمر شهرا حيث قُتل سبعة من مجموعته واختفى اثنان. وقال: “في الأيام الأخيرة قبل إنقاذ وحدة كوماندو لنا، كنا نأكل التوت والعشب. فكرت لشهر أنني سأموت. وعندما جاء الكوماندو وضعنا القتلى والجرحى على أرضية مروحية وأسرعنا للجلوس بينهم، فقدت العديد من أصدقائي وكنت أريد البكاء”. وعانى كل الجنود الناجين من الصدمة، وقُتلت عائلةُ قائد الوحدة على يد طالبان عام 2013 وهو يريد الانتقام، يقول: أقاتل الجماعات التي تدعمها باكستان مثل طالبان حتى لا تسيطر على بلدي. ولكن عندما أنظر للفساد وعقم قيادتنا أتساءل عما أقاتل من أجله.
خيارات الغرب
صحيفة “التايمز” علّقت في افتتاحيتها على ما رأت أنه خروج مشين لقوات الناتو والجيش الأمريكي، قائلة إن أفغانستان لم تُعرف بأنها مقبرة الإمبراطوريات بدون مبرر، ومثل الاتحاد السوفييتي السابق والإمبراطورية البريطانية بل وحتى الإسكندر العظيم، فإن خروج الأمريكيين بعد عشرين عاما قد يتحول إلى هزيمة مشينة.
وتحدثت عن مخاطر تفكك الجيش الأفغاني وانهيار معنوياته بدون دعم للطيران الأمريكي لمواجهة هجمات طالبان. وأضافت أن تسارع وحجم انهيار الجيش يثير الكثير من الأسئلة المقلقة حول ما سيحدث بعد استكمال أمريكا خروجها في 11 أيلول/ سبتمبر.
وتعتقد الصحيفة أن الآمال بقدرة حكومة الرئيس أشرف غنّي على التفاوض مع طالبان وإشراكها في الحكومة وضمان حقوق للمرأة غير واقعية. فقد أثبتت حركة طالبان قوتها العسكرية واحتلت المناطق المحيطة بالمدنية، وهي مستعدة للهجوم حالة خرج الأمريكيين وقوات الناتو.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الاستخبارات الأمريكية عن انهيار الحكومة الأفغانية خلال 12 شهرا، كما كشفت “وول ستريت جورنال” إلا أن بعض المسؤولين الغربيين يعتقدون أنها ستنهار في 3 أشهر من رحيل القوات الأمريكية. وكل هذا لن يؤثر على قرار الولايات المتحدة، مع أن إدارة بايدن عبّرت عن استعداد لإبطاء الرحيل بدون التخلي عن الموعد الرمزي للخروج، وهي الذكرى العشرين لهجمات 9/11.
وتم سحب معظم القوات الأمريكية وعددها 3500 جنديا ومعداتهم، ولا تزال طالبان ملتزمة بوقف إطلاق النار الذي وقّعته مع إدارة دونالد ترامب في شباط/ فبراير 2020 وعدم استهداف القوات الأمريكية.
وتقول الولايات المتحدة إنها لو تخلت عن قرار الانسحاب فستتعرض قواتها لهجمات طالبان مما يطيل أمد “الحروب اللانهائية” والتي تعتبر الأطول في تاريخ أمريكا. ومن المنظور الغربي، فالنتيجة لن تكون جيدة، ولا يوجد هناك بديل يمنع صعود طالبان. ويجب أن يكون الهدف هو منع اندلاع حرب أهلية والحفاظ على الكثير من الحقوق التي حصل عليها الأفغان خلال العقدين الماضيين. وكل هذا يعتمد على استعداد طالبان للمشاركة في السلطة مع الحكومة وقادة الأقاليم.
وربما ظهر نظام جديد على الطريقة الإيرانية، تحتفظ فيه طالبان بالسلطة النهائية عبر مجلس ديني أعلى وبمسؤولين منتخبين وتكنوقراط. والخطر من رفض طالبان التشارك في السلطة، مما يعني حربا مستمرة. وأي من الخيارين ليس جيدا للأفغان وما حصلوا عليه من حقوق.
لكن الغرب لديه فرصة لتشكيل نتيجة النزاع، فمن خلال تمويله للجيش الأفغاني وتأثيره على اللاعبين في السلطة عبر تأشيرات السفر والأرصدة الخارجية، يستطيع الغرب تخفيض نفوذ إيران وقدرتها التفاوضية. كما سيكون أي دعم في المستقبل لحكومة بقيادة طالبان مشروطا بالتزامها بحقوق الإنسان والضمانات الأمنية. وهذا يعني تعامل الغرب وبطريقة براغماتية مع طالبان كما تفعل بقية الدول الأخرى مثل الهند والصين وروسيا. وربما كان التعاون هذا غير مستساغ، لكن الغرب لا خيار أمامه.
طالبان والهند
في تقرير نشرته الصحيفة يوم الخميس، قال فيه هيو توملينسون، إنه مع تسارع خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، عمدت طالبان لتوسيع مداها الدولي، ففي المكتب السياسي لطالبان في قطر، تستعرض الحركة عضلاتها الدبلوماسية، وترحب بمبعوثين من مجموعة من القوى الأجنبية وتقدم نفسها على أنها حكومة أفغانستان المنتظرة، على الرغم من العنف المتصاعد في البلاد.
وأكد مسؤولو طالبان حصريا لصحيفة “التايمز” أن الحركة أجرت محادثات مع دبلوماسيين هنود في الأسابيع الأخيرة. وتمثل هذه الخطوة تحولا تاريخيا في إستراتيجية دلهي بعد عقود من العداء تجاه الحركة الإسلامية، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع جار الهند وخصمها اللدود، باكستان. ومثل بقية القوى الإقليمية، بما في ذلك روسيا والصين وإيران، اتخذت الهند قرارا عمليا بالتواصل مع المتمردين في إطار سعيها للاحتفاظ بنفوذها في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي. وأكد مسؤول كبير في طالبان لصحيفة “التايمز” أن المحادثات قد جرت. ويُعتقد أن الاجتماع عقد في العاصمة القطرية الدوحة، التي تستضيف محادثات سلام متعثرة بين طالبان وكابول. ولا تزال هويات الحاضرين في المحادثات الجديدة سرية، لكن وزير خارجية الهند، سوبراهمانيام جايشانكار، كان زائرا متكررا هذا الشهر على الدوحة.
وقال مسؤول طالبان: عُقد الاجتماع بناء على طلب الهند.. فلدى الهنود مخاوف، وطالبوا بعدم دعم طالبان للعناصر المتشددة المناوئة للهند. وأضاف: لدينا سياستنا المستقلة تجاه جميع البلدان. نحن نحترم أصدقاءنا، لكن هذا لا يعني أننا لن نتحدث إلى البلدان التي لديها علاقات إشكالية معهم. ويُعتقد أن المتمردين أبلغوا باكستان قبل الاجتماع الهندي، وذلك تقديرا لحليف الجماعة التاريخي.
وقال المسؤول: لقد قلنا للهنود إن باكستان بلد مهم للغاية بالنسبة للأفغان ولن ننساه أبدا. وأن لدينا تحفظات أيضا على دور الهند في أفغانستان، حيث كانوا يدعمون الحكومة الأفغانية ويزودونها بالأسلحة والذخيرة. وقال رحيم الله يوسفزاي، وهو صحافي باكستاني وخبير في طالبان: قال الخبراء في دلهي إن الوقت قد حان للتحدث مع طالبان. إنها حقيقة واقعة.. لقد استثمرت الهند بكثافة في أفغانستان، وتريد الحفاظ على موطئ قدمها ومواجهة باكستان. إذا لم يكن لديهم صلة بطالبان، فلن يكون لهم مكان هناك.
ويظل الحوار بين الحركة الإسلامية والحكومة القومية الهندوسية حساسا لكلا الجانبين. وامتنع المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية عن التوسع في تصريحاته في وقت سابق هذا الشهر، لكنه لم ينف الاجتماع. وقال أريندام باجي: علاقاتنا مع أفغانستان تاريخية ومتعددة الأوجه. نحن قلقون بشأن السلام والأمن في أفغانستان والمنطقة. نحن ندعم جميع مبادرات السلام، وقد شاركنا مع العديد من أصحاب الشأن.
وفي داخل طالبان نفسها، يمكن للحوار مع الهند أن يزيد الاحتكاك بين الجناحين السياسي والعسكري للجماعة. نفى المتحدث الرئيسي للمسلحين، ذبيح الله مجاهد، تماما إجراء محادثات مع الهند، لكن سهيل شاهين، المتحدث باسم المكتب السياسي في الدوحة، قال: نحن مستعدون للتحدث مع أي دولة، بما في ذلك الهند. سينتهي وضع الحرب قريبا ونحتاج إلى إعادة الإعمار والتنمية، وهو ما لا يمكن تحقيقه بدون تعاون من دول المنطقة.