في مثل هذا اليوم قبل 120 عاما قال السلطان عبد الحميد: لن أتخلى عن شبر من فلسطين
يصادف، اليوم الأربعاء، الموافق لـ19 أيار/مايو الذكرى الـ 120 لرفض السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، عرضا من قبل الصحفي والناشط اليهودي تيودور هرتزل بـ”قبول اليهود كمهاجرين في فلسطين مقابل ملايين الليرات الذهبية كي يتم تسديدها في خزينة الدولة العثمانية” التي كانت تعاني من الديون الخارجية.
“لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين”.. بهذه الكلمات أعلن عبد الحميد الثاني، الذي يعدّ من أهم سلاطين الدولة العثمانية، رفضه بيع فلسطين لرئيس الوكالة الصهيونية تيودور هرتزل، مؤكدا أن فلسطين وقف لا يحق له التصرف بها.
الديون العثمانية
بلغت الديون العثمانية الخارجية عند تولي السلطان عبد الحميد الثاني نحو 252 مليون قطعة ذهبية، وهو مبلغ كبير بمقياس ذلك العصر، فأقنع السلطان الدول الدائنة بإسقاط 146 مليونًا. ولتسديد المبلغ الباقي وُضعت بعض مؤسسات الدولة تحت تصرف مؤسسة الديون العمومية، وتمكن بهذه الوسيلة من تسديد هذه الديون، وكان حريصًا طوال عهده على عدم الاستدانة من الخارج إلا في أضيق الحدود.
ويروي مؤرخون أن السلطان عبد الحميد الثاني، كان يعلم جيدا ما يخطط له الصهاينة وما تخفيه بين سطورها، الرسالة التي بعث بها رئيس الوكالة اليهودية ثيودور هرتزل، الذي بذل ومنذ العام 1882، جهودا كبيرة لإنجاح خطته في تأسيس دولة يهودية في فلسطين.
وكان السلطان عبد الحميد الثاني، قد أصدر عام 1876، مذكرة قانونية منع بموجبها بيع الأراضي العثمانية لليهود منعا باتا وبأي شكل من الأشكال.
ولذلك اعتبر هرتزل أن السلطان عبد الحميد الثاني هو العائق الأكبر والمعطل الرئيسي للخطط اليهودية بخصوص فلسطين، فسعى جاهدا لمحاولة إقناع السلطان عبد الحميد الثاني بمخططهم في فلسطين.
ويروي المؤرخون أيضا، أن هرتزل أرسل سالة إلى السلطان عبد الحميد الثاني، يعرض عليه فيها قرضا بمبلغ عشرين مليون جنيه إسترليني، مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، ومنحهم قطعة أرض يقيمون عليها حكما ذاتيا.
عبد الحميد والدول الكبرى
كان السلطان شخصيًا غير مرغوب فيه بالنسبة للدول الأوروبية؛ لأنه يمسك في قبضته ملايين المسيحيين، وبصفته خليفة للمسلمين فإن له نفوذا وسلطانا روحيا على رعايا الدول الأوروبية المسلمين.
لم يكن من الممكن لأي من الدول الكبرى أن تقتطع أجزاء من الدولة العثمانية في أوروبا أو البلقان في ظل وجود عبد الحميد الثاني؛ لذا أخذت فكرة إسقاطه تكتسب ثقلا كبيرًا في لندن وباريس.
كما أن سياساته فيما يتعلق بالجامعة الإسلامية وسكة حديد الحجاز وبغداد، ونجاحه في تشييد سكة حديد بغداد برأسمال ألماني (وبذلك استطاع إدخال ألمانيا إلى قائمة الدول المتنافسة في منطقة خليج البصرة الغنية بالبترول، وضمن عدم اقتراب بريطانيا، وحماية السكة الحديد باعتبار ألمانيا صاحبة امتيازها) كل ذلك أقلق إنجلترا، وأثار عدم ارتياح روسيا، وخلق صلابة في التصميم الأوروبي على ضرورة التخلص من هذا الخليفة الذي استطاع بدهائه تحييد القوى الأوروبية.
عبد الحميد واليهود
كان الحادث المهم الذي أثار أوروبا ضد السلطان عبد الحميد هو رفضه إسكان وتوطين المهاجرين اليهود في فلسطين، فقد كانت أوروبا المسيحية تريد تصدير مشكلة اليهود التي تعاني منها إلى الدولة العثمانية.
وكان أول اتصال بين هرتزل رئيس الجمعية الصهيونية، والسلطان عبد الحميد، بعد وساطة قام بها سفير النمسا في إسطنبول، في 19 أيار/مايو 1901، وعرض هرتزل على السلطان توطين اليهود في فلسطين، وفي المقابل سيقدم اليهود في الحال عدة ملايين من الليرات العثمانية الذهبية كهدية ضخمة للسلطان، وسيقرضون الخزينة العثمانية مبلغ مليوني ليرة أخرى.
أدرك السلطان أن هرتزل يقدم له رشوة من أجل تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وبمجرد تحقيقهم لأكثرية سكانية سيطالبون بالحكم الذاتي، مستندين إلى الدول الأوروبية.. فأخرجه السلطان من مجلسه “بصورة عنيفة” وفق مؤرخين.
يقول السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته عن سبب عدم توقيعه على هذا القرار “إننا نكون قد وقَّعنا قرارًا بالموت على إخواننا في الدين”. أما هرتزل فأكد أنه يفقد الأمل في تحقيق آمال اليهود في فلسطين، وأن اليهود لن يدخلوا الأرض الموعودة (فلسطين) طالما أن السلطان عبد الحميد قائمًا في الحكم مستمرًا فيه.
كانت صلابة عبد الحميد الثاني سببًا رئيسًا في تأخير مشروع الصهيونية العالمية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؛ لذلك سعى اليهود للإيقاع بالسلطان وتشويه صورته أثناء حكمه، وكذلك في التاريخ، وتغلغل بعضهم في جمعية الاتحاد والترقي التي أسقطت السلطان.
وأشار مؤرخون إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني، رفض بشكل قاطع العرض المقدم من هرتزل، وورد عليه قائلا “انصحوا هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض وروّاها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن.. ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا”.